بعد تعيين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لمجلس القيادة الرئاسي ندد الحوثيون الذين يرفضون – أصلاً – شرعية هادي، نددوا بالانقلاب الذي “قاده هادي ضد نفسه”. كان الهدف واضحاً بالنسبة للمنددين الذين وضعوا الرئيس هادي تحت الإقامة الجبرية في صنعاء في 2014، وهو الرغبة في استمرار الوضع المريح بالنسبة لهم، وذلك بإبقاء هادي خارج البلاد وتفرق صف الشرعية اليمنية، وهو الوضع الذي سعى ويسعى الحوثيون لإبقائه رغبة منهم في استثماره لصالحهم. خصوم هادي هؤلاء الذين تحولوا في لحظة إلى مدافعين عنه، هم الذين كانوا خلال سبع سنوات يتحدثون عن انتهاء فترة رئاسته التي يقولون إنها كانت محددة بسنتين، والذين تذكروا فجأة شرعيته هم الذين حاربوا طيلة السنوات الماضية ضد هذه الشرعية، وهم الذين ضربوا القصر الرئاسي في عدن بالطائرات لاستهداف هادي الذي نجا من القصف.
وبعيداً عن تصرفات الحوثيين الباعثة على السخرية، فقد بدا واضحاً للمراقب أن حالة الانحباس السياسي التي نتجت عن تغرب الشرعية اليمنية لابد لها من أن تتغير، وخلال الفترة الماضية كان اليمنيون يناقشون في الغرف المغلقة وعلى وسائل الإعلام ضرورة تحريك المياه الراكدة. من هنا كان التغيير ضرورة داخلية يمنية تكاد تكون مجمعاً عليها، ولعل هذا كان العامل الأبرز الذي دفع الرئيس هادي لتفويض صلاحياته للمجلس الرئاسي الذي عينه بعد شعور الرئيس بأن سلطة في المهجر لا تعني شيئاً، في وقت يشعر فيه أن عودته إلى عدن وتحمل مسؤوليات السلطة باتت تشكل عبئاً كبيراً على كاهله المرهق بصراع المراحل وتراكم السنين، وهو الذي قال يوم تسلمه السلطة من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح: إنني اليوم استلمها وغداً أسلمها.
من هنا يمكن القول إن التغيير بات ضرورة يمنية قبل أن يكون ضرورة لخلق بيئة مناسبة لتطلعات المجتمع الدولي والإقليم فيما يخص الوضع في اليمن. وأما الذين قالوا بأن هذا التغيير كان رغماً عن إرادة الرئيس ووقفوا ينددون به، فيبدو أن هؤلاء باتوا ملكيين أكثر من الملك نفسه، لأننا هنا إزاء قرار أصدره الرئيس هادي حسب الصلاحيات المخولة له، وبما أن هادي هو من أصدر القرار فهذا القرار نافذ بغض النظر عن رؤية من يرى أن هادي كان مجبراً عليه، وهي مسألة لا يفتي فيها إلا هادي نفسه، أما نحن فنتعاطى مع هذا القرار تعاطينا مع أي قرار آخر صدر عن هادي في ما يخص الشأن العام.
ومع ذلك فإن الذين يقولون بإجبار هادي على اتخاذ القرار من قبل التحالف أو السعودية لا يملكون إلا قرينة وجوده في الرياض، غير أنهم يجهلون طبيعة شخصية الرئيس هادي الذي كان يصر على رأيه أو موقفه في بعض القضايا البسيطة التي يكون له رأي أو موقف مختلف مع التحالف في إطار التباين في المواقف أو وجهات النظر، بل إنه في كثير من الأحيان كان يرفض مجرد مناقشة بعض الأفكار المطروحة، ويرفض مجرد لقاء من يريد أن يناقشه فيها، تمسكاً بما هو عليه من موقف. وإذا كان هادي يتصرف بهذا الشكل فيما يخص قضايا لا تصل إلى حد تفويض صلاحياته، فليس من المعقول أن يُجبر هادي على اتخاذ قراره الأخير، وهو الذي رفض التعاطي مع ما دون ذلك.
وقد كان رفضه التعاطي مع ما عُرف بـ”مبادرة كيري” حاسماً في إفشال المبادرة التي طرحت في 2016، وهي المبادرة التي تقدم بها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري للحل في اليمن، والتي نصت على تعيين هادي لنائب توافقي يفوض له صلاحياته خلال ثلاثين يوماً، الأمر الذي جعل هادي يرفض المبادرة ويقدم على إقالة نائبه ورئيس الوزراء آنذاك خالد بحاج، على اعتبار أنه كان يمكن أن يكون بديلاً عن رئيس الدولة، مع العلم أن تفويض هادي صلاحياته لنائب كانت مسألة مقبولة حينها لدى من يرفضون تفويضه صلاحياته اليوم لمجلس رئاسي. فهل كان تفويض الأمس مشرعاً وتفويض اليوم غير مشروع؟ أم أن الخلاف هو في الأصل على شخصيات من تم التفويض لهم وليس على مبدأ التفويض من أساسه؟
وعلى أية حال، فقد أصبح لدينا مجلس جديد برئاسة الرئيس الدكتور رشاد العليمي وعضوية سبعة أعضاء، وقد خولت لهذا المجلس صلاحيات هادي بقرار جمهوري نافذ وصادر عن رئيس منتخب، وإذا كنا سنستسلم لنظريات المؤامرة فهذا يعني فتح الباب واسعاً لإعادة النظر في قرارات هادي التي لا تتوافق وتوجهاتنا أو رغباتنا السياسية.
وفي هذا الشأن يجدر القول إن مشكلة الشرعية اليمنية لا تكمن في الأشخاص في حد ذاتهم، ومع أهمية الأدوار التي تلعبها الشخصيات المختلفة، فإن المشكلة الجوهرية للشرعية اليمنية تكمن في السياسات، وإذا استمرت سياسات الشرعية على ما كانت عليه قبل السابع من أبريل 2022 فإن تغيير الأشخاص لن يحدث الفارق الذي يتطلع إليه اليمنيون، حيث يرى كثير من المتابعين أن السلطات الجديدة في اليمن بحاجة إلى انتهاج سياسات مختلفة تماماً عن السياسات السابقة، مع الحرص على تجنب أخطاء المرحلة.
إن أهم قرارين اتخذهما الرئيس هادي في حياته على الإطلاق هما: قراره الأول بتسلم مقاليد السلطة من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وقراره الأخير بتسليمها للرئيس الحالي رشاد العليمي
ولعل أكبر المشاكل التي يمكن أن تواجهها سلطة الرئيس العليمي الجديدة تكمن في سقف التوقعات العالي الذي رفعه الشارع اليمني بغض النظر عن إمكانيات هذه السلطة وظروفها. هذا السقف المرتفع والناتج عن حالة الإحباط التي نتجت عن السياسات السابقة هو التحدي الأبرز أمام مجلس القيادة الرئاسي الجديد.
ومن خلال متابعة ما كتب خلال الأيام الماضية يبدو أن أولى أولويات المجلس تكمن في عنوانين عريضين: أولهما يتمثل في توحيد كل المكونات العسكرية والأمنية التابعة للشرعية تحت إطار وزارتي الدفاع والداخلية، ودمج كل تلك القوى الموجودة في الساحل الغربي ومأرب والجنوب ومحور الحدود ضمن مؤسسات الدولة الرسمية: الدفاعية والأمنية. والعنوان الثاني الذي يمثل – هو الآخر – تحدياً كبيراً يتمثل في عودة كل أجهزة ومؤسسات الدولة اليمنية إلى عدن لممارسة صلاحياتها على ترابها الوطني، إذ لا يستوعب اليمنيون أن عودة الشرعية لليمن لم تتحقق بعد سبع سنوات من الحرب، على الرغم من أن ذلك كان – ولا يزال – هو الهدف المعلن لعمليات تحالف دعم الشرعية في البلاد.
هذان العنوانان الكبيران هما المحك الذي سيتقرر بناء عليه ما إذا كان التغيير السياسي الذي حصل سيُحدث التغيير الحقيقي – ميدانياً – على المستويات العسكرية والأمنية والاقتصادية والإنسانية والمجتمعية، وهذا التغيير هو الذي سيقوي موقف الشرعية اليمنية داخلياً وخارجيا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أعضاء المجلس الجديد يشكلون – في معظمهم- القوة الحقيقية على الأرض، وهذا سلاح نافع إذا نسقوا الجهود فيما بينهم في إطار المجلس، ولكنه ضار – بكل تأكيد – إذا رفضوا إدماج هذه القوات ضمن مؤسسات الدولة الرسمية. وهنا لا ينبغي إغفال التنسيق مع كل من السعودية والإمارات ومجلس التعاون الخليجي راعي المشاورات التي تمت في الرياض، ومع المبعوثين الأممي والأمريكي، لتطبيع الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية: اقتصادياً وإنسانياً وعسكرياً وأمنيا.
بقيت الإشارة إلى الرغبة الدولية والإقليمية في التحول نحو الحل السلمي في اليمن، على اعتبار أنه لا حل عسكرياً ممكناً في البلاد، وهنا يمكن القول بشكل واضح إن الحوثيين ليسوا في وارد الدخول في مفاوضات جادة للسلام وإنهاء الحرب، لعدة أسباب، في مقدمتها ما يرونه من أوضاع ميدانية وإقليمية ودولية مريحة بالنسبة لهم، ولأسباب أخرى تتعلق ببناء هذه المليشيا العقدي والآيديولوجي الذي يقرر أن المشروعية للسيف، وهو شرط أساس من شروط “الإمام الحاكم” في المرجعية المذهبية لهذه الحركة التي تشترط لمشروعية “الإمام” أن “يخرج على الناس شاهراً سيفه”، الأمر الذي يلغي مبدأ التبادل السلمي للسلطة، ناهيك عن الشرط العنصري الآخر الذي يوجب “شرعاً” أن يكون الحاكم من ذرية الخليفة علي بن أبي طالب، ومن فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم حصراً، حيث كان هذان الشرطان سبباً لحروب ظلت تستعر وتهدأ على مدى أكثر من ألف عام في اليمن، ولا تزال هذه الأفكار هي المحرك الأكبر لرفض الحوثيين لأية تسوية سياسية في اليمن، حيث الحديث عن جماعة دينية دوغمائية تسمي نفسها “أنصار الله”،وتصعب لديها المساومة على “نصرة الله” ضد أعدائه من “اليهود والنصارى والمنافقين العرب”.
أخيراً، يمكن القول إن أهم قرارين اتخذهما الرئيس هادي في حياته على الإطلاق هما: قراره الأول بتسلم مقاليد السلطة من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وقراره الأخير بتسليمها للرئيس الحالي رشاد العليمي. وقد علمنا ما جرى في الفترة ما بين القرار الأول والأخير، وبيد الله وحده علم ما سيجري بعد قراره الأخير، وفي يد الله كل خير.
٭ كاتب يمني
الرئيس الجديد من محافظة تعز !
لو تم تسليح سكان تعز , لتراجع الحوثيين لجحورهم !! ولا حول ولا قوة الا بالله
بل هي رئاسة جديدة للصراع.لقد خرج الدخان الأبيض..فهل يعقبه الدخان الأسود؟ اليمن حبلى بالمفاجآت.نرجو أن تكون سارّة وغير( جامحة )؟