منذ بداية سنوات الألفين وحتى تعيين قاضية المحكمة العليا في أيار 2012، علّمت البروفيسورة دفنه براك ايرز الطلاب في كلية الحقوق في جامعة تل أبيب دورات في قانون الدستور وقانون الإدارة. يدور الحديث عن مواضيع معقدة وحساسة، تشكل ساحة اصطدام سياسي وقانوني في دولة إسرائيل. تعاملت براك ايرز مع هذه الحساسية في المحاضرات عن طريق اعتيادها على تقصير قرارات الحكم للطلاب والقفز من قرار حكم إلى آخر، وقول ماذا قال كل قاض من القضاة. وقد قللت من طرح موقفها أو التعبير عن أي انتقاد. كان الشعور بأن براك ايرز وزعت في بداية كل محاضرة قشر البيض على الأرضية في المكان الذي وقفت فيه، ثم جمعتها في نهاية الفصل لاستخدامها في الحصة القادمة مرة أخرى.
بعد بضع سنوات رمادية على كرسي القضاء في المحكمة العليا يبدو أن براك ايرز، التي انتخبت من قبل لجنة تعيين القضاة هي والقاضي نوعم سولبرغ، قررت التخلي عن قشر البيض الذي كان محفوظاً في جيبها، وسحبت بدلاً من ذلك رخصة جرافة “دي 9” التي لديها وتسحق القانون الدولي مع القضاة الآخرين. اليسار في إسرائيل كان منشغلاً في منع اليمين من الصعود بالـ “دي 9” على المحكمة العليا، إلى أن نسي وجود جرافة كهذه لحالة الطوارئ في كراج المحكمة، وسيتم استدعاء القضاة فيها للدفاع عن الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط من “إرهاب” القانون الدولي وخطاب حقوق الإنسان للفلسطينيين.
في 27 تموز وفرت براك ايرز الإصبع الناقصة لقلب قرار حكم المحكمة العليا الذي صدر في 2022 وقررت أنه يجب عدم إخلاء البؤرة الاستيطانية “متسبيه كرميم” رغم أنها أقيمت على أراض فلسطينية خاصة. في بداية قرار الحكم، ظهر وكأنها عادت إلى نهج المشي فوق قشر البيض. “أنا أشق طريقا، آخذ القليل من هنا ومن هناك، أوافق وأتحفظ”. ولكن رغم الضريبة الكلامية التي تقدمها للقانون الدولي والادعاء بأن “نقطة انطلاق النقاش هي أنه يجب أن يكون هناك حرص زائد على حقوق السكان المحميين عندما يدور الحديث عن منطقة يهودا والسامرة”، إلا أن براك ايرز فضلت الدفاع عن المستوطنين.
في الواقع، كتبت أنه “محظور الاستخفاف بالمس بحقوق الملكية التي تكتنف تطبيق النظام الذي أمامنا”. ولكنها فعليا استخفت بحقوق الملكية للفلسطينيين.
عن طريق تحليل ملتو للقانون، مهدت الطريق لمصادرة مشابهة لأراض خاصة للفلسطينيين في المستقبل، وإلغاء التمييز الذي حرصت عليه المحكمة العليا في السابق بين بؤر استيطانية أقيمت على “أراضي دولة” والتي هي نفسها التي شرعنتها، وبين بؤر استيطانية أقيمت على أراض خاصة تعود ملكيتها لفلسطينيين والتي عارضتها. إن قانون التسوية الذي ألغته المحكمة العليا في حزيران 2020 صودق عليه مرة أخرى بالفعل بواسطة ألعاب بهلوانية قانونية.
بعد نحو شهر، في 21/8، رفضت براك ايرز الالتماس لإطلاق سراح المعتقل الإداري خليل العواودة الذي كان مضرباً عن الطعام ووصل إلى وزن 38 كغم. وقد كتبت بأنها بعد الاطلاع على المادة السرية التي عرضت عليها، تعتقد أن هناك مبرراً “صلباً وقوياً” لقرار اعتقال العواودة إدارياً من حيث البنية الوقائعية.
في الحالتين، يصعب التصديق بأن براك ايرز، الدقيقة، لم تعرف أن قرارات الحكم التي كتبتها، خاطئة من ناحية قانونية.
في موضوع شرعنة البؤرة الاستيطانية “متسبيه كرميم”، كتب البروفيسور مردخاي كرمنتسر (“هآرتس”، 28/7): “القاضية براك ايرز تدفع في الواقع ضريبة كلامية للقانون الدولي، لكنها فعلياً تقرر خلافاً له”. وحسب تبريرها، تبين “عدم قانونية صفقة مشروعة، والمجرمون يخرجون رابحين”. وأوضح البروفيسور اريئيل بروكتسيا (“هآرتس”، 7/8) كيف حول قرار القاضية براك ايرز القواعد القانونية إلى مهزلة.
في قضية العواودة. أولاً، هذا الشخص أضرب 172 يوماً عن الطعام، ووصل إلى وزن 38 كغم، ومن شبه المؤكد أنه لحق بجسده ضرر لا يمكن الرجوع عنه، لذلك لا يستطيع تهديد ذبابة.
ثانياً، بعد عشرة أيام من صدور قرار الحكم، وافق “الشاباك” على إطلاق سراحه من المعتقل، وبذلك جعل قضاة المحكمة أضحوكة. بناء على ذلك، من الواضح أن الرأي السري الذي اطلعت عليه براك لم يتناول أخطاراً يشكلها عواودة شخصياً، بل على المعنى السياسي لـ “الخضوع” لمعتقل إداري، أو تناولت الخوف من تشجيع معتقلين آخرين على الإضراب عن الطعام.
في ظل غياب خطر شخصي حقيقي لعواودة، فإن الرأي السري لم يتساوق فقط مع قواعد القانون الدولي، بل إنه رأي لم يتساوق أيضاً حتى في الأحكام التي وردت في قرارات حكم المحكمة العليا بشأن معتقلين إداريين؛ أي يبدو أن براك ايرز، لاعتبارات سياسية، كانت مستعدة للمخاطرة بموت شخص في فترة ولايتها. من حسن الحظ أن “الشاباك” فهم أن هذا الجسم الذي خلقه تفوق على خالقه وقرر إطلاق سراحه عواودة قبل موته.
لقد ركز كرمنتسر وبروكتسيا على تحليل الأخطاء في قرار براك ايرز من الناحية القانونية، لكن الناحية البشرية أكثر إثارة للاهتمام. حسب سيرة حياتها، التي ما زالت تنشر في موقع الإنترنت التابع لجامعة تل أبيب، فإنها أنهت ألقابها الجامعية بامتياز، وكانت محاضرة زائرة في جامعات ممتازة في أرجاء العالم، وشاركت في عضوية العشرات من اللجان العامة والأكاديمية، ونشرت 121 مقالاً أكاديمياً، وكتبت فصولاً في كتب، وكتبت سبعة كتب، وحررت 11 كتاباً، وحصلت على عدة جوائز على إسهامها العام والأكاديمي.
لكن وبصورة غريبة، في نهاية هذا المسار الكثيف والمثير للانطباع الذي قامت به براك ايرز، صادقت على السرقة والقتل. ما الذي يدفع شخصاً مهماً إلى أن يتحول إلى خاتم مطاطي بهذه الصورة؟
بقلم: ايتي ماك
هآرتس 16/9/2022