الخليل ـ “القدس العربي”: مفارقة كبيرة كشف عنها مؤتمر “التحدي والصمود”، الذي عقد بعد ظهر اليوم الأحد في “تجمع المجاز” في منطقة مسافر يطا، جنوب الضفة الغربية، المهددة بالتهجير القسري، الذي أطلقت فعالياته برعاية الرئيس محمود عباس، وبحضور ومشاركة رئيس الوزراء محمد اشتية وعدد كبير من المسؤولين والوزراء وفعاليات محافظة الخليل.
أحد أطراف المفارقة التي كشفتها كلمة محافظ الخليل اللواء جبرين البكري وغيره من المسؤولين في المنطقة، حجم الخدمات الأساسية التي ما زالت تنقص السكان المحللين، حيث استعرض البكري المطالب العاجلة ليظهر للمستمعين كمية الجهد المطلوب لتفعيل صمود سكان المنطقة، وهو ما دفع بعض النشطاء والحاضرين إلى طرح سؤال: لماذا يتأخر كل ذلك حتى اللحظة في ظل أن استهداف المسافر مسألة ممتدة منذ سنوات طويلة؟
أما ثاني أطراف المفارقة فيتمثل بطبيعة الفعل الذي أريد له أن يكون “حدثا إعلاميا ورسميا” و”فعلا استثنائيا” كما جاء على لسان رئيس الوزراء الفلسطيني، فغير بعيد عن منطقة إطلاق فعاليات المؤتمر كانت جرافات الاحتلال ومعداته تقوم بعملية استقطاع أراض بهدف عزلها وتحويلها لحزام داخلي، حيث بدا أن الفعل المعلن عنه لا يتوافق مع فعل الاحتلال على الأرض، فيما حفلت تصريحات المسؤولين بشكر بعضهم البعض تارة، وتأكيد صمود وأصالة وبقاء أصحاب الأرض.
وأمام فعالية الممارسة الاحتلالية الاستيطانية اليومية على الأرض والتي أكد عليها المتحدث نبيل أبو قبيطة، أمين سر حركة فتح إقليم يطا، بدا التحدي الأكبر الذي أعلن عنه محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، هو في كيف يمكن تحويل المقاومة الشعبية السلمية لتكون مكلفة للاحتلال؟ وهو السؤال الذي لم يتطوع أحد للإجابة عنه.
وغلب على كلمات المؤتمر الجماهيري الذي عقد أسفل شوادر بلاستيكية بيضاء تقي الحضور من أشعة الشمس الحارقة، النبرة العالية والخطاب العاطفي الذي حول المؤتمر إلى مهرجان شعبي اشتعل بالتصفيق بين فترة وأخرى.
وتتصاعد إجراءات الاحتلال في استهداف المنطقة التي ينظر إليها على أنها خزان أراضي الدولة الفلسطينية في جنوب الضفة الغربية.
مطالبات وخدمات
وفي تفاصيل كلمات المتحدثين، اعتبر محافظ الخليل البكري، أن منطقة المسافر تمثل الجزء الأصيل من الوطن، حيث تبلغ مساحتها 85 ألف دونم، ويريد الاحتلال تحويل 35 ألف دونم منها لمناطق تدريبات عسكرية، إضافة إلى سرقة 15 ألف دونم عبر تحويلها إلى مناطق أمنية في محيط المستوطنات بحيث يمنع التحرك بها.
وشدد البكري على أن الجهات الرسمية أطلقت ثلاث مساحات للنضال في منطقة المسافر، الأولى: تمثلت بالبعد النضالي الذي تمثل في لجنة الدفاع عن المسافر، وكان ذلك في إطار المقاومة الشعبية والسلمية. والثانية في البعد القانوني، وهي مساحة من اختصاص هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. والثالثة تختص بالعمل الإغاثي حيث تتكفل به الحكومة من تأمين احتياجات المواطنين.
وعدد البكري ما أنجز من مشاريع خلال الفترة الماضية لصالح المنطقة المهددة بالاستيطان من مد خطوط الماء وبناء المدارس ووضع مقار للمتضامنين مع المنطقة، وعقد المؤتمرات الصحافية وتزويد الأهالي بالمعدات الزراعية وترميم الكهوف، لكن عدد الاحتياجات بدا أكثر بكثير مما تم إنجازه.
وطالب البكري باعتماد التجمعات السكانية في المسافر على أنها مجالس محليات وتعامل أسوة بالمجالس البلدية، وتوفير موظفين على حساب وزارة الحكم المحلي، وزيادة وحدات الطاقة الشمسية، وربط المناطق بالكهرباء، وتوظيف الخريجين، وتوسيع فتح الطرق، وزيادة ساعات العمل بالوحدات الصحية، وإنشاء مركز للولادة الامنة، وفتح عيادة بيطرية، واستكمال ترميم الكهوف التي يقدر عددها بـ 300 كهف، وتقديم الأشتال الزراعية سنويا، وتزويد مربي الماشية بأعلاف للأغنام، وتأسيس مركز إسعاف إلى جانب مركز للدفاع المدني لخدمة المنطقة وإعفاء المسافر من أثمان المياه.
سيغادر المسؤولون المنطقة
بدوره قال نبيل أبو قبيطة، أمين سر حركة فتح إقليم يطا، إن المنطقة التي يقف عليها المشاركون هي أسهل وأقرب نقطة يمكن أن يصلها الزائر لمنطقة مسافر يطا، في إشارة إلى وعورة المنطقة وصعوبة الجغرافيا التي يعيش عليها الفلسطينيون هناك.
وأكد أبو قبيطة أن المسؤولين سيغادرون المنطقة، ويذهبون إلى منازلهم، فيما سيبقى فيها أهلها وسكانها الذين لولاهم لقضمت المستوطنات الاحتلالية الأرض الفلسطينية كلها.
وتحدث أنه غير بعيد عن المنطقة التي يقف فيها المشاركون في المؤتمر تعمل آليات البطش الإسرائيلي بقضم الأرض الفلسطينية لعمل جدار حيث يجري تنفيذ مخطط خطير يستهدف المنطقة. وطالب الحكومة بتعزيز الصمود عبر تزويد المزارعين بالأعلاف، وشق الطرق، وتوفير المياه والعيادات الصحية، وبناء مزيد من المدارس، وتوظيف خريجي البلدات بمنحهم حالة استثنائية، وتحويل الخليل إلى ثلاث محافظات لتسهيل خدمة سكانها وتوفير الأمن لهم.
وحدة الميدان واجتماعات
أما رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، فأكد أن أهمية المنطقة تتمثل في كونها امتدادا للنقب الفلسطينية وهي تشكل بوابة فلسطين للجنوب كله.
وأكد إن عقد المؤتمر يتوافق مع يوم 26 يونيو/ حزيران من عام 2002 عندما بدأ الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري، وأكد أنه يتوافق مع بناء جدار عازل في المنطقة، بطول22 كيلومترا مربعا، حيث سيخلف أكثر من 10 آلاف دونم ستعمل على عزل الأراضي لتكون جزءا من الداخل الفلسطيني، “وهذا مؤشر خطير جدا” .
وأكد أن الجرافات “تعمل في منطقة عين البيضا القريبة من أجل السيطرة على مزيد من أراضي الأجداد”.
وطالب بدوره بالوحدة في الميدان، وبضرورة وضع خطة وطنية شاملة يشترك بها جميع المستوى الرسمي والوطني والفصائل ونشطاء المقاومة الشعبية وأصحاب الأراضي، بحيث تدعى كل الأطراف لجلسة سريعة وطارئة، تعتمد على ثلاثة أسس، الأول: تعزيز صمود المواطنين وتمكينهم من التشبث بالأرض، والثاني تكريس الوحدة الحقيقية والمشاركة الواسعة، الثالث: التأكيد أننا لن نرفع الراية البيضاء.
سؤال بلا جواب
وفي كلمته قال محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، ان الاحتلال يستخدم أكذوبة ساحات التدريب العسكرية وميادين إطلاق الرصاص كمقدمة لتحويل الأراضي لمناطق استيطانية.
وشدد على أن الأهالي هنا يعيشون ويصمدون رغم قسوة الحياة، وأكد أنه” لولا وجود حراس الأرض في هذه المضارب المنتشرة لما تمكنا من حمايتها” .
وشدد على أن النقطة الأولى التي كانت على رأس اجتماع اللجنة المركزية هي المقاومة الشعبية، حيث تم بحث ضرورة العمل على تصعيدها، والدعوات لتطويرها وتوسيع المشاركة بها.
واعتبر أن المطلوب اليوم هو العمل على توسيع مجابهة الميدان في كل مكان.
وأكد أن المقاومة الشعبية هي الخيار المتاح حاليا للفلسطينيين، لكن من دون أن يعني ذلك عدم وجود خيارات غيرها “فالمقاومة بكل أشكالها حق مشروع للشعوب المحتلة في مواجهة المحتلين” .
وأكد أن الاحتلال يدفع بظهور أشكال مقاومته، مشددا على ان هذه المقاومة عليها أن تنمو وتستمر ويشارك بها الجميع حتى يصبح الاحتلال مكلفا على ممارسيه، وذلك حتى يفكر في إنهاء احتلاله.
وختم مشددا على أن “الفلسطيني قادر على الصمود بشرط أن يبقى يقاوم، ويرفع وتيرة المقاومة ضد الاحتلال، وأن نخلق حالة من الوحدة والانسجام داخل المجتمع الفلسطيني، بحيث تمنح الأولوية للتناقض مع الاحتلال”.
لن نقول “آخ”
أما رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية فقال في كلمة مطولة إن الرد الجدي والحقيقي على مخططات الاحتلال ومصادراته هو التواجد في هذا المكان.
وقال: “رسالتنا اليوم للضيف القادم الى الشرق الأوسط لنقول له من دون مسار سياسي ينهي الاحتلال ويحق الحقوق للشعب العربي الفلسطيني لا يمكن أن يكون هناك سلام بالمنطقة، أما الطيران فوق فلسطين فلن يغيبنا عن الخريطة”.
وتابع حديثه قائلا بحماس: “في ظل غياب الأفق السياسي وانزلاق الحكومة الاسرائيلية للهاوية، نعلم علم اليقين أن المزاج الانتخابي في فلسطين يعني عدونا على الفلسطينيين، فالدعاية الانتخابية تدفع بالعملية الفلسطينية على شكل مزيد من الاستيطان والعدوان والقتل” .
وطالب بضرورة توحد ساحات المواجهة في عموم الضفة الغربية “القابضة على الجمر” ، كما قال.
وشدد على ان الحكومة الفلسطينية تعتبر مركبا رئيسيا من مقاومة الاحتلال وليست حكومة خدمات فقط”، فهي جزء لا يتجزأ من المشهد المقاوم للاحتلال بكل مفاصلة” .
وأضاف: “بصراحة شَبعنا شكاوى للأمم المتحدة، هذا أمر لم يعد يجدي. نريد صوتنا أن يكون عاليا، ولكن هذا لوحده غير كاف. وفي حال لم نزرع فلن نحصد في الصيف القادم، ونحن نحب الزرعة التي تدوم طويلا”.
وعدد في المقابل حجم الخدمات التي قدمتها الحكومة لمنطقة المسافر، كما أسهب في الخدمات التي ستقدمها حكومته للمنطقة، وتطوع بطرح سؤال بعض الحاضرين الذي تمثل بـ: “من أين للحكومة أن تعلن عن مشاريع في ظل الضائقة المالية؟” ، حيث اعتبر هذا سؤالا شرعيا، مشددا على أن الحكومة ستوفر كل قرش تتعهد به.
وتحدث عن المشاريع التي ستقدمها الحكومة مثل تغطية المنطقة بشبكة الاتصالات، وتوفير التأمين المجاني للعاطلين عن العمل، وتوزيع بذور محاصيل وأشتال حقلية ومعدات، وتأهيل الطرق، ودعم الثروة الحيوانية (في المنطقة 22 ألف رأس غنم في المنطقة) وإنشاء مسلخ للمواشي في مدينة يطا، وسوق للحلال (المواشي). ورعاية المحميات الرعوية، …الخ من الخدمات.
وأكد أنه سيكون على رأس جدول أعمال حكومته (اليوم الإثنين) بحث مسألة توفير المياه للمنطقة، كما طالب وزارة الاتصالات بتوصيل خدمة الإنترنت لمدارس المسافر وفتح مكتب بريد، وتزويد السكان بالخلايا الشمسية، وتدريب الشباب في كل المجالات، والعمل على ترميم 300 مغارة يسكن فيها الأهالي.
وختم حديثه “كل القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس لن تقول “آخ”، ولن نقول نعم لأي ابتزاز، وسنقول لا لكل ما لا يخدم قضيتنا، وسنبقى شوكة في حلق كل المستوطنين”.
دليل قاطع على أن السلطة في وادي والشعب الفلسطيني في آخر