بعد أكثر من نصف سنة على الحرب المندمجة، جواً وبراً وتحت الأرض، يمكن التقدير بأن أساس قوة حماس العسكرية قد تم تدميره. ومعظم الصواريخ ومنصات الإطلاق تدمر. ومنذ أربعة أشهر لا يوجد تقريباً إطلاق صواريخ من القطاع. هذا ليس نتيجة قرار تكتيكي لحماس، الذي استهدف تضليل وتخدير قوات الأمن للعودة ومفاجأتنا بهجوم غير متوقع يؤدي إلى خسائر كبيرة في الجبهة الداخلية والوحدات القتالية، بل الأكثر ترتجيحاً أن حماس بقيت تقريباً بدون صواريخ ومنصات إطلاق وبدون قدرة على تشغيل القليل الذي تبقى لدى رجالها بصورة عملية، بسبب سيطرة إسرائيل على معظم مناطق القطاع، التي كان يمكن أن تستخدم كقواعد لإطلاق الصواريخ على إسرائيل.
عدد كبير من مقاتلي حماس تمت تصفيتهم، هذا إنجاز مهم. لا يدور الحديث فقط عن مقاتلي الصف الأول في حماس، بل أيضاً محيط سلسلة القيادة، بدءاً بكبار القادة وانتهاء بآخر المقاتلين. من شبه المؤكد أن القادة الكبار، وعلى رأسهم يحيى السنوار ومحمد ضيف، ما زالوا على قيد الحياة. هم يختبئون في أماكن قد ينطوي اختراقها على ثمن باهظ لنا، ثمن من غير الصحيح دفعه.
إن تصفية السنوار والضيف ستكون محتملة من خلال عمليات مركزة في المستقبل، حتى إذا طال هذا الأمر وليس بالضرورة أن يكون متساوقاً مع الجدول الزمني الخاص لرئيس الحكومة. بالنسبة له فإن تصفية قادة حماس مناسبة لإطلاق مهرجان نصر يستهدف طمس حجم السقوط الذي هو مسؤول عنه، كارثة 7 أكتوبر. ولكن كما قيل، فإنه محظور تسخير عملية الحرب وسلم أولوياتها لأغراض نتنياهو الشخصية. لا شخص في إسرائيل إلا ويتوق لسماع تصفية السنوار والضيف؛ فهما من كبار القتلة ومن أصحاب الأرواح الشريرة وليس لديهما أي موانع أخلاقية، إرهابيان بكل معنى الكلمة. وما دمنا نريد تصفيتهما فعلينا التصرف بضبط النفس والصبر والحكمة.
في حرب لبنان الثانية، رئيس حزب الله حسن نصر الله، كان هدفاً للتصفية. رغبنا في قطع رأس هذه الأفعى الخبيثة، ولكننا لم نسخر الحرب لهذا الهدف فقط. في نهاية المطاف أيضاً، تصريحات نصر الله في قنوات التلفاز اللبنانية بأنه لو كان يعرف حجم رد إسرائيل على اختطاف وقتل إيهود غولدفاسر والداد ريغف وغيرهما من الجنود، وعلى هجوم حزب الله بالصواريخ، لما نفذ هذه الخطوة.
معنى تصريحات حسن نصر الله يساوي تصفيته وعرض جثته كإنجاز عسكري لإسرائيل. الـ 17 سنة التي حذر فيها من المبادرة إلى هجوم واحد حتى على إسرائيل، حتى بالسلاح الخفيف وبالتأكيد ليس بواسطة الصواريخ، هي تعبير مهم على الإنجاز العسكري لحرب لبنان الثانية والردع الذي أوجدته على الحدود الشمالية. وحتى لو كان في أوساطنا من يستمتعون بانتقاد إنجازات هذه الحرب بعد مرور هذه السنوات، فيكفي أن يدرك حسن نصر الله حجم هزيمته كي يعرضها بالحجم الصحيح.
في هذه النقطة الزمنية، نحن في ساحة غزة في نفس مستوى الإنجاز العسكري ومستوى الردع الذي وصلنا إليه في نهاية حرب لبنان الثانية. رئيس الحكومة وضع منذ البدء في العملية البرية هدف غير واقعي، لا توجد طريقة لتحقيقه أو أي إمكانية لقياسه. نتنياهو فعل ذلك، حسب معرفتي، لأسباب تآمرية قبيحة لا يمكن الخطأ فيها. يعرف أن الحديث عن “النصر المطلق” شعار فارغ. لن يتحقق هذا النصر. في ظل غيابه يمكن اتهام الجيش بعدم تحقيقه.
عملياً، هناك نصر واقعي ومؤثر وغير مسبوق. لم يضطر جيش نظامي في أي يوم لمحاربة منظمة إرهابية تختفي في شبكة أنفاق تحت الأرض على عمق عشرات الأمتار وداخل مناطق مأهولة يعيش فيها مئات آلاف المدنيين غير المشاركين. هؤلاء المدنيون تعرضوا بالضرورة إلى القصف من الجو وإطلاق نار خلايا الكوماندوز التي تطارد قادة الإرهاب، وأصبحوا ضحايا مأساويين آخرين للحرب.
في هذه المتاهة المعقدة تحت عيون المجتمع الدولي المنتقدة، حتى أفضل أصدقائها ومؤيدينا، عمل الجيش الإسرائيلي بشكل مثير للانطباع. لا توجد معركة عسكرية معقدة جدا ًبدون أخطاء وبدون إطلاق نار زائدة على جنودنا وأيضاً على مواطنين غير مشاركين. لقد كانت هناك عدة ظواهر مقلقة للإصبع السريعة على الزناد، التي كان من بين ضحاياها أيضاً مخطوفون ومدنيون غزيون وجدوا أنفسهم في مناطق القتال ودفعوا حياتهم ثمناً لذلك. لا يمكن الإنكار بأن جنودنا أظهروا تهوراً زائداً في عدة حالات، لكن يصعب اتهامهم، مع الأخذ في الحسبان الظروف الخاصة لهذا القتال، والفوضى في المعارك في المناطق المأهولة وفوق أنفاق الموت التابعة لحماس.
مع ذلك، يوجد هدف واحد لم يتحقق بعد، وهو إطلاق سراح المخطوفين. هذا الهدف من البداية لم يكن في مركز اهتمام نتنياهو، الذي يبدو أنه في بعض الحالات أفشل احتمالية توسيع البنية التحتية للتفاهمات التي تمت مناقشتها بين إسرائيل وحماس من خلال الوسطاء والتقدم نحو صفقة شاملة لتحرير جميع المخطوفين.
رفح لا تعتبر هدفاً مهماً سيحدد في نهاية المطاف نتيجة المواجهة بين إسرائيل وحماس.
على الرغم من أنه يصعب نفسيا،ً وتقريبًا من غير المحتمل قبول ذلك، فمن المهم الفهم بأن “إسرائيل لن تخرج منتصرة في هذه المواجهة”. الحديث المتبجح عن “النصر المطلق” يعكس الغباء والغطرسة، وبالأساس هو محاولة للهرب من مظاهر عدم الانتصار من أجل التملص من محاكمة الجمهور القاطعة، التي يتوقع مجيئها لاحقاً.
نتنياهو منذ فترة طويلة لا يفكر في مصالح دولة إسرائيل ومستقبلها ومصالحها الاستراتيجية وما يجب فعله، البدء من الآن في تقليص أضرار الضربة الشديدة التي تعرضنا لها، ووضع الأسس لترميم الدولة والجيش وقوات الأمن، وبالأساس المجتمع الإسرائيلي وتكافله الاجتماعي، الذي كان ذات يوم سر قوة دولة إسرائيل الحقيقية. نتنياهو يعيش في فقاعة مقطوعة عن الواقع. وداخل هذه الفقاعة يروي لنفسه ولمحيطه بأنه يحارب على وجود دولة إسرائيل التي يحلق فوقها خطر حقيقي، وأنه ملقاة عليه مهمة تاريخية للوقوف أمام كل العالم والدفاع عنها، بجسده، أمام الذين ينكلون بها ويريدون تدميرها.
لا توجد أي طريقة لتفسير سلوك نتنياهو باستثناء الاستنتاج بأنه يفكر بأن الكثيرين في الدولة الذين يعارضونه يريدون تدمير إسرائيل بشكل متعمد. أنا أخمن أن الذين هم داخل نفق الإنسانية الحساس والمغلق الذي هو يحبس نفسه فيه مع أبناء عائلته وعدد من مؤيديه، يعتقدون أن معظم أصدقاء إسرائيل في العالم، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، وربما أيضاً عدد من الزعماء الأوروبيين، قد يتسببون في تدمير إسرائيل بسبب الضغط الذي يستخدمه عليهم اليساريون والكارهون لإسرائيل في الداخل وشركائهم في العالم.
في النظرة العالمية التي يحملها نتنياهو، فإن أكبر أعداء الدولة هم الأكثر شجاعة في أوساط جنود إسرائيل والأكثر جرأة وأعضاء المعارضة السياسية المنتخبة للكنيست. وفي هذا الصدد أضم أيضاً غانتس وآيزنكوت، اللذين يستغل نتنياهو منطقهم وإخلاصهم للدولة، في حين لا شك في أنه يحتقرهم ويعتبرهم أعداء ومنافسين له.
لقد حان الوقت لوقف نتنياهو وحكومة بن غفير وسموتريتش. وقد حان الوقت لملء شوارع الدولة بملايين المعارضين المصممين. يجب عليهم تطويق مجموعة الهستيريين الذين يقودون دولة إسرائيل نحو الدمار، ووقفها قبل أن يكون الوقت متأخراً جداً.
إيهود أولمرت
هآرتس 3/5/2024