رئيس وزراء بريطانيا يسعى لإقناع المتشككين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي
5 - أغسطس - 2013
حجم الخط
0
لندن – رويترز: يتعلق الجدل السياسي الشديد والقديم في بريطانيا بخصوص الاندماج مع أوروبا بجوانب رمزية بقدر ما يتعلق بالجوانب الجوهرية. لذا يبحث مستشارون لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون عن قضية رمزية أو قضيتين يمكن إبرازهما خلال إعادة التفاوض بشأن معاهدة الاتحاد الاوروبي قبل أن يطلب من البريطانيين دعم استمرار العضوية في الاتحاد خلال استفتاء مقرر عام 2017. يقول مصدر مطلع على مواقف زعيم حزب المحافظين إن لندن تريد محو أو تعديل هدف ‘اتحاد أوثق’ الذي تضمنه البيان التأسيسي لمعاهدات الاتحاد الأوروبي منذ إبرام معاهدة روما عام 1957. تعني هذه العبارة بالنسبة لكثير من البريطانيين رحلة لا تتوقف في اتجاه واحد تنحسر فيها السيادة الوطنية امام الاتحاد الأوروبي، كما تعني لهم أن مصير البلاد تحدده قوة اوروبية عظمى. هدف ‘اتحاد أوثق’ يستفز البريطانيين الذين يشعرون أن بلادهم دخلت سوقا أوروبية مشتركة عام 1973 لكنها انخرطت في طريقة حكم أوروبية تتدخل في الشؤون الداخلية أكثر فأكثر. وقال كاميرون في كانون الثاني/يناير الماضي ‘نفهم ونحترم حق الآخرين في الإبقاء على التزامهم بهذا الهدف. لكن بالنسبة لبريطانيا.. وربما آخرون.. هذا ليس الهدف.’ ويأمل مساعدوه في محو هذه العبارة أو توضيح أنها لا تنطبق إلا على الدول التي ترغب في اندماج أكبر، خاصة تلك الواقعة في منطقة اليورو. وفي عام 2007 سجل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي انتصارا لغويا عندما تمكن من حذف ‘منافسة حرة مطلقة’ من القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي في معاهدة لشبونة. ولم يغير هذا شيئا في قانون المنافسة الأوروبية. ومن الرموز الاخرى التي تبحثها لندن مفهوم ‘المواطنة الأوروبية’ المنصوص عليها في معاهدة ماستريخت لعام 1992. فبالنسبة للبريطانيين المدافعين عن سيادة البلاد ومحامي وزارة الخارجية فإن الأوروبيين مواطنون يحملون جنسية بلدهم لا الاتحاد الأوروبي. في واقع الأمر لا توفر عبارة ‘المواطنة الأوروبية’ حقوقا تذكر بخلاف حق الأوروبيين المقيمين منذ فترة طويلة في بلد أوروبي غير بلدهم في التصويت في الانتخابات المحلية وانتخابات البرلمان الأوروبي في ذلك البلد. لكن هذا يعني أن يحمل البريطانيون جوازات سفر مكتوبا عليها الاتحاد الأوروبي فوق عبارة بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية. وقال المصدر المطلع إن العودة إلى جواز السفر البريطاني التقليدي بدون كتابة الاتحاد الاوروبي ربما يكون فوزا رمزيا آخر لكاميرون. أشار وزير الخارجية وليام هيغ إلى بعض المجالات الرئيسية التي تريد بريطانيا تغييرها في جوهر قانون الاتحاد الأوروبي في كلمة ألقاها في برلين في ايار/مايو خاصة فيما يتعلق بالتشريع الاجتماعي. فالبريطانيون قد لا يفهمون ‘لماذا تتدخل بروكسل في مسألة مثل عدد ساعات عمل الأطباء المبتدئين أو لماذا يظل شخص من دولة عضو أخرى يطالب بمزايا متاحة في بريطانيا حتى بعد عودته إلى بلده.’ واللوائح البريطانية التي تفرض قيودا على حصول المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي على مزايا الرعاية الاجتماعية أدخلت لندن في مشكلات قانونية مع المفوضية الأوروبية. ويقول مسؤولون بريطانيون إن من الأولويات الرئيسية التخلي عن أو التخفيف من قواعد الاتحاد الأوروبي التي تخفض ساعات العمل إلى 48 ساعة في الأسبوع وتضمن للموظفين راحة لمدة 11 ساعة خلال أي 24 ساعة عمل وتمنح الموظفين المؤقتين نفس حقوق العمالة الدائمة. كما يريد عدد من دول الاتحاد الأوروبي خاصة من دول وسط وشرق أوروبا التي انضمت للاتحاد خلال السنوات العشر الماضية تعديل تشريع أوقات العمل. ويقول كاميرون إنه يريد أيضا إتمام السوق المشتركة والحد من الإجراءات البيروقراطية في الاتحاد الاوروبي وزيادة دور البرلمانات الوطنية. لكن من غير المرجح أن يسعى لتنفيذ طموحات قديمة تتمثل في تقليص السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الاوروبي كما أنه يواجه مقاومة من شركاء أغضبهم ما تقوم به بريطانيا من ‘انتقاء’ لسياسات الاتحاد الاوروبي. وفي بادرة تستهدف أعضاء البرلمان من المحافظين المتشككين في الاندماج مع أوروبا أعلنت الحكومة في العام الماضي أنها ستنسحب من أكثر من 130 بندا في معاهدة لشبونة تتعلق بالتعاون الامني. وفي الشهر الماضي طلبت في هدوء العودة للتعاون في 35 بندا من هذه البنود بما في ذلك امر الاعتقال الأوروبي الذي يتيح نقل المشتبه بهم بين الدول الأعضاء دون إجراءات ترحيل مطولة. وقال مصدر بالحكومة الفرنسية إن نيك كليج نائب رئيس الوزراء البريطاني -وهو من حزب الديمقراطيين الأحرار المؤيد للاندماج مع أوروبا والشريك الأصغر في ائتلاف كاميرون- اتصل برئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرو سعيا لنيل تأييده في السماح لبريطانيا بانتقاء البنود التي تريد العودة لها. وأضاف المصدر ‘قال كليغ إن هذه قضية بالغة الحساسية في الداخل وإن كاميرون كان يريد العودة إلى سبعة أو ثمانية بنود فقط لكنه سعى جاهدا كي تلتزم بريطانيا بعدد أكبر.’ واتضحت مدى حساسية الجدل الدائر فيما يخص الاتحاد الأوروبي من الطريقة التي أصدرت بها الحكومة بهدوء أول ثلاثة تقارير ضمن سلسلة تقارير لتقصي الحقائق عن كيفية تأثير العضوية في الاتحاد الاوروبي على بريطانيا. فقد انتظرت حتى فترة عطلة البرلمان وأصدرت هذه الدراسات المهمة دون مؤتمر صحفي أو ملخص سياسي مرفق وذلك في اليوم الذي أنجبت فيه الأميرة كيت حفيدا جديدا للأسرة المالكة. وأشاد المؤيدون للاندماج مع أوروبا بالنتيجة الأساسية التي توصلت إليها التقارير وهي أن الاقتصاد البريطاني يستفيد بصورة كبيرة من العضوية في السوق الاوروبية المشتركة في حين أبرزت الصحف المتشككة في الاندماج التكلفة الباهظة للوائح الأوروبية على التجارة والأعمال في بريطانيا. وقال بعض منتقدي العضوية في الاتحاد الأوروبي إن هذه الدراسات أغفلت نقطة أساسية هي فقد السيادة الوطنية التي يعتبرونها أهم من المسائل الاقتصادية. وأقر المصدر المقرب من رئيس الوزراء بأنه حتى إذا تمكنت بريطانيا من إحداث التغييرات في الجوانب الرمزية والجوهرية فإن ذلك لا يضمن نتيجة استفتاء على البقاء في الاتحاد.. إن لم يكن لشيء فلأن مؤيدي العضوية سيظهرون في صورة النخبة المنفصلة عن الجماهير.