رابع رئيس أمريكي يرسل قواته للعراق ومخاوف من دخول أوباما المتردد المستنقع

حجم الخط
3

لندن ـ «القدس العربي»: يعتبر باراك أوباما رابع رئيس للولايات المتحدة يقرر إرسال قوات لمكان أصبح «مقبرة» للأمريكيين أي العراق. فإعلانه عن عملية عسكرية محدودة الأهداف وهي «حماية الأقليات» وتقديم الطعام والماء للعالقين من أبنائها في المناطق الجبلية شمال العراق وضرب في حال الضرورة قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) التي تتقدم باتجاه كردستان قرار خطير.
مع أن أوباما كان واضحا في شرح أهداف المهمة الجديدة للرأي العام الأمريكي الخائف من التورط في حرب واسعة وجديدة خاصة أن الرئيس هو نفسه من أصدر أمر سحب القوات من العراق عام 2011.
ورغم كل هذا فمجرد إعلان الرئيس عن العملية يشير للحقيقة القاتمة وموجة الأحداث التي يشهدها هذا البلد الضارب في القدم والذي يستعصي على التكهن. وأكد أوباما للأمريكيين أنه لن يسمح بتطور الوضع ويجر أمريكا لحرب أخرى في العراق.
فقد ظل الرئيس يرفض هذا الخيار ولأشهر عدة حتى عندما سيطرت قوات داعش على مناطق واسعة في وسط وشمال العراق وتقدمت نحو بغداد فلم يظهر حماسا لعمل عسكري أمريكي هناك. واكتفى الرئيس في حزيران/يونيو بإرسال 300 عسكري ليس للقتال ولكن من أجل تقييم الوضع والتي لم يتم الإنتهاء منها، كما زاد من عمليات المراقبة فوق العراق، ولكن أوباما رفض الدعوات وبعضها من داخل الإدارة الأمريكية لإرسال المقاتلات الأمريكية لضرب داعش. وعندما زار وفد كردي العاصمة واشنطن الشهر الماضي طالبا الدعم العسكري، رفضت الإدارة التخلي عن موقفها التقليدي وهو التعامل مع الحكومة المركزية في بغداد، رغم السياسات الكارثية التي انتهجتها حكومة نوري المالكي تجاه السنة وكانت مسؤولة عن الحرب الأهلية الحالية.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مساعدي الرئيس قولهم إنه لم يجبر على التحرك إلا بعد الانتصارات الحاسمة التي حققها داعش نهاية الإسبوع الماضي ضد الأكراد الذين ترى فيهم واشنطن حلفاء يمكن الاعتماد عليهم أحسن من حكومة بغداد، كما أن هروب الألوف من الإيزديين والمسيحيين للجبال خوفا من داعش زاد من قلق الرئيس. ويشير دوغلاس أوسيلفان المستشار السابق حول العراق في البيت الأبيض وعمل مع أوباما وسلفه جورج بوش «لا تحتاج لنظرة عميقة حتى تعرف أنه متردد»، مضيفا أن الرئيس يتمنى لو لم تكن مشكلة العراق موجودة «ولهذا السبب انتخبه الأمريكيون ودعموا دخوله البيت الأبيض».
ومن هنا يرى معارضو الحرب أن قرار الرئيس الذي عارض طويلا الحرب يعتبر خطيرا وقد يورط الولايات المتحدة في حرب مدمرة ودموية.

منحدر صعب

ويرى هؤلاء أنه كان يجب البحث عن بدائل مثل قيام الأمم المتحدة بتوفير الماء والطعام للاجئين. وترى فيليس بينيس، الباحثة في معهد لدراسات السياسة وهي منظمة تدعم السلام «هذا منحدر زلق»، مشيرة إلى أن ما تعلمناه من «الحرب الغبية» هو أنك لا تستطيع قصف المتطرفين الإسلاميين وإجبارهم على الاستسلام أو الاختفاء، فكل قنبلة تسقط عليهم تؤدي لتجنيد المئات.
ولا يوافق آخرون على هذا الرأي حيث يرى أدم سميث، النائب عن واشنطن وعضو لجنة السلاح في الكونغرس «لا أعتقد أنها منحدر زلق والوضع الحالي يمثل ظرفا استثنائيا» ويدعم سميث التدخل نيابة عن الأكراد بدلا من حكومة بغداد، قائلا «من المناسب دعم الأكراد والدفاع عنهم».
ويلقي البعض المسؤولية على أوباما الذي لم يتفاوض بشدة مع العراقيين للإبقاء على قوات في العراق بعد الانسحاب عام 2011 ولتجاهله التهديد المتزايد لداعش والمنظمات المتشددة في سوريا. ويناقش البعض ان دولة يسيطر عليها داعش وتمتد على مساحات في سوريا والعراق أخطر من الأزمة الإنسانية التي يركز عليها أوباما.
وهذا هو رأي رايان كروكر، السفير الأمريكي السابق في العراق الذي وصف الوضع بأنه مرتبط بالأمن القومي الأمريكي «نحن لا نفهم الشيطان الحقيقي، الشيطان المنظم، هؤلاء هم تجسيد للشر وأشخاص مثل ابو بكر البغدادي يقاتلون منذ عقود ولن يتوقفوا».
ويتساءل مراقبون حول المدى الذي سيذهب فيه أوباما لتحقيق أهداف سياسته الجديدة في العراق، فهو وإن اكد على أن لا حل عسكريا للعراق إلا أن مساعدين تحدثوا عن سيناريوهات يمكن من خلالها توسيع العملية حال لم يتم حل الأزمة السياسية في بغداد.

«داعش» يعزز مواقعه

ولم يسأل المسؤولون الأمريكيون أنفسهم إن كانت هذه السياسة الجديدة ستؤدي لنجاعة، فطوال الفترة الماضية والعالم منشغل في الحرب على غزة قام داعش بتعزيز مواقعه في كل من العراق وسوريا وكما أشار مقال لباتريك كوكبيرن في العدد الجديد من مجلة «لندن ريفيو اوف بوكس» فقد توسعت حدود الخلافة التي أعلن عنها داعش في 29 حزيران/يونيو وتغطي مساحة أكبر من أراضي بريطانيا العظمى، في منطقة يعيش فيها ستة ملايين نسمة أي أكبر مما يعيش في الدانمارك، بلجيكا أو أيرلندا.
واستطاع داعش تعزيز موقعه وسط الجماعات السورية المقاتلة بعد هزيمة التنظيم الرسمي للقاعدة في سورية – جبهة النصرة لأهل الشام- وفي شمال سوريا يعتمد 5 آلاف مقاتل للتنظيم على الأسلحة التي غنموها من الموصل لمحاصرة البلدة الكردية كومباني التي يعيش فيها نصف مليون نسمة. وفي وسط سوريا قاتل التنظيم الجيش السوري قرب تدمر وسيطر على حقل الشاعر للغاز.
ومع أن الحكومة استعادت السيطرة على المكان، إلا أن التنظيم لا يزال يسيطر على معظم حقول النفط والغاز في البلاد.
ويقول الكاتب أن الخلافة قد تكون فقيرة ومعزولة ولكن حقول النفط وسيطرتها على الطرق الرئيسية تمكنها من الحصول على أموال. ويرى الكاتب أن ولادة دولة جديدة غير وبشكل راديكالي شكل الجغرافيا التي رسمها الاستعمار منذ سايكس ـ بيكو لكن التحول الضخم هذا لم يؤد لاهتمام دولي كبير، وهذا نابع من النظرة التي يتعامل فيها الساسة والدبلوماسيون مع داعش باعتباره مجموعة من المقاتلين البدو يقومون بالنهب والغزو وبعدها يعودون لمعاقلهم القوية.
وقد تكون هذه التصورات صحيحة لكن الأدلة تشير لتعزيز داعش- الدولة الإسلامية سيطرتها على المناطق التي «فتحتها» والتي تمتد من إيران حتى البحر المتوسط. وتتراجع آمال الغرب في سقوط التنظيم الذي صعد بسرعة وانهيار ما بناه بشكل مفاجئ. فالغزوات الأخيرة لداعش في المناطق الكردية تقترح أن أعداءه أصبحوا ضعفاء وغير قادرين على المقاومة.
وهذا واضح أيضا في الطريقة التي يتصرف فيها الجيش العراقي الذي لم يظهر علامات على تعافيه من الهزيمة بداية هذا الصيف. وفي سوريا تنهار وتتفكك قوات كانت فاعلة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام وهي محاصرة اليوم بين داعش وقوات النظام.
وتقول كارين كونينغ أبو زيد، عضو لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا أن هناك أعدادا كبيرة من المقاتلين ينشقون وينضمون لداعش الذي «يرونه أحسن ورجاله أقوى وينتصرون في المعارك، ويسيطرون على مناطق جديدة، ولديهم المال..» وتعتبر هذه التطورات أخبارا سيئة للحكومة التي ستجد صعوبة في وقف زحف داعش غربا.
ويقول الكاتب إن بغداد التي شعرت بالتهديد بعد سقوط الموصل انشغلت بالمناورات حول استبدال رئيس الوزراء الذي فقد مصداقيته نوري المالكي «أمر مثير للسخرية» قال وزير عراقي سابق «فعندما تتحدث للمسؤولين في بغداد فهم يتحدثون وكأنهم لم يخسروا نصف البلد».
وفي الوقت الذي استجاب فيه الآلاف الشيعة لفتوى آية الله علي السيستاني وانطلقوا للجبهات إلا أن معظمهم عادوا لبيوتهم واشتكوا من الجوع ومن عدم توفر السلاح. فالعملية العسكرية الوحيدة التي قادها الجيش العراقي والمتطوعين في الميليشيات كانت كارثية النتائج وهي تلك التي شنت على تكريت في 15 تموز/يوليو، ولا توجد إشارات عن تغير في الطبيعة الفاشلة للجيش العراقي.
وقال الوزير السابق «كانوا يعتمدون على مروحية واحدة في الهجوم على تكريت» متسائلا عما حدث للباقي 139 مروحية، وربما سرقت أموالها. مشيرا إلى أن هناك دولا فاسدة في العالم ولكن قلة منها لديها 100 مليار في العام من عائدات النفط. وأصبح هم المسؤولين هو الحصول على ما يمكنهم من عمولات ولم يهتموا إن كان داعش أو الجهاديون فعلوا نفس الشيء.
وينقل عن رجل أعمال تركي لديه مصالح في الموصل وعقد إنشاءات حيث طلب منه أمير للقاعدة مبلغ 500.000 دولار في الشهر للحماية.
وعندما اشتكى لبغداد لم يفعلوا شيئا وقالوا له بإمكانك إضافة مال الحماية على العقد. وعندما قتل الأمير زاد خلفه المبلغ ليصل إلى مليون.
واضطر رجل الأعمال للخروج وسحب معداته من الموصل. وبعدها تلقى رسالة من القاعدة تخبره أن كلفة الحماية عادت لما كانت عليه. وقد حدث هذا قبل سيطرة داعش على الموصل بفترة.

أوهام

ويرى الكاتب أن شيعة العراق يعيشون وهم يرى في داعش جماعة قوية ووجودها مرتبط بتغيير المالكي وعودة السنة للحياة السياسية وقبول العشائر ما ستقدمه لهم الحكومة من مميزات.
وهذا الوهم يجعل بعض الشيعة يتساءلون إن كان داعش موجودا في الحقيقة. ولسوء الحظ فداعش ليس موجودا فقط ولكنه تنظيم شرس ولن ينتظر حتى يقوم حلفاؤه السنة بالتخلي عنه.
ومن هنا طلب من كل الحلفاء تقديم البيعة لأبو بكر البغدادي، كما قام بسجن ما بين 15- 20 ضابطا في الجيش العراقي السابق.
ويشير الكاتب لوهم آخر يعيشه الشيعة وهو اعتقاد يرد انهيار الجيش العراقي أمام مقاتلي داعش لخيانة الأكراد الطامحين للاستقلال.
ويضيف أن القادة الشيعة لم يفهموا بعد أن سيادتهم للعراق التي لم تكن لتحدث لولا الغزو الأمريكي قد انتهت، كل هذا بسبب عجزهم وفسادهم وبسبب الانتفاضة في سوريا التي أدت إلى زعزعة ميزان القوى الطائفي في العراق.
فانتصارات داعش في العراق تهدد بإنهاء حالة الجمود في سوريا التي مضى عليها ثلاثة أعوام.
ويعتقد الكاتب أن نظرية التعاون بين النظام السوري وداعش ثبت خطؤها.
ويلمح هنا أيضا للدور السعودي في صعود ودعم الجماعات الجهادية ومعها دول الخليج، ويقول إن السنة لم يكونوا ليدعموا داعش لو لم يتلقوا دعما مباشرا أو غير مباشر من السعوديين.
ونفس الأمر يصدق في سوريا حيث دعم مدير الاستخبارات السعودية السابق الامير بندر بن سلطان الجماعات الجهادية في الفترة ما بين 2012- 2014. وبالنسبة للأمريكيين فولادة الخلافة في الموصل تعتبر كارثة كبيرة فمهما كان هدفهم من الإطاحة بصدام عام 2003 فمن المؤكد أنهم لم يتصوروا ولادة خلافة تمتد بين سوريا والعراق .
ولا بد من الإشارة هنا للعلاقة بين داعش ومسألة التمثيل، فمع أن إعلان الخلافة أثار جدلا وسخرية إلا انه يهدد نظريا في صورته قيادة السعودية للعالم الإسلامي.

مواجهة الثورة الإيرانية

ويرى غاردنر أن الدفع باتجاه بناء المساجد جاء كرد على محاولة إيران تصدير الثورة الإيرانية بعد عام 1979، وبعد قيام التحالف الانكلو- أمريكي بالإطاحة بنظام صدام عام 2003 وتسليم العراق للشيعة وفشل الغرب بدعم الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد وهو ما أثار مشاعر السنة وعزز من المحور الإيراني في المنطقة.
ولا يعرف إن كانت السعودية وحلفاؤها من دول الخليج تقوم بتمويل داعش ولكن سكان هذه البلاد لقوا تشجيعا لدعم داعش. ويضيف «في ظل الاضطرابات الحالية التي يمر بها الشرق الأوسط والتي تعلم بغياب الدولة والمؤسسات في دول فسيفسائية مثل سوريا والعراق وضعف وغياب القوى المؤثرة هناك غياب واضح في قيادة سنية».
وفي النهاية يقول «قدمت الأجيال السابقة من السنة ولاءها لقادة ووطنيين مثل جمال عبد الناصر، والكارثة التي تواجه العرب اليوم تستدعي جيلا جديدا من القادة السنة قادر على قهر التطرف في داخل المعسكر السني وهو أمر لا يمكن للسعودية التي تعتبر وهابيتها المطلقة جزءا من الشيفرة الوراثية التي تحملها جماعات مثل داعش فعله».

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خليجي:

    غالبية دول وممالك المنطقة نشأت بواسطة القوة كقبيلة ضد قبيلة او عدة قبائل او بانقلاب بين العائلة او بانقلاب عسكري فالدائرة تدور على سياسة الغرب عكس ما تم التخطيط لة مع ايران فالقوة مع دولة الخلافة الان .

  2. يقول محمد محمود *فلسطين 48*:

    التدخل الاميركي ليس بسبب المذابح ضد اليزيدين او غيرهم بل لان مجرمي داعش وصلو الى منابع النفط الذي تديره شركات اميركيه وهناك تهديد للكيان الكردي كما قلت في تعليق بموقع اخر ان كردستان اصبحت قاعده اميركيه اسرائيليه لذلك اميركا هبت لمساعدتها ومن الممكن ان يكون التدخل اكثر من مجرد غارات جويه حسب تطور الامور

  3. يقول احمد من كوردستان:

    ارجوا ان تركزوا على جملة ذكرها احد المشاركين من فلسطين ( ان كردستان اصبحت قاعده اميركيه اسرائيليه) بالله عليكم كوردستان قاعدة امريكية واسرائيلية ام الدول العربية

إشترك في قائمتنا البريدية