راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!

حجم الخط
21

من النادر أن نقرأ هذه الأيام خبراً عن لبنان يشرح الصدر! لذا سررت بقراءة «مدير مركز التراث اللبناني» الشاعر هنري زغيب، ينظم ندوة «إلكترونية في الجامعة اللبنانية الأمريكية حول «راشانا» و«الأخوة بصبوص» الذين حولوا قرية راشانا من ضيعة منسية إلى «منارة عالمية». استعادت الندوة إبداع الفنانين النحاتين الأخوة ألفرد وميشال ويوسف بصبوص!
تعبنا من أخبار انهيار لبنان وتحويله من سويسرا الشرق إلى (جنازة) الشرق، حيث الكهرباء مقطوعة، والبنوك لا تسدد للمودعين أموالهم، هذا إلى جانب انقطاع وقود السيارات ومولدات الكهرباء البديلة. لكن من الجميل التذكير هذه الأيام بالإبداع الفني اللبناني الذي يدوم مهما مر الزمان وتبدلت الأيام من الثراء المالي إلى الفقر. فالإبداع ثراء لا ينضب.. وحسناً فعل هنري زغيب باختيار هذا الموضوع الذي قد (يرفع معنويات اللبناني) والهموم تثقل كاهله في عتمة الليالي بكهرباء قضت نحبها إلا ساعتين في النهار!

شكراً لهنري زغيب

من هم الأخوة بصبوص، وما هي راشانا؟ صبحي حديدي يقول عن «محترف راشانا» حيث منحوتات الفريد بصبوص: تعيد تشكيل الجسد الإنساني وفق نحو لغوي/بصري إعجازي.
وأعترف بأنني رغم إقامتي الطويلة في باريس عاصمة الفن والمتاحف، لم أنس يوماً زيارتي إلى راشانا اللبنانية ولقائي (برفقة زوجي رحمه الله) مع الأخوة بصبوص وتعارفي مع إبداعاتهم.
ميشال وألفريد وجوزف، حولوا قريتهم في أقل من ربع قرن إلى بلدة مسحورة. قال المبدع بول سيزان: «بتفاحة سوف أدهش باريس».
و»البصابصة» استطاعوا إدهاش كل من زار راشانا وعالمها المسحور بالإبداع.. وحسناً فعل هنري زغيب بتذكيرنا بعباقرة لبنان الذين زمنهم هو كل زمن على الرغم من هول ما يدور هذه الأيام في لبنان.
إن الندوة التي نظمها هنري زغيب حول راشانا والأخوة بصبوص، تساهم في علاجنا كلبنانيين من الانهيار العصبي لانهيار الوطن في هوة الظلام بالمعنى المادي للكلمة (لا كهرباء) وهوة الفقر، وهوة الوحش لوطن كان عاصمة السياحة العربية والغربية، وقائمة أحزاننا ومصائبنا اللبنانية تطول…

كفى ظلماً للرجال «السود»

انتقل إلى موضوع آخر… قرأت هنا تبرئة 3 رجال سود في بريطانيا من تهمة السرقة، (بعد نصف قرن!) وكان يمكن للتهمة أن تكون القتل والاغتصاب، إلى غير ذلك من التهم المشينة. كيف يمكن لقاض أن ينام بلا كوابيس حين يكتشف أنه حكم بالسجن على ثلاثة أبرياء؟ وهل كونهم سود البشرة ساهم في عدم قيام التحقيق في كشف الحقائق؟ المهم أنه بعد نصف قرن، تم إطلاقهم من السجن. ولم أذكر أسماءهم لأنها لا تعني شيئاً للقارئ العربي. وما يؤلمنا هو الحكم على أبرياء لمجرد أنهم سود البشرة.
لا أعرف المبلغ المالي الذي ستدفعه لهم العدالة البريطانية تعويضاً عن سجنهم نصف قرن، لكن هل ثمة أي مبلغ من المال يمكنه التعويض عن سرقة نصف قرن من حياة إنسان تصادف أنه أسود البشرة، ما الفرق بين الأسود والأبيض، والبشرة قشرة لا أكثر؟

السجن لكلمة الحرية!

وهذا أمريكي من مقاطعة شمال «كارولينا» الأمريكية، ولن أذكر اسمه أو اسم المتهم بقتله، فهي لا تعني شيئاً للقارئ العربي، لكن قضاء 24 سنة في السجن لرجل بريء يعني الكثير.
في أوطاننا العربية، الكثير من السجناء الذين لم يتم اتهامهم بالقتل، بل قاموا بالعكس؛ أي بالرغبة في إحياء الوطن ونشر أعلام الحرية الفكرية، وهو ما لا يناسب الكثير من الحكام.. وما أكثر السجناء في كوكبنا الذين يستحق سجانوهم السجن! فإطلاق سراحهم يعني إطلاق سراح الحرية.. كلمة «الحرية» الغالية على قلوب الملايين والتي يحاول البعض سجنها!

أكره شعر الفخر والهجاء!

أعرف أن المتنبي من كبار الشعراء العرب، لكنني ببساطة أكره شعر الفخر. أكره مثلاً قول المتنبي: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي/وأسمعت كلماتي من به صمم.
أنام ملء جفوني عن شواردها/ ويسهر الخلق جرّاها ويختصم.
لا أحب هذا الشعر العربي حين يمتدح الشاعر نفسه.. كما أنني أكره شعر الهجاء.. وكلاهما يبالغ أحياناً، كقول الحطيئة الذي هجا والديه ثم هجا نفسه: «أرى لي وجهاً قبّح الله خلقه/فَقُبِّحَ من وجه وقُبِّح حامله!
والحقيقة المضمرة هي انشغال الشاعر بنفسه مديحاً أو هجاء. وأعتقد أننا في عصرنا سنرفض النموذجين، ونحتاج إلى شعر يعبر عن روح العصر والإنسان الآخر.

أيها الوطن، ضمّنا إلى قلبك!

ثمة أخبار تتكرر باستمرار لكنها تحزننا كأنها المرة الأولى التي تقع، وأعني بها موت بعض المهاجرين من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا في قوارب حلم الحياة الرغدة، لكنها تغرق ويموتون ويتحولون إلى طعام لأسماك القرش!
ونقرأ باستمرار هذه الأخبار عن غرق المئات يوماً بعد آخر.
ولا يخطر ببال ذلك القتيل المغامر خلف حلم الحياة في أوروبا، أنها لن تستقبله بالعناق إذا وصل حياً، وسيعاني فيها ما عاناه في وطنه، لكنها معاناة من نمط آخر.. والحل كما – رددت دائماً – في جعل الأوطان مكاناً صالحاً للعمل والحياة بكرامة بدلاً من الهجرة والهرب من جوهر المأساة إلى حل فردي. وآخر ما طالعته في هذا الحقل عن «مصرع عشرات المهاجرين في قارب غرق قبالة السواحل الليبية».
أيها الوطن، ضمّنا إليك!!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الحميد الأول وارث الخاتم النبوي العظيم Abdülhamid I, Torun: Büyük peygamberlik mührünün varisi:

    ضمتني الشام بعد النأي حانية
    كالأم تحضن بعد الفرقة الوالدا
    انا الوفي وليس الغدر من شيمي
    كفران نعمة من أسدى الي يدا
    بدوي الجبل

    1. يقول عبد الحميد الأول وارث الخاتم النبوي العظيم Abdülhamid I, Torun: Büyük peygamberlik mührünün varisi:

      تصحيح
      ضمتني الشام بعد النأي حانية
      كالأم تحضن بعد الفرقة( الولدا)
      انا الوفي وليس الغدر من شيمي
      كفران نعمة من أسدى الي يدا
      بدوي الجبل

  2. يقول نجم الدراجي - العراق:

    سألهم ما هي ( راشانا ) ؟ هل هي امرأة ؟.. زورق ؟.. نجمة ؟.. خرافة ؟ قالوا : هي ذلك كله وأكثر .. هي تجسيد للاسطورة العربية القديمة التي كانت تتحدث عن قرية مرت بها الساحرة بعصاها ، وحولت الناس فيها إلى حجارة ، والطيور والنباتات والاطفال والاميرة الجميلة .. كلهم صاروا رخاما لكن كل ما فيهم ظل ينطق بالحياة الخالدة .. قرية الاساطير هذه صارت اليوم حقيقة معاصرة ، تعتلي إحدى تلال لبنان المشرفة على البحر كمنارة .. وعصا الساحرة هي إزميل اخوة نحاتين ثلاثة هم الأخوة ميشال .ألفرد . جوزف .
    تلك هي ترنيمة في عالم الفن في فضاء النحت رتلتها الساحرة غادة السمان في كتابها الموسوم ع غ تتفرس عام 1972 .
    ومادامت الايقونة غادة قد فتحت لنا شهية الحديث عن الفن في لبنان فسأذكر الاخوة أل عساف في الشخروب عساف العساف . عارف عساف . منصور عساف . وكيف حولوا الشخروب إلى واحة مسحورة باعمالهم في النحت وبالاخص تمثال ناسك الشخروب الكبير ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران ..
    ومن شخصيات الفن التشكيلي في لبنان الاستاذ الراحل يوسف الحويك صديق جبران خليل جبران في رحلته إلى باريس حيث خلد لنفسه الكثير من الابداع في الرسم والفن التشكيلي ، واتذكر مشاهدتي لابداعه في كنيسة سيدة لبنان حريصا .
    تحياتي
    نجم الدراجي – بغداد

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    حد القصاص بالشرع يثبت عن طريقين فقط وهما: الإقرار أو شاهدين!
    في العصر الحديث دخلت البصمات وفحص الدي أي ايه كطريق ثالث!!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    الحل بلبنان هو بتولي الجيش مقاليد السلطة لخمسة أعوام لغاية الإتفاق على دستور يجمع اللبنانيين ولا يفرقهم!
    للعلم فإن الجيش اللبناني يتكون من جميع الطوائف والقوميات, وهو مصدر ثقة بالعالم!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول الكروي داود النرويج:

    هناك مدح للنفس مقبولاً يا أستاذة:
    يقول مسكين الدارمي:

    نَاري ونَارُ الجَارِ وَاحدةٌ

    وإِليهِ قَبلي تنزلُ القِدْرُ

    مَا ضَرَّ جاراً لي أجاورهُ

    ألَّا يكونَ لبابِهِ سِترُ

    أعمَى إِذا مَا جارتي بَرَزَتْ

    حتَّى يُغيِّبَ جَارتي الخِدرُ

    وقال عنترة بن شداد

    واغمض طرفي إن بدت لي جارتي
    حتي يواري جارتي مأواها
    اني امرؤ سمح الخليقة ماجدا
    لا اتبع النفس اللجوج هواها

  6. يقول أفانين كبة - كندا:

    تعرفت ولأول مرة على قرية راشانا من خلال كتاب “ ع غ تتفرٌس “ للأستاذة غادة السمان تحت عنوان ( ثلاثة بحارة مركبهم حجر ) المؤرخ سنة 1972 ، والذي تحدثت فيه حسب تعبيرها عن هذه “الثروة السياحية المنسية “ وكيف أن لدى الأخوة الثلاثة( بصبوص ) أحلام فنية واسعة لكنهم كانوا يواجهوا صعوبة مادية واهمال الدولة لهم في عدم دعمهم حيث كانوا يستدينوا المال لكي يقدموا أعمالهم خارج لبنان للعرض ، وبالرغم من أنهم رفعوا اسم لبنان عاليا ، وأن صحف الغرب قد كتبت عنهم ، وعدة متاحف في العالم إقتنت منحوتاتهم لتعرض الى جانب أعمال فنانين كبار ، لكن كل هذا النجاح كان بجهودهم الشخصية ولم يحصلوا على أية تكريم أو دعم من دولتهم .
    وكما قيل ، أن حضارات الأمم تقاس بما تتركه من ثقافة وفنون ، كما في حضارة وادي الرافدين التي أنتقلت الى العالم عن طريق المنحوتات الفنية التي تزدهر بها متاحف الغرب .
    أفانين كبة – كندا

  7. يقول عمرو - سلطنة عمان:

    يصادف هذا المقال الأحداث الأليمة التي تشهدها بيروت اليوم والصورة المفزعة التي تقذف بنا إلى ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية ذلك الكابوس الذي لا خلاص منه وكأنه كتب على كل جيل أن يعيش حربه.. حزينة بيروت متعبة اليأس يتسرب من حروف وأصوات الأصدقاء الذين سارعت للاطمئنان عليهم.. وكأن الأزمات الاقتصادية وتوابع الانفجار لا تكفيهم حتى تعود المليشيات وتحتل الطرقات.. أيها السياسيون ابعدو ايديكم عن لبنان.

  8. يقول سوري جدا:

    اختي الكريمة، ست الشام الحبيبة
    أتوقف قليلا عند راشانا، ليس لمديح النحاتين البصابصة، ولكن لأقول أن مايكل أنجلو عندما نحت تمثال داوود ضربه بالإزميل وقال له “تكلم” كتعبير عن الإبداع الذي وصل إليه لأن التمثال كاد ينطق، وبالفعل نطق خلال قرون عديدة كلما زاره ملايين البشر. لقد جعل الفن مع دافينشي وانجلو من إيطاليا رائدة النهضة الأوربية، اليوم في لبنان هناك من يجعل الحجارة تنطق، ومن لبنان بلد الفن والثقافة والسعادة، وهناك من يريد ان يجعل من لبنان (هذا القارب الجميل التائه بين أيادي العابثين) ركام من حجارة تنطق بالحزن والتعاسة. هذا هو الفارق بين الإبداع وبين الجهل، لبنان بلاد عشتار التي كانت تعانق أفروديت في وحدة الفن والإبداع الأسطوري في الميثولوجيا، اليوم يريدونه أن يعانق التعصب الأعمى، ويحمل البندقية بدل الإزميل. أشكر الأستاذ نجم الدراجي على تعليقه الجميل.. يتبع

  9. يقول سوري جدا:

    سيدتي الكريمة
    الأنا الكبيرة لشعراء العرب كانت قبل المتنبي ومازالت بعده، وهذه لازمة عند العرب يفتخرون ويصفون أنفسهم بأفضل الصفات التي ليست بالضرورة تناسبهم. لكني احترم الحطيئة الذي كان أول من هجا نفسه من العرب عندما نظر إلى وجهه في المرآة، لأنه كان صادقا في هجاء نفسه كما هجا الأخرين. كنت أتمنى من زعماء العرب الأشاوس أن ينظروا إلى أنفسهم في المرآة صباحا عندما يستيقظون هل يروا في وجوههم قباحة وجه الحطيئة، التي تستحق الهجاء واشياء آخرى؟ قبح الله وجوهم..
    لك ولكل زوارك الأكارم يوما سعيدا

    1. يقول نجم الدراجي - العراق:

      الشكر الدائم لحضرتك استاذنا الكبير سوري جداً .. كم هي رائعة رحلتك رفقة مايكل أنجلو وتمثال داود ودافينشي وسحر النحت ونطق الرخام .. شكراً لابداعك ولرسمك بالكلمات .. تقبل تحياتي ولكل الاصدقاء في منبر الايقونة .
      نجم الدراجي – بغداد

  10. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    أسعد الله صباحكم بكل خير لك أختي غادة السمان وللجميع. لاشك أن الإبداع هو أفضل الطرق أو أهمها للخروج من المآسي التي تصيب الإنسان. واللبنانيون في العصر الحالي كانوا ومازالوا رواد الإبداع في الثقافة والفن وقدوة للعرب. كم أشعر أنني أمّي عندما أقرأ عن هذا الفن وأكاد لم أسمع به من قبل, حقَا. يبدو وكأننا نعيش في عوالم منفصلة. مالسبب ياترى!
    أما أبيات الشعر التي تحدثت عنها سيدتي فأقرأها بسرور لكن ببعض الفكاهة فهي بالنسبة لي نوع من الدعابة, ربما لأنني لاأتذوق الشعر بل أرى فيه بعض الأفكار التي قد نختلف حول تأويل محتوها. بيت الحطيئة دفعني ذات يوم للقول لو أن كل إنسان ينظر إلى مرأة الحقيقة ليرى وجهه, فلن يقول بعدها كلمة واحدة في هجاء الأخرين.
    سألت نفسي ذات يوم وكنت طفلًا (ربما معظم الأطفال كذلك) لماذا يتم سجن الناس في السجن كعقوبة, ومازلت أفكر عن الجواب ولو أني مع مرور الزمن بدأت أقتنع أن هناك ضرورة لمنع بعض المجرمين من الإستمرار في جرائمهم مثل حالة إغتصاب الأطفال التي نسمع عنها في الأخبار أو جرائم القتل البشعة.
    أما مآسي البشرية مع الإستبداد ومنها سجون أنظمتنا القبيحة فهو الجريمة بذاتها. مع خالص محبتي وتحياتي للجميع.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية