غزة ـ “القدس العربي”: يرى المراقبون للمشهد الميداني في قطاع غزة، أن الصاروخ الذي أطلق من القطاع صوب إحدى المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود، صباح أمس السبت، وما تلاه من تصريحات وأفعال لنشطاء الجناحين العسكريين لحماس والجهاد الإسلامي على الأرض، تحمل جميعها رسائل كثيرة، تنذر الاحتلال بأنه من غير المسموح الاستمرار في “تغيير قواعد الاشتباك”، في الضفة والقدس، وأن حالة الهدوء التي تريدها إسرائيل قبيل زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، لن تكون، وأن فترة سكون مقاومة غزة انتهت، بسبب ما يحدث من عمليات إعدام ميداني واستيطان.
تحرك عملي للمقاومة
ومن غير المستبعد أن تنطلق الصواريخ مجددا باتجاه المستوطنات القريبة من الحدود، وربما تكون هناك صواريخ ذات مديات أبعد، تصوب إلى ما بعد مناطق “غلاف غزة”، تكون بداية شرارة تصعيد عسكري، تحكم وقتها الظروف الميدانية، على مدى اتساعه أو احتوائه، بسبب ما يجري من أفعال وهجمات احتلالية خطيرة ضد الضفة والقدس، خاصة بعد تكرار عمليات اغتيال نشطاء المقاومة شمال الضفة.
وبعد الوساطات التي ضغطت أخيرا على المقاومة، وتحديدا منذ “مسيرة الأعلام” الاستيطانية المتطرفة التي نظمت في القدس في نهايات الشهر الماضي، ونجحت في وقف التصعيد، وحالت دون قيام مقاومة غزة بالتدخل العسكري، والرد على تلك الانتهاكات، بات المشهد في هذا الوقت ضبابيا، ومفتوحا على كل الاحتمالات، بما فيها احتمالية التصعيد، بعد الصاروخ الأخير، وذلك لتأكد فصائل المقاومة في غزة، من عدم التزام دولة الاحتلال بما قطعته أخيرا من التزامات للوسطاء، تشمل التهدئة في الضفة، ووقف هجمات المستوطنين ضد القدس والمسجد الأقصى.
وحسب مصادر مطلعة، فإن الفصائل الفلسطينية التي عقدت الأسبوع الماضي اجتماعا لها في مدينة غزة، وتوافقت على إعطاء مهلة للوسطاء من أجل إلزام سلطات الاحتلال بتعهداتها الخاصة بالمحافظة على حالة الهدوء، تفاجأت بحجم جريمة اغتيال ثلاثة نشطاء من مدينة جنين فجر الجمعة، رغم الرسائل التي نقلت مؤخرا، وتحدثت عن رغبة إسرائيل في عدم التصعيد، وأن أي عمليات عسكرية ضد جنين ستكون ما بعد زيارة الرئيس جو بايدن.
وجاء صاروخ غزة بعد فترة هدوء طويلة، حيث لم يسجل أن أطلقت صواريخ من غزة تجاه مستوطنات إسرائيل الحدودية، خلال الأشهر الأربعة الماضية.
وأطلق الصاروخ على منطقة عسقلان، واعترض من قبل منظومة “القبة الحديدية” قبل أن تقوم قوات الاحتلال بشن سلسلة غارات جوية على قطاع غزة، استهدفت خلالها مواقع للمقاومة.
وبات واضحا أن هناك ربطا بين صاروخ غزة، وبين حادثة مدينة جنين، بعد أن قامت قوات إسرائيلية خاصة باغتيال ثلاثة نشطاء من المقاومة، حيث شكل الصاروخ مفاجأة جديدة لحكومة إسرائيل، التي اعتقدت مؤخرا أن جبهة غزة لن تتحرك ميدانيا تجاه ما تشهده الضفة والقدس من تطورات ميدانية على الأرض.
وبذلك تكون المقاومة في غزة قد أكدت أن مرحلة المشاهدة عن بعد لتطورات الأحداث الميدانية في الضفة انتهت، وأنها عادت إلى تطبيق مبدأ الربط بين الجبهات، وليكون نهاية فترة الهدوء التي أعقبت الحرب، ورفضا لمحاولات حكومة الاحتلال احتواء غزة، وفصلها عن جبهة الضفة والقدس.
وبهذا الصاروخ أوصلت مقاومة غزة رسالة لسلطات الاحتلال بأن تحديد موعد التصعيد العسكري مرهون بساعة المقاومة في غزة، وليس بالوقت الذي تريده دولة الاحتلال، والتي كانت تتوقع أن يكون التصعيد نهايات الشهر الماضي خلال “مسيرة الإعلام”، حين كانت قواتها على أهبة الاستعداد، خلال مشاركتها في تمرين عسكري كبير.
مناورة عسكرية للمقاومة
وكان لافتا في رسائل التحدي الجديدة، قيام نشطاء الجناح العسكري لحركة حماس بإعادة بناء نقطة رصد لهم على الحدود الشمالية لقطاع غزة، بعد ساعات قليلة من استهدافها من قبل المدفعية الإسرائيلية خلال تصعيد السبت.
ونقطة الرصد هذه شكلت إزعاجا لسكان مستوطنة إسرائيلية قريبة، اشتكوا من قيام نشطاء حماس بمراقبتهم من نقطة الرصد تلك، التي تبعد عشرات الأمتار عن الحدود، وذلك بعد أن احتفت وسائل إعلام عبرية بتدمير تلك النقطة، بسبب شكاوى المستوطنين من تصويرهم على مدار ساعات اليوم من قبل نشطاء حماس.
وأكد فوزي برهوم، المتحدث باسم الحركة، أن سرعة إعادة بناء كتائب القسام المرصد الذي قصفه الاحتلال الإسرائيلي، تمثل “مشهد عزة وقوة”، وقال إن ذلك يعتبر رسالة تحدٍ واضحة للاحتلال الإسرائيلي، وتأكيدا على جهوزية المقاومة الدائمة لبناء وتطوير مواقعها ومقدراتها رغم كل الصعاب والتحديات.
كما حملت رسالة الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي سرايا القدس، بالبدء في إجراء مناورة عسكرية أطلقت عليها اسم “عزم الصابرين” إنذارا آخر، خاصة أنها جاءت بعد القصف المتبادل، وتصعيد الهجمات ضد الضفة والقدس.
وأشار الناطق باسم السرايا أبو حمزة، أن المناورة جاءت استكمالاً للإعداد والتجهيز واستعداداً لأي معركة مقبلة، وقال إن المناورة ستنفذ على مدار أيام في قطاع غزة، وستحاكي عمليات ميدانية مختلفة بمشاركة عدة تشكيلات عسكرية، أبرزها الوحدات الصاروخية والمدفعية، لافتا إلى أن ما وصفه بـ “الجهد المبارك” يأتي في إطار “رفع الجهوزية القتالية لدى مجاهدينا، وتأكيداً منا على استمرار مشوارنا الطويل الممتد بالمشاغلة والمراكمة حتى التحرير والعودة، والله ولي المؤمنين الصادقين”.
ويرى المراقبون للمشهد أيضا، أن المقاومة تريد أن تُعيد من خلال الصاروخ، وما تلاه من تصريحات عبر عنها مسؤولو الفصائل، فرض معادلة الرد على الجرائم الإسرائيلية، والتي طبقتها العام الماضي خلال الحرب الأخيرة التي أطلقت عليها اسم “سيف القدس”، وذلك بعد تهديداتها الأخيرة برفض السكوت على تفرد الاحتلال بإحدى ساحات المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية.
وتدرك المقاومة في هذا الوقت، أن التصعيد الميداني على كل الجبهات الفلسطينية، في القدس حيث تتصاعد دعوات شد الرحال والتصعيد للمستوطنين، والضفة حيث دعوات تصعيد المقاومة في كل نقاط التماس، وفي غزة التي أوصلت أولى رسائلها النارية، في هذا الوقت سيكون مكلفا لإسرائيل، وسيزيد الضغط عليها، كونها تريد التهدئة الكاملة قبل زيارة بايدن، وهو أمر طلبه الفريق الأمريكي المكلف بالتحضير للزيارة أيضا من إسرائيل.
والجدير بالذكر أن صاروخ غزة الجديد جاء بعد أيام من اجتماع موسع للفصائل الفلسطينية في غزة، بدعوة من حركة الجهاد الإسلامي، وبعد أن توعدت الفصائل بعدم السكوت عما يحدث في القدس والضفة، بعد تصاعد الهجمات الاحتلالية عقب “مسيرة الأعلام”، على خلاف رسائل الاحتلال للوسطاء، بأنها ستتخذ إجراءات للحد من الهجمات بعد المسيرة.
وكانت مصادر خاصة قد أكدت أن حركة الجهاد الإسلامي، التي استضافت لقاء لقيادة الفصائل، أنذرت من مغبة استمرار الهجمات ضد مخيم جنين، بهدف تصفية ناشطيها هناك، فيما لوحت قيادة الفصائل بالتصعيد، بسبب إخلال دولة الاحتلال بالتعهدات التي قطعتها خلال الفترة الماضية. وأكدت في بيان لها أنها تتابع ما يجري في القدس والضفة الغربية والأغوار من استيطان وتهويد ومصادرة أراض، وجرائم الإعدام الميداني والقتل التي تتم بدم بارد، مشددة على موقفها الرافض لمحاولات الاحتلال الاستفراد بأهالي الضفة، والقدس “من خلال مواصلة عدوانه وجرائمه التي تتخذ من صمت وعجز المجتمع الدولي غطاءً للتمادي في كل هذه الجرائم والاعتداءات”.
وأوصل صاروخ غزة أيضا رسائل جديدة لسلطات الاحتلال، تؤكد رفض شراء الهدوء ببعض التسهيلات الاقتصادية، أو السكوت من خلال هذه التسهيلات على ما يحدث في الضفة والقدس، خاصة وأن الصاروخ جاء بعد أن اتخذ وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس قرارا بزيادة حصة عمال غزة بألفي تصريح عمل، وربط ذلك باستمرار الهدوء على جبهة غزة.
تهديد إسرائيلي
وقرر غانتس بعد الصاروخ، تجميد قرار زيادة حصة تصاريح عمال غزة.
وجاء في بيان مقتضب صدر عن مكتبه، أنه بعد تقييم أمني ، تقرر تجميد قرار زيادة حصة تصاريح العمل لغزة التي زادت مؤخرا بمقدار2000 تصريح.
وكانت تقارير عبرية قد كشف قبل أيام، عن إجراءات جديدة تسعى دولة الاحتلال لاتخاذها خلال الفترة المقبلة، وتعتمد على تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة وغزة، بهدف مرور زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بلا توتر.
ومن باب “الحزم الاقتصادية” تريد سلطات الاحتلال المحافظة على حالة الهدوء القائمة حاليا مع “جبهة غزة”، بالإضافة إلى حزم أخرى مماثلة كشفت عن نيتها إقرارها للضفة الغربية، على أمل أن تمر زيارة بايدن المقررة الشهر المقبل دون توتر ميداني يذكر.
وفي السياق، أنذر وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، باغتيال قادة حركة حماس في غزة، وقال إن قادة الحركة يتمتعون بما وصفها بـ “بوليصة تأمين”، لافتا إلى أن هناك من قادة حماس من يجلس ويحرض ويبارك العمليات “ويشعر وكأنه يتمتع بحصانة أو بوليصة تأمين”. وأضاف “إسرائيل لن تقبل وجود من يحرض ويبارك العمليات”.
ودعا لتغيير السياسة التي يتمتع بها قادة حركة حماس في قطاع غزة،، منتقدا رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، بدعوى أنه كان رافضا التحرك ضد حركة حماس في القطاع، وهو من سمح بعودة يحيى السنوار، قائد الحركة في غزة، وغيره بخروجهم من السجون.
وعقب التصعيد العسكري، وقصف مواقع المقاومة في غزة، أكدت حركة حماس على لسان الناطق باسمها، حازم قاسم، أن القصف الإسرائيلي هو “امتداد للعدوان الإسرائيلي الذي يستهدف كل الأرض الفلسطينية”، مشدّدة على “مواصلة النضال والقتال المشروع حتى تحقيق أهداف شعبنا بالتحرير والاستقلال”. وقال منذرا “المقاومة ستشكل على الدوام الدرع الحامي لشعبنا الفلسطيني في كل مكان وسيفه الذي يضرب به عدوه”.
من جهته اكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل، أن القصف يأتي في سياق عدوان الاحتلال المتواصل والمستمر على الشعب الفلسطيني في جنين والضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 48 وقطاع غزة. وقال إن الاحتلال يعتقد من خلال اغتياله للنشطاء في الضفة، أنه سيوقف المقاومة.
وأضاف “لكن الشعب الفلسطيني تعود على التضحيات، وهذه الدماء الطاهرة تزيد الشعب الفلسطيني تشبثاً بأرضه ومقدساته، وإصرارا نحو تحقيق الانتصار والحرية”، مشددا على أن أي تصعيد أو هجوم على قطاع غزة “لن يكون نزهة للاحتلال الصهيوني، وشعبنا الفلسطيني لن يرهبه مثل هذا التصعيد ويوقف المقاومة”.