أثارت هجمات مدينتي باريس ونيس الأخيرة، موجة جديدة من التوتر والذعر والترقب، نتيجة ما اكتنفها من بشاعة وعنف، ونتيجة ما أثارته من موجات كراهية متبادلة، لا يعلم أحد ما قد يتبعها من تحشيد لأطراف النزاع. عدة نقاط أثيرت على خلفية الهجمات الإرهابية الأخيرة، منها أن مرتكبي الهجمات بأعمار صغيرة، ففي حادثتي باريس كان الاثنان (باكستاني وشيشاني) بعمر 18 عاما، أما في حادثة نيس فكان المهاجم (تونسيا) يبلغ من العمر 21 عاما.
كما أن التحريات الأمنية الأولية كشفت مبدئيا عن خلو تاريخ المنفذين الثلاثة من الميول أو الأنشطة الإرهابية أو الإجرامية، إذ لم يثبت حتى الآن ارتباطهم بتنظيمات إرهابية معروفة مثل «القاعدة» أو تنظيم «الدولة» (داعش). إذا كيف يمكن أن يقدم شابا سويا في مقتبل حياته على فعل شنيع مثل قطع رأس إنسان مسالم بسكين؟ كيف يمكن أن تفسر هذه الكراهية؟ وما هي المؤثرات التي تدفع شابا مثل التونسي إبراهيم العويساوي، الذي وصل أوروبا في زوارق الموت عبر رحلة الهجرة غير الشرعية الخطرة، التي قام بها قبل شهر فقط، يحدوه الأمل لإيجاد حياة كريمة في أوروبا، وعندما وصل نيس أقدم على عمليته الإرهابية بعد ثلاثة أسابيع فقط؟
الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين يعيشون حلقة مفرغة، تسم حياتهم في فرنسا ويشعرون بالتهميش في أحياء الضواحي
لقد وضع بعض المراقبين نقطة اعتبروها بداية الأزمة الأخيرة في يوم 26 سبتمبر/أيلول الماضي، عندما أوقفت الشرطة الفرنسية شابا باكستانيا في ساحة الباستيل يبلغ من العمر 18 عاما، بعد أن هاجم المارة قرب مقر مجلة «شارلي إيبدو» بسكين، وقد أسفر الحادث عن سقوط جريحين في حالة خطرة، ورجح وزير الداخلية جيرالد دارمانان، في تصريح تلفزيوني، أن يكون الهجوم «عملا إرهابيا إسلامويا» نظرا لتزامنه مع محاكمة منفذي الهجوم الذي استهدف الصحيفة الساخرة قبل خمس سنوات ونصف السنة. تعليق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جاء بعد أيام، إذ صرح في الثاني من أكتوبر/تشرين الاول مهاجما ما سماه «الانعزالية الإسلامية» في خطاب عام في حي ليه موروه، أحد الأحياء الحساسة في ضاحية باريس، وقد قال ماكرون في كلمته «لا بد لنا من الإقرار بوجود نزعة إسلامية راديكالية، تقود إلى إنكار الجمهورية» وأشار إلى «التسرب المدرسي» و»تطوير ممارسات رياضية وثقافية خاصة بالمسلمين» و»التلقين العقائدي، وإنكار مبادئنا على غرار المساواة بين الرجال والنساء».
وقد أشارت مراكز بحثية، إلى أن الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين يعيشون نوعا من الحلقة المفرغة، التي تسم حياتهم في فرنسا، إذ يشعر المهاجر في الأعم الأغلب بالتهميش في أحياء الضواحي، التي تحولت إلى نوع من الغيتوات، من دون أن يمتلك الوسائل التي تؤهله للاندماج في مجتمعه مثل، التعليم الجيد، والخدمات والرعاية الحكومية، نتيجة الإهمال حكومي، الذي تعاني منه هذه الأحياء، التي تحولت بمرور الوقت إلى حاضنات نموذجية لانتشار التطرف الإسلامي، وبذلك باتت تشكل مفاقس تنتج إرهابيين جددا مع كل موضة، أو موجة من موجات الحركات الإرهابية. بعد أسبوعين بالضبط من تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون التي قال فيها، إن «الإسلام ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم» حدث الهجوم الإرهابي الذي نفذه الشاب الشيشاني عبدالله أنزوروف البالغ من العمر 18 عاما، الذي قام بقطع رأس المدرس الفرنسي صامويل باتي على خلفية التحريض ضده لعرضه الصور الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) التي نشرتها مجلة «شارلي إيبدو» عندما كان يشرح لطلبته مفاهيم حرية التعبير في الإعلام وآليات التعامل معها. ثم تبع ذلك هجوم آخر بعد اسبوعين بدا وكأنه رد على التصريحات الحكومية الرسمية، التي أدانت جريمة قتل المدرس الفرنسي، وتبني وجهات النظر الداعمة لحرية التعبير، إذ قام شاب تونسي يدعى إبراهيم العويساوي يبلغ من العمر 21 عاما يوم 29 أكتوبر بالهجوم على مصلين في كنيسة روتردام في مدينة نيس، وقتل ثلاثة منهم إحداهم سيدة عجوز في السبعينيات من عمرها، تم قطع رأسها على يد المهاجم. الهجوم الأخير أجج مشاعر الغضب في الشارع الفرنسي، ودفع السلطات الفرنسية لرفع درجة التأهب الأمني في المباني ووسائل النقل والأماكن العامة، حسب ما أفاد رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس.
ردود الأفعال في العالم الإسلامي جاءت متباينة، لكنها اتسمت بالبرود هذه المرة، إذ تباينت التعليقات بين حكومية رسمية، وردود أفعال شعبية غاضبة من السياسات الفرنسية، التي اعتبرتها مساندة للهجوم الاستفزازي على الاسلام، الجهات الحكومية الرسمية في العالم الإسلامي أدانت بشكل روتيني الهجمات الإرهابية، لكنها طالبت الحكومات الأوروبية بالفصل والتمييز بين المجرمين الذين لا يمثلون سوى أنفسهم، والجاليات الإسلامية المليونية التي تعيش في أوروبا والغرب ويعيشون كمواطنين صالحين في دولهم.
إذن كيف قُرئت رسائل قطع الرؤوس رسميا وشعبيا؟ وكيف تباينت المواقف من الأزمة؟ جهات رسمية وحكومية في دول إسلامية كانت لها مواقف إشكالية هذه المرة، إذ أدانت وزارة الخارجية التركية، في بيان رسمي، الحادث الإرهابي في نيس، كما أدان الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، حادثة الطعن، وأكد في تغريدة على أن «الإرهاب ليس له دين، ولا لغة ولا لون. سنكافح ضد أنواع الإرهاب والتطرف كافة، بالتضامن والعزيمة». أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فكان من جانبه قد دعا الأتراك إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، بسبب موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد بحجة «الحفاظ على علمانية فرنسا». وقد قُرئت هذه الخطوة على أنها موقف سياسي، ردا على الموقف الفرنسي الداعم للموقف اليوناني في أزمته مع تركيا في صراع شرق المتوسط المتعلق بالتنقيب على الغاز.
كما أدانت إيران الاعتداء الإرهابي، الذي وقع في مدينة نيس، إلا أنها ربطت بين تصاعد العنف وما سمته استفزاز الرئيس ماكرون لمشاعر المسلمين، جاء ذلك على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي دعا إلى وضع حد لـ»الاستفزازات البشعة» فقد كتب ظريف تغريدة قال فيها، «ندين بشدة الاعتداء الإرهابي الذي وقع في نيس» وأضاف «هذه الحلقة المفرغة المتصاعدة – خطاب الكراهية، الاستفزازات والعنف – يجب أن يحل بدلا منها المنطق والتعقل». مشددا على ضرورة «أن نقرّ بأن التطرف لا يجرّ إلا المزيد من التطرف، والسلام لا يمكن أن يتحقق بالاستفزازات البشعة». وقد سبق ذلك موقف الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني المتشدد، الذي غرد قائلا، «موقف ماكرون الغبي تجاه الإسلام هو مؤشر واضح على قلة خبرته السياسية». وأوضح، «لو لم يكن كذلك، لما تجرأ على مهاجمة الإسلام، أوصيه بقراءة المزيد من التاريخ، وأن لا يسعد بدعم الولايات المتحدة المنهارة والصهيونية».
وفي موقف مشابه دعا الجامع الأزهر، وهو من أهم وأكبر المؤسسات الإسلامية في العالم، إلى ضرورة العمل على التصدي لكافة أعمال العنف والتطرف والكراهية والتعصب. وأضاف في بيان رسمي أن، «الأزهر الشريف إذ يدين ويستنكر هذا الحادث الإرهابي البغيض، فإنه يحذر من تصاعد خطاب العنف والكراهية». ودعا إلى تغليب صوت الحكمة والعقل والالتزام بالمسؤولية المجتمعية، خاصة عندما يتعلق الأمر بعقائد وأرواح الآخرين. وهنا يجب التذكير بإعلان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قبل أيام، عن نيته رفع قضية ضد الرسوم الفرنسية الساخرة من النبي محمد لإساءتها للإسلام. وقد أعاد موقف شيخ الأزهر الرسمي الأخير إلى الأذهان واحداً من أشهر المواقف المتناقضة التي مرّت بها مؤسسة الأزهر،عندما رفضت رسميا تكفير تنظيم «الدولة» (داعش) الإرهابي، وإخراجه من حظيرة الإسلام، على خلفية المذابح البشعة التي ارتكبها في حق المسلمين والمسيحيين والإيزيديين، في المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا عام 2014.
عندما نشاهد صور التظاهرات التي خرجت في سوريا، في مدينة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وفي الرقة التي يسيطر عليها النظام في وقت واحد، وهي ترفع صور قاطع رأس المدرس الفرنسي الشاب الشيشاني عبد الله انزوروف، وقد كتبوا تحت صورته عبارة «الشهيد البطل» نعلم أننا أزاء مشكلة كراهية وتطرف، ودوائر اتهامات متبادلة خطيرة، لا يعلم أحد ما ستجره على العالم الإسلامي بشكل عام، وعلى الجاليات الإسلامية التي تعيش في الغرب بشكل خاص، اذ ما تزال دوامات الأزمة تتداعى حتى الآن.
كاتب عراقي
” وقد أعاد موقف شيخ الأزهر الرسمي الأخير إلى الأذهان واحداً من أشهر المواقف المتناقضة التي مرّت بها مؤسسة الأزهر،عندما رفضت رسميا تكفير تنظيم «الدولة» (داعش) الإرهابي، وإخراجه من حظيرة الإسلام، على خلفية المذابح البشعة التي ارتكبها في حق المسلمين والمسيحيين والإيزيديين، في المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا عام 2014.” إهـ
وكذلك قال إمام مسجدنا بالنرويج!
حيث قال بأننا لا نكفر من قال لا إله إلا الله, وإلا أصبحنا مثلهم!! ولا حول ولا قوة الا بالله