لندن – “القدس العربي” : شهدت الجولة الخامسة لدوري أبطال أوروبا، تأهل جُل كبار القوم إلى الأدوار الإقصائية، وبرسائل تحذير مفادها باختصار شديد أن الوضع سيكون مغايرا عندما تُستأنف المسابقة في فبراير/ شباط المقبل. في المقابل، هناك أندية أخرى كبيرة، فشلت في حسم تأهلها بشكل رسمي لدور الـ16 في هذه الجولة، لتواجه المجهول في جولة الختام منتصف الأسبوع المقبل.
خطوة أخرى على الطريق الصحيح
كان ريال مدريد على موعد مع اختبار من الوزن الثقيل، باستضافة باريس سان جيرمان على ملعب “سانتياغو بيرنابيو”، في قمة وصفها الإعلام الإسباني بالثأرية، نظرا لحاجة اللوس بلانكوس لرد اعتباره بعد هزيمته بالثلاثة في اللقاء الافتتاحي على ملعب “حديقة الأمراء”. وفي حقيقة الأمر، كل المؤشرات قبل وأثناء المباراة، كانت ترجح كفة الكتيبة الملكية، بل في بعض لحظاتها الفاصلة، كان المرينغي باستطاعته التقدم بثلاثية نظيفة، لولا براعة حامي عرينه السابق كيلور نافاس، الذي ذاد عن مرماه بكل بسالة وشجاعة، بتصديات مذهلة أبقت على فرص فريقه الباريسي في العودة للنتيجة في أي وقت، وهو ما حدث بالفعل، بمساعدة من بطل العالم رافاييل فاران، بهفوة ساذجة قضى بها على أدائه الجيد طوال المباراة، ليسجل منها كيليان مبابي هدف تقليص النتيجة، وتبعه سرابيا بهدف التعديل في طرف دقيقتين. ورغم انتهاء المباراة بالتعادل 2-2، إلا أن أغلب جماهير الريال كانوا سعداء بالتحسن الواضح في أداء الفريق، بعودة، ولو قليلا، من ملامح نسخة ريال مدريد مع زين الدين زيدان في أوج لحظات نجاحه في ولايته الأولى، وتجلى ذلك في تقارب خطوطه الثلاثة، والانتعاش الواضح في وسط الملعب، بفضل الاكتشاف الجديد فيديريكو فالفيردي، الذي يؤكد من مباراة لأخرى، أن زيزو لم يعد بحاجة للتوقيع مع مواطنه بول بوغبا في الشتاء المقبل ولا حتى المستقبل البعيد، بمجهوده الكبير في وسط الملعب، وموهبته الفطرية في قراءة أفكار خصومه بالانقضاض عليهم في الوقت المناسب، ويمكن القول ان شراكته الاستثنائية مع ابن قارته كاسيميرو، جعل دائرة المنتصف أشبه بالجدار العازل أمام المنافسين، على عكس الصورة الباهتة التي كان يبدو عليها الوسط في وجود الثلاثي الكلاسيكي توني كروس ولوكا مودريتش وكاسيميرو، وبدأنا نلاحظ كذلك استفاقة مهندس الوسط الألماني وكذلك كرويف الشرق، كليهما تحرر من القيود الدفاعية بفضل المكان السحري الجديد، كرأس مثلث هجومي أقرب ما يكون لصانع الألعاب المزيف على مسافة قريبة جدا من ثلاثي الهجوم ومثلها مع ثنائي الارتكاز، بجانب ذلك، عادت التمريرات القصيرة في وسط الملعب، مع تحويل اللعب فجأة من أقصى اليمين إلى اليسار أو العكس، ومن ثم ضرب المنافس بالعرضيات المقوسة للمهاجم الخالي من الرقابة، أو بحل فردي من مارسيلو أو داني كارباخال على قوس منطقة الجزاء، واكتملت منظومة العزف المنفرد وحصار المنافسين في آخر 25 مترا في الملعب، بالعودة الموفقة للساحر الإسباني إيسكو، بتحركاته بين الخطوط، وجرأته في بعثرة أي لاعب والتمرير الطولي في الثلث الأخير من الملعب. الفارق الوحيد بين هذه النسخة ونسخة سنوات احتلال أوروبا، غياب كريستيانو رونالدو. مع ذلك، هذا الأمر لم يعد يمثل مشكلة للفريق، في ظل الحالة الفنية والبدنية المذهلة التي وصل إليها كريم بنزيما في الآونة الأخيرة، ليعطي سلطان القارة العجوز، رسائل مبكرة للجميع، بأن ما حدث الموسم الماضي وبداية هذا الموسم لن يتكرر مرة أخرى في المرحلة المقبلة.
بالنسبة للفريق الباريسي، هو أيضا ترك رسالة تحمل نفس مضمون رسالة الميرينغي، بإظهار قدرته على العودة في أصعب اللحظات، حتى وإن كان المنافس صاحب أشهر ملعب كرة قدم في العالم، بفضل أسلحته في الثلث الأخير من الملعب. صحيح نيمار جونيور غلب عليه الطابع الفردي في أول 20 دقيقة بعد مشاركته كبديل في الشوط الثاني، لكنه يبقى دائما من النوع الذي تنتظر منه لمسة أو اثنتين طوال الـ90 دقيقة لإحداث الفارق، وهو ما فعله في لقطة اختراقه وتمرير الكرة لبيرنات، ثم تفويتها لسارابيا ليطلق سهامه في شباك تيبو كورتوا، ودعونا لا ننسى أنه عائد لتوه من إصابة، ولم يلمس الكرة منذ أكثر من شهر، أكثر من ساعة أمام ليل، لذا قد تكون حملة “بي إس جي” مختلفة هذه المرة، إذا قُدر لأغلى لاعب في العالم النجاة من لعنة الإصابات في النصف الثاني من الموسم، كما حدث معه آخر عامين، واختبار الريال، أظهر بشكل عملي أن باريس يكون مختلفا في وجود نيمار وبدونه. يكفي الذعر الكروي الذي يصدره للمنافسين واختلاف نظرتهم للفريق الباريسي في وجوده، والأمر المبشر هذه المرة في مشروع ناصر الخليفي، أنه بدا وكأن الفريق وجد ضالته في نقطة ضعفه التي تسببت بشكل مباشر في خروجه من الكأس ذات الأذنين من دور الـ16 في آخر 3 مشاركات، وهي صداع مركز حراسة المرمى بشراء صاحب الباع الكبير في البطولة كيلور نافاس، منها جلب خبرة لا تقدر بثمن لمساعدة توماس توخيل لإنهاء عقدة كأس دوري أبطال أوروبا، ومنها أعطى إضافة كبيرة لهذا المركز، بثباته وهدوئه وثقته في نفسه، وقبل هذا وذاك، تألقه بتصديات تجعل الكثير من مشجعي الريال، يشعرون بالندم للتفريط فيه، رغم الاستفاقة المتأخرة للعملاق البلجيكي كورتوا. الشاهد، أن بطل الليغ1 في آخر عامين، بدأ يجني ثمار تغيير سياسته، بفرض لائحة عقوبات رادعة على المقصرين مع المدير الرياضي الجديد ليوناردو، بدلاً من عصر الرفاهية والدلال مع البرتغالي السابق أنتيرو هنريكي، ويظهر ذلك في التزام وانضباط اللاعبين، بجانب وضع الإدارة على الحلول الجذرية، بشراء صفقات جديدة في مراكز كان يحتاجها الفريق، كما حدث مع نافاس وأيضا إدريس غايي في وسط الملعب وديالو في الدفاع، لتصبح الأمور مهيأة لتحقيق نتائج تتناسب مع حجم الإنفاق الهائل على هذا المشروع، إلا إذا لازمه سوء الطالع، الذي تسبب في خروجه في أكثر من مناسبة بطرق لا تتكرر كثيرا في العمر، آخرها خسارته على ملعبه ووسط أنصاره أمام مانشستر يونايتد في إياب دور الـ16 الموسم الماضي، وهذا ما سنعرفه مع بدء مرحلة الجد.
ليلة نجاة فالفيردي
أيضا في إسبانيا، لكن في الإقليم الكتالوني المتمرد، عاش جمهور برشلونة ليلة سعيدة بعد تخطي بوروسيا دورتموند بنتيجة 3-1، ليضمن الفريق التأهل لدور الـ16 بشكل رسمي، قبل زيارة وكر الأفاعي “جوسيبي مياتزا” في الجولة الختامية، وهذا في حد ذاته، ساعد المدرب إرنستو فالفيردي على تأمين وظيفته حتى إشعار آخر، حيث كان يواجه خطر الإقالة، حال تعثر أمام أسود الفيسيفاليا، أو على أقصى تقدير، كان سينتظر مصيره حتى زيارة المدينة الساحلية الإيطالية، والفضل في المقام الأول والأخير، يرجع لقدرات البرغوث ليو ميسي الخارقة، التي استخدمها في كل كرة كانت تخرج من قدمه اليسرى في الثلث الأخير من ملعب بوروسيا دورتموند. باختصار شديد، كانت واحدة من ليالي ميسي الطبيعية في “كامب نو”، بتقديم محتوى ونوع مختلف من كرة القدم، ظهر بوضوح في تخبط هوملز ورفاقه كلما تجرأ أحدهم على الوقوف في طريقه، وكانت المحصلة النهائية، صناعة هدفين للويس سواريز وأنطوان غريزمان وتسجيل هدف بنفسه في ليلة احتفاله بظهوره رقم 700 بالقميص الكتالوني، مع ذلك، تركت المباراة مؤشرات لاحتمال تكرار كارثتي روما وليفربول، لعدم وجود أي جديد في نسخة برشلونة فالفيردي، حيث يتكفل ميسي بفعل كل شيء في الهجوم، والحارس تير شتيغن يقوم بتصديات شبه إعجازية في أوقات صعبة، وكأن ما حدث في ليلة الأربعاء جرس إنذار خطير قبل الاستفاقة على كابوس كل عام المعروف بـ 90 دقيقة بدون سحر ميسي”، والإشارة إلى المباريات الحاسمة التي ينخفض فيها تأثير ميسي، كما كان الوضع في ليلة “ريمونتادا” ملعب “الأولمبيكو” ورباعية “أنفيلد”، والأمر يبقى متروكًا لفالفيردي وطاقمه المساعد لتحضير أنفسهم من أجل التعامل مع هذه اللحظات. ومع تقدم المنقذ في العمر، ربما تكون لحظة الحقيقة في دور الستة عشر أو دور الثمانية، إذا لا قدر الله أن واجه مشاكل بدنية أو تعرض لإصابة، كما حدث معه في بداية الموسم، هذا في الوقت الذي لا يملك فيه بديلا للويس سواريز في مركز رقم (9)، ونسيان عثمان ديمبيلي بعدما تحول لشاب زجاجي بأتم معنى الكلمة، أما إذا سارت الأمور كما يريد فالفيردي، واستمر سحر ليو بلا توقف، فلا شك أبدا أنه سيكون الأوفر حظًا للفوز بالبطولة، لعدم وصول العقل البشري حتى الآن لطرق وأساليب يمكن من خلالها إيقاف البرغوث عندما يكون في حالته العادية، بالنسبة للفريق الألماني، فقد ارتكب مدربه لوسيان فافر أخطاء فنية وتكتيكية بالجملة، بتعديل أسلوبه للمرة الأولى، ببدء المباراة بطريقة دفاعية بحتة، لم يلعب بها من قبل، وتوظيف كارثي للاعبين، كما أقحم أشرف حكيمي في مركز الرواق الأيمن، والأغرب من ذلك، ترك جادون سانشو على المقاعد، في مباراة تعتبر فاصلة في مشواره للتأهل للدور المقبل، فكانت الضريبة تأخره بهدفين قبل أن يفكر في تعديل أفكاره والعودة إلى أسلوبه المعروف عنه، لكن من سوء طالعه، أن تير شتيغن كان له رأي آخر بالاكتفاء باستقبال هدف وحيد في شباكه، ولأنه لم يجتهد منذ البداية، لم يسعفه الوقت لاستثمار نسبة استحواذه التاريخية التي تخطت الـ70% في بعض الأوقات في نهاية المباراة، ليصبح مهددا باللعب في اليوربا ليغ، بعد عودة كونتي ورجاله من التشيك بأهم ثلاث نقاط في المسابقة، بالفوز على سلافيا براغ بنفس النتيجة، بفضل التعاون المثمر بين روميلو لوكاكو ولاوتارو مارتينيز، وهكذا أصبحت مواجهة “جوسيبي مياتزا” ضد البارسا، حياة أو موت بالنسبة لوصيف السيريا آ، لأن أي نتيجة غير الفوز، ستعطي بطاقة العبور الثانية لبوروسيا دورتموند، الذي سيكون على موعد مع براغ في التوقيت ذاته، فمَن مِن الكبيرين سيودع البطولة في الجولة المقبلة؟
كابوس حامل اللقب وعودة مورينيو
صدق أو لا تصدق، أصبح حامل اللقب ليفربول مهددا بالخروج، على طريقة خروج تشلسي في الموسم التالي لتتويجه باللقب التاريخي عام 2012، بعد تعادله المحبط بالنسبة لمشجعيه أمام نابولي بهدف للكل، ليبقى في الصدارة “المخدرة”، بفارق نقطة عن نابولي وثلاثة عن مضيفه في الجولة الختامية ريد بول سالزبورغ، لنا فقط أن نتخيل أنه في حال فاز إيرلينغ براوت هالاند وأصدقاؤه بهدف نظيف، وفي الوقت ذاته فاز فقراء الجنوب الإيطالي على جينك بأي نتيجة، سيكون يورغن كلوب وفريقه خارج البطولة، لذا ستكون زيارة النمسا المقبلة، مصيرية بالنسبة لمتصدر البريميرليغ، ليقرر بنفسه إذا كان يريد القتال على كل البطولات، وعدم التنازل عن لقبه بسهولة، أو الخروج والاكتفاء بالتركيز على الدوري الإنكليزي الممتاز لإنهاء عقدة الـ30 عاما، في الحقيقة، المهمة لا تبدو سهلة على الإطلاق، وتعطي لنا درسا في جنون كرة القدم وتقلباتها، حتى مع فريق بحجم ليفربول، يأكل الأخضر واليابسة في الدوري الإنكليزي الممتاز، وفي غفلة أصبح مُجبرا على العودة من النمسا بأي نتيجة إيجابية لتفادي الخروج المهين من البطولة واللعب في اليوروبا ليغ، أما الفريق الإيطالي، فقد قطع أكثر من 70% من طريقه نحو الأدوار الإقصائية، لحاجته لتحقيق أي فوز على جينك، ليضمن الترشح من دون انتظار نتيجة المباراة الأخرى. وبالنسبة لغريم ليفربول المحلي مانشستر سيتي، فكان أكثر حظا، بضمان التأهل بعد تعادله مع شاختار في مباراة اقتصادية، ليتفرغ للبريميرليغ بكل قوته في المرحلة المقبلة، على عكس أصحاب “أنفيلد”، سيخوضون مباراة أشبه بالمعارك الحربية مع سالزبورغ، وبعدها سيطير الفريق إلى الدوحة، لخوض منافسات كأس العالم للأندية. أيضا من الفرق الإنكليزية التي اقتربت من ضمان التأهل، تشلسي بتعادله مع فالنسيا بهدفين لمثلهما، في واحدة من أمتع مباريات الجولة بوجه خاص والبطولة عموما، ليصبح بحاجة للفوز بأي نتيجة على ليل في موقعة “ستامفورد بريدج” المقبلة، من دون انتظار نتيجة صدام فالنسيا وأياكس أمستردام، حيث يحتل الفريق الهولندي الصدارة بعشر نقاط، ويليه خفافيش “الميستايا” بثمان مثل البلوز.
ومن الفرق الكبرى الأخرى التي تواجه خطر الخروج المبكر، أتلتيكو مدريد بعد هزيمته أمام يوفنتوس بهدف باولو ديبالا العالمي، هو الآخر يحتاج على أقل تقدير تفادي الهزيمة عندما يستضيف باير ليفركوزن في الجولة الأخيرة، ليحافظ على فارق النقطة مع ضيفه الألماني، بعدما حسم اليوفي الصدارة بشكل رسمي، فيما كانت المفاجأة السارة في الأبطال هذه الجولة، عودة المثير جوزيه مورينيو ليتصدر المشهد، بنجاحه في أول اختبار مع فريقه الجديد توتنهام على ملعبه الجديد بقلب الطاولة على أولمبياكوس، بالفوز بنتيجة 4-2 بعدما كان متأخرا بهدفين نظيفين حتى لحظات من الخروج إلى غرفة خلع الملابس بين الشوطين، ليضمن التأهل للدور المقبل برفقة متصدر المجموعة بايرن ميونيخ، الذي حافظ على العلامة الكاملة في المباريات الخمس، باكتساح النجم الأحمر بسداسية بلا رأفة، منها سوبر هاتريك (أربعة أهداف) للجلاد روبرت ليفاندوسكي، ليتصدر لائحة الهدافين بعشرة أهداف، بفارق هدفين عن هالاند، فقط ستبقى الإثارة حاضرة في المجموعة السابعة المجهولة، بعد ضمان لايبزيغ صدارتها بعشر نقاط بعد تعادله مع بنفيكا بنتيجة 2-2، تاركا زينيت سان بطرسبيرغ وليون وبنفيكا، يتقاتلون على البطاقة الثانية، بتساوي الأول والثاني في عدد النقاط بسبع نقاط لكل فريق، ويتبعهما عملاق الكرة البرتغالية بأربع نقاط، قبل أن يستضيف منافسه الروسي على ملعب “النور” في المباراة الأخيرة، وفي التوقيت ذاته سيحل فريق شركة مشروبات الطاقة ضيفا على ملعب “غروباما ستاديوم”، لتحديد هوية المحظوظ بالمركز الثاني.