تساءلت الصحف العبرية، أمس، حول «المغلّف البنّي» الغامض الذي تلقّاه بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، أثناء جلسة لمحاكمته، والذي غادر على إثر استلامه قاعة المحكمة ليصعد، بعد ذلك بساعات، 2800 متر فوق سطح البحر ليطلّ من قمّة جبل الشيخ السوري المحتلّ، على ثلاثة بلدان مشرقية، سوريا ولبنان والأردن، وليتفقّد «المنطقة العازلة» التي سيطرت عليها دولة الاحتلال وليعلن أن جيشه سيبقى هناك «حتى يحصل ترتيب أفضل يضمن أمن إسرائيل» على حد قوله.
تأتي خطوة نتنياهو الأخيرة كتتويج إعلانيّ فاقع لعمليات مكثفة تجاوزت 500 غارة استهدفت مواقع عسكرية واستراتيجية في معظم المحافظات السورية تضمنت مطارات ومستودعات أسلحة ومراكز أبحاث علمية ومنشآت دفاع جوي، كانت تحت سيطرة النظام السابق وحلفائه الإيرانيين، وفي إطار عملية منهجية لتدمير البنية التحتية العسكرية السورية.
قائد قوات الثوار الذين يقودون الحكم الجديد في دمشق، مرهف أبو قصرة (المدعو أبو حسن الحموي) اعتبر القصف الإسرائيلي وتوغل دولة الاحتلال في الأراضي السورية تصرفات «جائرة» وطالب «المجتمع الدولي» بإيجاد حل لإخراج القوات الإسرائيلية» وهو تصريح متوقّع من سلطات جديدة تحاول التعامل مع التداعيات الكبرى العسكرية والأمنية التي خلّفها سقوط نظام بشار الأسد.
قدّم سقوط النظام السوري تحدّيا جديدا لإسرائيل، التي اعتبرت، على مدى عقود، بقاء نظام الأسد خيارها المفضّل، بدعوى الخوف من إمكانيات حصول فوضى عسكرية وسياسية، أو صعود نفوذ التنظيمات الإسلامية، كما كان الحال في مجمل الدول التي شهدت صعود «الربيع العربي» وكانت هذه الاستراتيجية الإسرائيلية أحد الركائز التي انتشرت ضمن الدول الغربية، ولعبت، إضافة إلى عوامل أخرى، دورا في إثناء إدارة باراك أوباما، رئيس أمريكا الأسبق، عن قرار معاقبة نظام الأسد بعد قصفه غوطة دمشق بالسلاح الكيميائي.
لم يعترض نتنياهو، شخصيا، على مساعي الأسد للسيطرة على البلاد منذ قيام الثورة عام 2011، بل إنه، وخلال حرب دولة الاحتلال على نفوذ إيران و«حزب الله» في سوريا، صرّح قائلا: «لم تكن لدينا مشكلة مع نظام الأسد. منذ 40 عاما لم يتم إطلاق رصاصة واحدة على مرتفعات الجولان».
بناء على الآنف، وبمجرد إعلان سقوط نظام الأسد تحرّك جيش الاحتلال الإسرائيلي وسيطر على الجانب السوري من جبل الشيخ في هضبة الجولان وذلك لمنع النظام الثوري الجديد من السيطرة على المنطقة، وتبع ذلك أمر نتنياهو لجيشه ليس بالهيمنة على «المنطقة العازلة» فحسب، بل على «المواقع الاستراتيجية المجاورة» أيضا.
مقابل الغطرسة العسكرية التي أراد نتنياهو إظهارها بالوقوف على قمة جبل الشيخ، قدم وزير خارجيته، جدعون ساعر، السيناريو السياسي الذي تتبنّاه إسرائيل لسوريا حيث قال إن الاعتقاد بأنها «ستبقى دولة واحدة ذات سيطرة وسيادة فعالة على كامل أراضيها هو أمر غير واقعي» والواضح أن إسرائيل ستسعى لفرض واقع آخر عبر ما سمّاه «حماية الأقليات» و«وقف الهجمات على الأكراد» شمال سوريا، و«منع سيناريو مثل هجوم 7 أكتوبر من سوريا»!
السؤال الذي يخطر في البال، ما دام قادة إسرائيل خائفين على «الأقليات» في سوريا، هو: ماذا عن الفلسطينيين، وهل يمكن اعتبار «الإبادة الجارية» لهم هي نموذجهم الذي يقدّمونه للعالم في «حماية الأقليات»؟