يصعب أن يخطر بالبال أن المستويين السياسي والأمني في إسرائيل لا يدركان أن هدم منازل العائلات الفلسطينية المشاركة في إرهاب قاتل ضد مواطنين أو في قتل جنود الجيش الإسرائيلي في إطار مقاومة الاحتلال العنيفة، لا يخلق في الجانب الفلسطيني أي ردع لاستمرار الإرهاب والمقاومة. بالعكس، ثمة افتراض بأن إسرائيل تعرف الحقيقة الواضحة والقاطعة، التي أحسن جدعون ليفي وصفها قبل فترة قصيرة عندما قال: “من بين أنقاض كل بيت هدمته سينمو المخرب القادم” (“هآرتس”، 13/8)، لكنها تواصل عملية الهدم رغم هذا الإدراك، ولأسباب عميقة لا تسمح لها بالكف عنها.
بمفاهيم جافة لتاريخ القضاء في البلاد، فإن جذور أسلوب هدم منازل الفلسطينيين رداً على العمليات الإرهابية ونشاطات المقاومة التي تزهق حياة إسرائيليين، تعود إلى السياق الانتدابي. يدور الحديث عن البند 119 من أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ، الذي ورثته دولة إسرائيل عن الانتداب البريطاني، والذي بحسبه يمكن مصادرة أو هدم مبنى أو أرض مشكوك بأن جرى فيها استخدام للسلاح بصورة تخالف القانون، أو أن سكانها كانوا مشاركين في مخالفة أو “دعموا المخالفين”. ولكن الحقيقة هي أن الأسس السياسية – الأيديولوجية لهذا الأسلوب ترضع من مكون عنصري ومن مركزية العرق للروح الصهيونية، الذي يحظى بالمكانة المهيمنة في الصهيونية منذ إقامة الدولة، وأساسه مصادرة حق الفلسطينيين في وطن قومي بين النهر والبحر.
ابتداء من أيام النكبة التي محيت فيها قرى فلسطينية كاملة عن وجه الأرض، وانتهاء بعهد الاحتلال والاستيطان، اللذين يزرعان الدمار والخراب في الفضاء الفلسطيني على أساس يومي حتى هذه الأيام، كان تدمير بيت فلسطيني خاص رمزاً قوياً لدمار الوطن الفلسطيني القومي. نعم، إن هدم كل بيت فلسطيني لإرضاء شهوة العقارات الاستيطانية التي لا تعرف الشبع، استهدف نقل رسالة قاطعة للفلسطينيين، هي: مكانكم ليس هنا. ولكن من الطبيعي أن تعيد إسرائيل تأكيدها مراراً وتكراراً كوسيلة لمعاقبة معارضة الفلسطينيين العنيفة لهذه الرسالة.
من المفهوم ضمناً أن راية الروح المشوهة هذه بشأن خراب البيت الوطني الفلسطيني، لا تستطيع إسرائيل أن تسمح لنفسها برفعها جهراً، مثلاً.. في التماس ضد هدم بيت نظمي أبو بكر، الفلسطيني الذي ألقى طوبة قتلت الجندي عميت بن يغئال، حين اقتحم جنود جيش الاحتلال بيته. قارنوا بأنفسكم: القاضية ياعيل فلنر (التي كانت في وضع الأقلية) إذ بررت رأيها ضد اتخاذ القرار بالحاجة إلى جعل الفلسطينيين يفهمون مرة وإلى الأبد فكرة أن ليس لهم الحق في الوجود القومي على أرض إسرائيل، وأنه من المفضل أن يتنازلوا لليهود في الصراع على هذا الحد أخيراً والمغادرة بشكل طوعي مثلما حدث في العام 1948. ليس من المستبعد أن أشخاصاً عنصريين مثل بتسلئيل سموتريتش كان سيتحفظ من تبرير كهذا، ومثلما تعلمنا من المقابلة التي أجراها معه رفيت هيخت، يتضح لسموتريتش واليمين المسيحاني بأن الصورة الأخلاقية لإسرائيل باتت أمراً مهماً.
في المقابل، كان وزير الصحة يولي ادلشتاين -الذي يعرف أمراً أو أمرين عن العقاب الجماعي على أساس قومي من الواقع السوفييتي- قريباً من قول الحقيقة الأيديولوجية الخفية بشأن هدم بيوت مخربين ومحاربين فلسطينيين ضد الاحتلال. “يجب إخراج بطاقة حمراء أمام المحكمة العليا. فقرارها يمس بقيم دولة إسرائيل”، هكذا غرد رداً على إلغاء أمر هدم بيت أبو بكر.
ما هي “قيم دولة إسرائيل” تلك التي مس بها القاضي مني مزوز والقاضي جورج قره عندما حكما بوجوب عدم إبقاء زوجة أبو بكر وأولاده الثمانية دون مأوى؟ هكذا قال الوزير ولم يفصّل. ولكن يجب ألا نخطئ. بقدر ما هو محزن الاعتراف بذلك، فإنه مع أو بدون علاقة بالعمليات الإرهابية، فإن أنقاض بيت فلسطيني تعكس بدون شك إحدى القيم المنفية لإسرائيل الحديثة.
بقلم: دمتري شومسكي
هآرتس 25/8/2020