القاهرة- “القدس العربي”: توالت رسائل المعتقلين في مجمع سجون بدر المصري بشأن الانتهاكات التي يتعرضون لها، في وقت نفت وزارة الداخلية المصرية صحة الأنباء المتداولة عن الانتهاكات.
وكشفت رسالة رابعة للمعتقلين، سربت خلال الساعات الماضية من داخل السجن، عن أن الأجواء لا زالت في تصاعد في سجن بدر 3، بعد مرور أكثر من أسبوعين على الأزمة الدائرة بين وزارة الداخلية والمعتقلين في السجن الذين يطالبون بفتح الزيارة لمعرفة أخبار أهاليهم.
وبحسب الرسالة: شهدت الفترة من 23 فبراير/ شباط الماضي وحتى 4 مارس/ آذار الجاري، أحداث متصاعدة، حيث زادت حالات محاولات الانتحار اليومي بمعدل يتراوح بين 10 و13 حالة، تنوعت بين قطع الشرايين ومحاولات شنق وتناول عقاقير كثرتها تؤدي للوفاة، وكانت أخطر محاولة هي قيام المعتقل محمود الصعيدي بمحاولة الانتحار بذبح نفسه وتم حجزه في المركز الطبي في حالة حرجة.
وأكد المعتقلون في رسالتهم، أن إدارة السجن بقيادة ضابط الأمن الوطني يحيي زكريا أوقفت مفاوضاتها مع المندوبين عن المعتقلين كما اتخذت عدة إجراءات تصعيدية منها، وقف الدواء الدوري الذي يصرف لمرضى القلب والسكر، ومنع دخول الأدوية التي يرسلها الأهالي من الخارج بمعدل مرة كل شهر، ووقف كامل للكافيتريا وكانتين السجن وتقليل كميات الطعام الميري المصروفة وهي عبارة عن 50 غرام خضار مطبوخ و75 غرام أرز و75 غرام فول أو عدس، ما أدى إلى ما يشبه المجاعة القاتلة داخل السجن لإجبار المعتقلين على الرضوخ لمطالب الإدارة بتأجيل مطالب الزيارة إلى أجل غير مسمى.
كما تضمنت الإجراءات التصعيدية، بحسب الرسالة، وقف الخدمات الطبية للمعتقلين إلا للحالات التي تشرف على الموت أو التي قامت بالانتحار، وتهديد المعتقلين بشكل واضح بفض اعتراضهم بالقوة ونزع الغمايات الموجودة على كاميرات المراقبة داخل الزنازين، وفصل الكهرباء عن الزنازين إلا من لمبات الطوارئ فقط.
ولفت المعتقلون في رسالتهم، إلى أنهم بدأوا في تصعيد احتجاجهم بحرق بعض الأغطية وتعليق لافتات على الأبواب مكتوب عليها عبارات تؤكد على حقهم في الزيارة، فيما بدأ عدد منهم في الامتناع عن استلام التعيين مؤكدين على رفضهم لسياسة القتل البطيء التي يمارسها النظام المصري ضدهم في سجن بدر 3.
وأكد المعتقلون أن مطلبهم الوحيد هو فتح الزيارة لمعرفة أخبار أهاليهم وتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية من خلال المفوضية السامية لحقوق الإنسان المجتمعة الآن في جنيف للوقوف على حقيقة ما يحدث في سجون الشرق الأوسط بدلاً من بيانات الشجب والإدانة خاصة وأن محاولات الانتحار أصبحت ثقافة منتشرة بين المعتقلين.
ودعا المعتقلون وسائل الإعلام الجادة لنشر وفضح ممارسات النظام المصري ضدهم ودعمهم في الحصول على حقهم في الحرية ورؤية أهاليهم كما يطالبون المجتمع الدولي بوقف دعمهم للنظام المصري الذي يواصل انتهاكاته ضد حقوق الإنسان بما يخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر.
الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، قالت، إن استمرارا لسياسة العزل عن العالم الخارجي التي دأبت عليها أجهزة الأمن المصرية بحق المعتقلين السياسيين في مركز بدر للإصلاح والتأهيل (سجن بدر 1)، بدأت إدارة سجن بدر جمع جميع المعتقلين على ذمة عدد من القضايا، منذ الأسبوع الثاني من شهر فبراير/ شباط الماضي، ووضعتهم في زنازين محددة بقطاع 4 الدور الثالث والرابع.
وبينت الشبكة، أن جميع هؤلاء المعتقلين محرومون من الزيارات بأوامر ضابط الأمن الوطني المسؤول عن بدر 1، والذي أصدر أوامره بعدم السماح بإدخال ما يعرف بالزيارة الطبلية (أدوية أو ملابس أو أطعمة) إليهم، حتى باتوا محرومين فعليا من كل شيء، ومنعزلين عن العالم الخارجي.
وتابعت: “أهالي المعتقلين المحبوسين على ذمة القضايا، 4743 لسنه 2022، و1097 لسنة 2022، و1096 لسنة 2022، و1095 لسنة 2022، وغيرها من القضايا الأخرى الممنوعين من الزيارات، قد فوجئوا بنقل ذويهم من زنازينهم السابقة، والتي كانوا يستطيعون خلالها إدخال بعض الأدوية والمستلزمات الضرورية لهم من خلال الزيارات عندما كان مسموحا بها لبعض أهالي المعتقلين؛ لكنهم حرموا من ذلك تماما بعد هذا الإجراء الأخير، كما حرموا من مجرد الاطمئنان على ذويهم”.
وواصلت الشبكة: “يأتي هذا الإجراء مع تصاعد الاحتجاجات والمطالبات سواء من أسر المعتقلين والمنظمات الحقوقية المصرية والدولية بفتح الزيارات للمعتقلين والتواصل مع ذويهم وإدخال كافة الأدوية وخاصة للمرضى وكبار السن في ظل قلة وندرة الرعاية الصحية داخل السجن وكذلك السماح بإدخال المستلزمات الضرورية من أدوات النظافة العامة والخاصة وكذلك الأغطية والملابس والكتب وغيرها من الأدوات الضرورية لحياة الإنسان”.
وزادت مخاوف أهالي المعتقلين على حياة ذويهم، مع أول رسالة سربت من السجن في الثالث والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، التي كشفت عن حجم الانتهاكات التي يتعرضون لها.
وتحدثت الرسالة عن محاولات انتحار شهدها السجن نتيجة الانتهاكات، إضافة إلى تنظيم عدد من السجناء إضراب شامل.
وتحدث المعتقلون في رسالتهم عن “تعنت شديد من إدارة سجن بدر3” تمثل في “عدم السماح للأهالي بزيارة ذويهم المعتقلين، الأمر الذي وصلت مدته إلى أكثر من 7 سنوات” إضافة إلى انتهاكات أخرى بحق المعتقلين، مثل، “عدم التريض بشكل كلي لكل المحبوسين سواء احتياطيا أو محكومين” كما إن “الوجبات المقررة ضعيفة جدا ولا تكفي لإطعام طفل صغير”. ويضاف إلى كل ذلك “الحالة الصحية المتدهورة والمأساوية، وعدم وجود ماكينات للحلاقة أو شفرات مطلقا” حسب الرسالة.
الانتهاكات هذه دفعت المعتقلين إلى “فتح كل النظارات الخاصة بالأبواب الإلكترونية وغلق كل كاميرات المراقبة المتواجدة بكل الغرف ودخول قطاع 3، 4، في إضراب كلي”.
وفي الرسائل التالية تحدث المعتقلين عن تسجيل 55 حالة انتحار خلال عشرة أيام داخل السجن، سواء بالشنق أو قطع الشرايين أو ابتلاع الأدوية وغيرها احتجاجًا على الانتهاكات التي يتعرضون لها.
وتحدث السجناء في رسالتهم، عن قيام إدارة السجن بمنع تغريب “نقل” 50 معتقلًا يشاركون في الفعاليات إلى سجن بدر 1، وترحيل 200 معتقل محكومين في “قضايا النائب العام وحسم 1 وحسم 2 وكتائب حلوان” إلى سجون المنيا ووادي النطرون وبرج العرب وشديد جمصة.
الانتهاكات التي يشهدها السجن بحسب رسائل المعتقلين، دفعت منظمات حقوقية لإصدار بيان وصفت فيه “مجمع سجون بدر” بالنسخة الأشد قسوة وتنكيلا من سجن العقرب سيئ السمعة، وقالت إن هذه الممارسات الممنهجة وغير الإنسانية دفعت بعض المعتقلين إلى التخلص من حياتهم، وآخرين إلى الإضراب عن الطعام.
وطالبت المنظمات الحكومة المصرية، بالوقف الفوري لهذه الانتهاكات والتي تصنف جرائم تعذيب، والالتزام بسيادة القانون، وسرعة تشكيل لجنة تقصي حقائق من المنظمات المستقلة “المصرية والدولية” لزيارة السجن.
كما طالبت المنظمات النائب العام المصري، بتطبيق القانون الذي يخوّله المسؤولية الكاملة في مراقبة السجون، وفتح تحقيق عاجل وجدّي وشفاف في الانتهاكات.
في المقابل، نفت وزارة الداخلية المصرية في بيان مقتضب نشرته على صفحتها الرسمية على الفيسبوك، وقوع انتهاكات في السجن، وقالت، إنه لا صحة لما تم تداوله في أحد القنوات التابعة لجماعة الإخوان بشأن وجود انتهاكات بأحد مراكز الإصلاح والتأهيل.
وأضافت: “يأتي ذلك ضمن المحاولات اليائسة من الأبواق الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية لمحاولة إثارة البلبلة بعد فقدانهم مصداقيتهم بأوساط الرأي العام”.
وكانت السلطات المصرية سوقت لمجمع سجون بدر الذي افتتح عام 2021، باعتباره سيكون “نموذجا” في توفير الرعاية الإنسانية والثقافية للمسجونين على الطراز الأمريكي، حسب تصريحات أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في سبتمبر/ أيلول 2021.
ومثل مجمع السجون الجديد وقتها، واحدة من خطوات أعلنتها السلطات ضمن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بهدف تحسين صورتها في الخارج في مقابل الانتقادات الدولية.