لم يكن اتفاق السلام مع الإمارات حدثاً وحيداً، بل مرحلة مهمة أخرى في استراتيجية السلام الشاملة التي ينكب عليها نتنياهو منذ سنين، قبل دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بكثير، والتي تستند إلى عمودين فقريين، هما ضمان أمن إسرائيل للمدى الطويل، وتسوية سياسية مع الفلسطينيين. السلام مقابل السلام وليس مقابل الأرض. نتنياهو هو الزعيم الإسرائيلي الأول الذي يعمل بشكل عملي ومنهاجي لتحقيق هذه الأهداف – إن لم يكن “سلاماً حقيقياً” بروح بن غوريون، فعلى الأقل سلام بحكم الأمر الواقع بتأييد من قسم كبير من العالم العربي والأسرة الدولية.
اتفاق السلام يعزل إيران في الساحة ويبعث لها رسالة باسم الدول العربية: “الآن حين تكون إسرائيل إلى جانبنا لا تتحرشوا بنا”.
أمل إسحق رابين في عمل ذلك، ولكنه جر لاتفاق أوسلو الفاشل، وفي غضون وقت قصير فهم أنها خدعة. ووصف توماس فريدمان، المحلل السياسي الكبير في “نيويورك تايمز”، الاتفاق الجديد “بالهزة الأرضية” و”الاختراق العظيم”، وبالفعل، فالحديث لا يدور فقط عن اتفاق سلام، بل عن نظام جديد في الشرق الأوسط كله، وكما يشير فريدمان: “الخاسرون الجغرافيون – السياسيون الأكبر هم إيران، وحزب الله، والميليشيات التابعة لإيران في العراق، والرئيس الأسد، وحماس، والجهاد الإسلامي، والحوثيون، وتركيا. وبخلاف أوباما، الذي تبنى فكرة خلق توازن قوى بين إيران والدول العربية السُنية، وبذلك كان يدفع إلى الأمام عملياً بالتطلع الإيراني إلى الهيمنة الإقليمية، فإن اتفاق السلام يعزل إيران في الساحة ويبعث لها رسالة باسم الدول العربية: “الآن حين تكون إسرائيل إلى جانبنا لا تتحرشوا بنا”. لقد قرأت دول الخليج الخريطة جيداً وفهمت ما لم تفهمه مثلاً معظم الدول الأوروبية أو لم ترغب في فهمه، بمعنى أن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وأعمالاً مثل تصفية قاسم سليماني لم ترفع فقط مستوى عداء العرب للغرب وإسرائيل بل العكس، هيأت التربة لسلام عربي – إسرائيلي آخر واستقرار المنطقة. إذن شكراً لإيران.
كحافز دبلوماسي واجب تجاه العالم العربي، جمدت إسرائيل في هذه المرحلة خططها لبسط السيادة على مناطق خلف الخط الأخضر، ولكن ينبغي التشديد على أن حيوية بسط السيادة على غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبرى لم تنقص، وعلى إسرائيل أن تزيد في هذه الأثناء عدد المستوطنين في الغور وتمنع تسللاً فلسطينياً إليه.
رغم تقديرات بشأن التداعيات الاستراتيجية الإيجابية لاتفاق السلام، ستبقى إيران موضوعاً حرجاً وعاجلاً على جدول الأعمال السياسي – الأمني لإسرائيل. لقد كانت لإسرائيل إنجازات مهمة في إبعاد الحضور العسكري الإيراني والمحافل التي تخضع لإمرتها عن حدودها وفي إحباط خطوات عسكرية إيرانية أخرى. ولكن مهمة كبح تام للجهود الإيرانية لم تتحقق بعد. وفي السياق الإيراني، وجدت الفاعلية السياسية -الدبلوماسية تعبيرها لنتنياهو التي تسمح لإسرائيل بالعمل في الأراضي السورية، وفقاً لمصادر أجنبية، في ظل تفاهم صامت مع روسيا والولايات المتحدة، وفي ظل مراعات مصالح البلدين. في كتاب جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب، يروى أن الرئيس الروسي بوتين قال له (“وسيقول هذا لترامب أيضاً”) إنه “ليس لروسيا مصلحة في الحضور الإيراني في سوريا، وعلى أي حال ليس لها أي ميزة جراء ذلك”؛ بالعكس، “هذا يخلق لها المشاكل”، و “تحدث عن ذلك أيضاً مع نتنياهو”. ولكن ثمة علامات تحذير تأتي من الجانب الأمريكي، إذا فاز الديمقراطيون في الانتخابات للرئاسة وزادوا تمثيلهم في الكونغرس. صحيح أن بايدن رحب باتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات، وهو صديق مثبت لإسرائيل ولنتنياهو، لكن برنامج الحزب في السياق الإيراني يقضي صراحة بأن الإدارة الديمقراطية ستعارض تغيير النظام في إيران كجزء من سياستها، و”ستفضل الدبلوماسية النووية في تخفيف حدة المواجهة معها والحوار الإقليمي”، وبالتشديد، عودة إلى الاتفاق النووي لأوباما. صحيح أنه تذكر أيضاً معارضة برامج الصواريخ الإيرانية وعدواناتها في المنطقة، ولكن الاتجاه واضح: إلغاء العقوبات والقيود التي فرضتها إدارة ترامب والعودة إلى الدبلوماسية على نمط أوباما، والميل الذي سرعان ما سيصبح نزعة تصالح في غياب وسائل الضغط والإنفاذ، فما بالك إذا تعاظم الميل في الحزب الديمقراطي للتسلل المنهاجي لجماعات اليسار المتطرف (والمناهض لإسرائيل) إلى مراكز القوة في الحزب.
بقلم: زلمان شوفال
معاريف 18/8/2020