«أحلم مثل سواي بأن تكون هناك موسوعة للفن التشكيلي العربي. ذلك حلم يحتاج تحقيقه إلى عمل منظم تقوم به مؤسسة كبيرة ذات إمكانيات مالية واسعة. لا يحتاج الأمر إلى موهبة. بشر وأجهزة وأموال يرعاها خيال نزيه. لقد استطعت من خلال رحلاتي في مختلف أنحاء العالم العربي أن أتعرف على عدد كبير من الرسامين ومن أجيال مختلفة. لذلك كنت أردد مع نفسي «ذلك عمل إعجازي». ربما لأني أجهل كيف يتم تأليف الموسوعات. عدد الرسامين في العالم العربي لا يُحصى. إنهم أكثر مما نتصور، وإن كان أثرهم في الواقع لا يزال محدودا. التقيت عددا كبيرا منهم في شوارع المدن الأوروبية أيضا. إنهم هامشيون بالنسبة لأوطانهم الأصلية، وأيضا بالنسبة لأوطانهم البديلة. يجادلون من أجل هوية، هي في حقيقتها جزء من الماضي. ماضيهم الشخصي. لم أقل لهم إنهم منسيون. ذلك ما لا يقع ضمن اختصاصي، باعتباري ناقدا فنيا. هناك تجارب فذة وفي المقابل كانت هناك تجارب متواضعة. ولأني أؤمن أن من حق الجميع أن يرسم فقد رأيت كل شيء من غير حذر أو تكلف. غير أني لم أكن حائرا في ما يتعلق بذائقتي الجمالية. أزعم دائما بأنني قد تعلمت من الرسامين الحقيقيين، الذي قُدر لي أن ألتقي بهم وارتبط معهم بصداقة متينة كيف أرى. ومع ذلك فإن ما لم التقه من الرسامين كان أكبر ممَن التقيت. لذلك كنت أشعر بالإحباط كلما عُرض عليّ أن أساهم في تأليف موسوعة عن الفن التشكيلي في العالم العربي.
منذ عشر سنوات، وأنا ألهو بالفكرة وأقلبها. فكرة الفشل في قول الحقيقة التي لن يجرؤ على التماس بها أحد.
هناك رسامون عرب وما من رسم عربي. تلك فكرة يمكن أن تحررنا من المسؤولية. لكن أي مسؤولية أقصد؟ لن يكون لزاما عليّ أن أفكر في رسم عربي وأنا أكتب عن الرسامين العرب».
ذلك ما كتبه الشاعر وناقد الفن فاروق يوسف في مقدمة كتابه الضخم (605 صفحات من القطع الكبير) رسامون من العالم العربي في جزئه الأول «الفاتحون» الصادر عن مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة في البحرين. وهو الكتاب الأول من نوعه الذي يصدر بالعربية، في محاولة تجمع بين تاريخ ونقد الفن في العالم العربي منذ بداياته الناضجة الأولى وصولا إلى مرحلة تبلور مفهوم الحداثة الفنية. وكما أوضح المؤلف في مقدمته فإنه لم يسع إلى تأليف موسوعة فنية بقدر ما سعى إلى التماس بالبدايات الفنية بمزاج نقدي حين اختار أن ينتقي 68 رساما من مختلف أنحاء العالم العربي استطاعوا من وجهة نظره الوصول بتجاربهم الفنية إلى التماهي مع ما طرحته الحداثة الفنية في العالم من مفاهيم. من اللبناني داود القرم (1852 ــ 1930) حتى السوري إلياس الزيات (1935) مرورا براغب عياد وقيصر الجميل ومديحة عمر وعلي بن سالم ومحمد راسم وبابة محيي الدين وإبراهيم الصلحي ورفيق اللحام وجمانة الحسيني والجيلالي الغرباوي وفائق حسن على سبيل المثال، يمتد خيط الفتح البصري العظيم الذي شكل قاعدة المغامرة الفنية التي صنعت الذائقة الجمالية لأجيال من المولعين بالرسم، كونه بحثا عن حقيقة الأشياء بعيدا عن وجودها المباشر.
«رسامون من العالم العربي» هو مرجع جمالي يغني المكتبة العربية بكشوفاته التي تستند إلى خبرة المؤلف، التي هي حصيلة أربعين سنة من المتابعة لأحوال الرسم في العالم العربي.