لندن – “القدس العربي”:
تحت عنوان “الغطرسة الإستعمارية الجديد لخطة كوشنر” كتب المؤرخ الفلسطيني المعروف رشيد خالدي في موقع “نيويورك ريفيو أوف بوكس” بدأه بالإشارة إلى مقولة للورد كيرزون الذي حكم الهند كنائب للملك، قالها للهنود ” لا يمكنكم العيش بدوننا”، ومثلما اصطفت عائلة ترامب إلى جانب عائلة ويندسور بدا واضحا الفرق بين الأرستقراطية الحقيقية والمصطنعة، إلا أن ما بين لورد كيرزون والمستشار الرئاسي وصهر ترامب، جارد كوشنر المكلف بملف الشرق الاوسط شيء مشترك. ففي مقابلة مع “أكسيوس” وبثت على قناة “أتش بي أو” في الثاني من حزيران (يونيو) وقبل أيام من وصوله إلى بريطانيا شكك كوشنر بجدوى حكم فلسطيني مستقل قائلا “علينا أن نرى” مضيفا ” والأمل أنهم مع مرور الوقت سيكونون قادرين على الحكم”، ردا سؤال إن كان يجب على الفلسطينيين الحصول على الحرية من “الحكومة الإسرائيلية أو التدخل العسكري”. وقال إن هذا “طموح كبير”. وعندما سئل عن عدد الفلسطينيين الذي استشارهم خلال عامين من الإعداد لخطة السلام سأله محاوره إن كان يفهم سبب عدم ثقة الفلسطينيين به، فأجاب “لست هنا لكي أحصل على الثقة”. ويعلق خالدي إن هذه ليست المرة الأولى التي يقال فيها للفلسطينيين أنهم لا يستطيعون حكم أنفسهم ويجب والحالة هذه بقاؤهم تحت وصاية أجنبية ولا حاجة والحالة هذه لاستشارتهم بشأن مستقبلهم الوطني. ففي عام 1919 قام لورد بلفور، استعماري بريطاني آخر بكتابة مذكرة سرية إلى كيرزون نفسه قال فيها “في فلسطين لا نقترح حتى المضي واستشارة سكان البلاد البلاد الحاليين والتعرف على آمالهم.. والصهيونية، سواء كان حقا أم باطلا، متجذرة في التقاليد القديمة، حسب احتياجات الحاضر وآمال المستقبل أعمق أهمية من رغبات وتحيزات 700.000 عربي يعيشون الأن على الأرض القديمة”. ويضيف خالدي أن الوعد الذي يحمل اسم بلفور عام 1917 والذي كان كان أساسا للإنتداب البريطاني وقاد لإنشاء دولة إسرائيل، استبعد الفلسطينيين الذين لم يذكرهم بلفور أبدا بالإسم، من الحقوق الوطنية التي منحها لليهود. ففي مقابلته مع “أكسيوس” ردد كوشنر كلام بلفور واستبعد الفلسطينيين من الحقوق السياسية والوطنية. وركز كوشنر وزميليه، مستشار البيت الأبيض جيسون غرينبلات وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي في إسرائيل على أن مبادرتهم تقوم على التنمية الإقتصادية في الضفة الغربية وغزة تتم تحت نفس الظروف الحالية التي تسيطر فيها إسرائيل سيطرة كاملة على الوضع. ولم يتم الكشف حتى الآن عن البعد السياسي في المبادرة غير استبعاد الدولة الفلسطينية والسيادة. وكل ما يستحقه الفلسطينيون حسب وجهة نظر كوشنر هي “الفرصة لحياة أفضل والفرصة لدفع رهنهم العقاري” في ظل الحكم الإسرائيلي. ويعني هذا النهج كما يراه الفلسطينيون والمعلقون الدوليون أن عملية “تطبيع” للإحتلال والضم الزاحف في ظل تمييز قانوني بين اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين، وهو وضع يشبه التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. والغريب أن كوشنر المفترض انه رجل أعمال ناجح يتجاهل أو يجهل الإجماع الإقتصادي الذي يصف الإقتصاد الفلسطيني بالمخنوق بسبب التدخل المهنجي للإحتلال العسكري الإسرائيلي الذي يدعو كوشنر لبقائه. وأضافت إدارة ترامب لعمليات الخنق الإقتصادي قرارات قطع الدعم الأمريكي عن الضفة وغزة ودعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وفي الوقت نفسه تواصل الولايات المتحدة دعم الحصار الإسرائيلي على غزة وبمساعدة مصر والذي ترك آثاره الكارثية على 1.8 مليون نسمة مثل النقص المزمن للمياه الصحية ومعالجة قليلة للمياه العادمة ونسبة بطالة 50% وغياب كامل لحرية الحركة. وهذه بعض الطرق التي أبدت فيها إدارة ترامب، والتي يعتبر كوشنر جزءا منها احتقارها للفلسطينيين. فمن خلال اعترافها بالقدس كعاصمة لإسرائيل قامت وبطريقة فردية بسحب موضوع كان من الواجب على إسرائيل التفاوض فيه مع الفلسطينيين، وتخلى عن إجماع 70 عاما من السياسة الأمريكية وتجاهل الإجما ع الدولي القائم على ضرورة حل النزاع على المدينة من خلال اتفاق متبادل. كما وتجنبت إدارة ترامب الحديث عن حل الدولتين أو أي نوع من السيادة الفلسطينية، وهي مواقف رددها كوشنر في المقابلة. وأغلقت البعثة الفلسطينية في واشنطن وقطعت الدعم عن السلطة الوطنية. وزعمت خلافا للقانون بشأن اللاجئين منذ الحرب العالمية الثانية أن أحفاد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين منذ عام 1948 ليسوا بلاجئين. وبإعلان ترامب عن موافقته على ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية فقد فتح الباب أمام ضم إسرائيل للضفة الغربية حال قررت ابتلاعها. وهو بالتأكيد ما عبر عنه السفير فريدمان في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” والذي يقال “القوة المحركة” في تشكيل سياسة ترامب في الشرق الأوسط، قال فيها إن من “حق” إسرائيل ضم “بعض” الضفة الغربية وليس كلها. وعندما سئل عن خطة كوشنر وإن احتوت على دولة فلسطينية مجيبا “أي دولة” ثم قام وبطريقة سخيفة بمقارنة الإحتلال الإسرائيلي الدائم للأراضي الفلسطينية بالوجود العسكري الأمريكي في ألمانيا واليابان وكوريا.
ويعلق خالدي إن هذه التصريحات هي الإشارات الأكثر وضوحا حول الطريقة التي تهب فيها الريح بواشنطن. وسيحصل الفلسطينيون مقابل استبعاد حقوقهم على المال الذي سيجمع من ملكيات الخليج، وهو عرض سيقدم بطريقة رسمية في مؤتمر بالبحرين نهاية الشهر الحالي. ويرى الكاتب ان مقترح كوشنر شراء المعارضة الفلسطينية للخطة وبشكل يغني عن أي تسوية سياسية ليس غطرسة وحماقة والتي تتساوق مع سجل عائلته وأصهاره بل هي تكرار لنسخة قديمة من “السلام الإقتصادي” الذي روج له قادة اسرائيليون من شيمون بيريز إلى بنيامين نتنياهو. وقام بيريز الذي كان من المتشددين ضد أي دولة فلسطينية وسيادة بتعويم فكرة السلام الإقتصادي، خاصة بعد توقيع معاهدة أوسلو في تسعينات القرن الماضي. وعبر نتنياهو عن نفس الفكرة عام 2009 حيث زاد تأكيده عليها بعد تأكيداته المتكررة ضد الدولة الفلسطينية. وأصبحت الموضوع المفضل لنتنياهو وداعميه من اليمين المتطرف مثل نفتالي بينت بمثابة “تحلية” اقتصادية على الفلسطينيين ابتلاعها. وإطار ضروري لعملية الضم الواضحة. وليس غريبا أن تسير إدارة ترامب جنبا إلى جنب مع نتنياهو فيما يتعلق بفلسطين والمواجهة مع إيران، وما يدهش هو حجم السياسة الأمريكية الخارجية التي تم نقل التعهدات فيها لنتنياهو وحلفائه في إسرائيل والولايات المتحدة.
ويرى خالدي إن “مبادرات” ترامب للشرق الأوسط جاءت بشكل عملي من “مخزن أفكار اليمين الإسرائيلي المتطرف” بما في ذلك الإعتراف بالقدس وضم الجولان وحرمان الفلسطينيين من حق اللجوء وتجميد الأونروا والخروج من الإتفاقية النووية مع إيران. ولا تزال هناك بنودا أخرى على القائمة مثل ضم الضفة الغربية ورفضا رسميا من الولايات للدولة الفلسطينية وخلق قيادة فلسطينية خانعة واستخدام طرق أخرى لإقناع الفلسطينيين أنهم شعب مهزوم. وما يقوله كوشنر وزميليه هو أن الفلسطينيين لا مظالم حقيقية لهم ولا حقوق شرعية باستثناء الحقوق بالإزدهار عبر المال الخليجي والحكم العسكري الإسرائيلي. وتبدو فكرة كوشنر رش مال الآخرين على موضوع لا يعني أنه سينتهي، خاصة عندما يتعلق الامر بالحقوق الوطنية والسياسية والمدنية وحقوق الإنسان لحوالي 12 مليون نسمة. وكما هو واضح من نشاطات المجتمع المدني مثل حركة المقاطعة “بي دي أس” وأشكال المقاومة الأخرى في غزة والضفة الغربية وبين الفلسطينيين داخل إسرائيل والشتات فهي إشارة على صعوبة شراء الفلسطينيين. ويقول خالدي إن إدارة ترامب عبرت وبوضوح أن الفلسطينيين لا يستحقون المشاورة لما يحدث لهم. وبالمقابل فمن حق إسرائيل أن تملي ما تريده بشأن فلسطين. ويرى الكاتب إن غطرسة كوشنر وغرينبلات وفريدمان والمشرفين عليهم من اليمين المتطرف في إسرائيل كان عليهم معرفة الواقع أفضل. فالروتين المتعب الذي يقوم على حرمان الفلسطينيين من الدور والفاعلية في مستقبلهم كما تظهر خطة كوشنر بوضوح وبدون احترام لهم قد تم تجريبه خلال قرن من الزمان.ولم ينجح خلال الإنتداب البريطاني ولم ينجح ما بين 1948 وصعود منظمة التحرير الفلسطينية في الستينات من القرن الماضي حيث حاولت الأنظمة العربية فرض وصايتها عليهم. ولم تنجح في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي. وكل ما منح للفلسطينيين في ظل أسيادهم الإسرائيليين من مناحيم بيغن عام 1977 حتى بنيامين نتنياهو هو “حكم ذاتي” تحت سيادة إسرائيلية وهذا هو ما يريد كوشنر منحه لهم. فالوضع القائم من الحكم العسكري والإستعمار الدائم الذي يريد كوشنر مده للأبد يتناقض مع السياسة الأمريكية القائمة ومنذ عقود ومع مبادئ الحرية والعدالة والمساواة التي من المفترض أن تدعمها الولايات المتحدة. ويقول إن سمعة الولايات ستلطخ سمعتها شخصية تافهة تعمل تحت تأثير أفكار رجعية لليمين المتطرف في إسرائيل. وربما شعر كوشنر وهو يقابل العائلة المالكة في لندن بالنشوة إلا أن عليه معرفة أن زمن لورد كيرزون وبلفور ولت دونما رجعة ومعها الحقبة الإستعمارية. وبخططه الإستعمارية الجديدة التي رسمها للفلسطينيين فإنه هو وحلفاؤه الإسرائيليون يسبحون ضد تيار التاريخ.