رمضان متهماً بالإرهاب… «الاختيار» كمقياس للهرمونات… وتابعوا هذا المسلسل

حجم الخط
1

يتحدث كاتب إسرائيلي، يضع أمام اسمه عادة لقب بروفيسور، عن «إرهاب رمضان» ، ويبدو أنه كان يحاول تفسير الغضبة الفلسطينية في مختلف مواقع توزّع الفلسطينيين، يقول إنه (أي إرهاب رمضان) «ليس اختراعاً محلياً، إذ إن الإرهاب في أرجاء العالم – ولا سيما في العالم الإسلامي – درجَ على رفع رأسه في أيام العيد تحديداً. كل ليلة تُعقد في كل بيت، زقاق أو حيّ، وجبات إفطار. وهذه تشكّل مكان لقاء اجتماعي للعائلة الموسّعة، بل وأكثر منها، تكون فيها أجواء التزمّت الديني والوعظ الديني… وكلّها معاً تشكل أرضية خصبة تولّد أولئك الإرهابيين الذين يخرجون، منذ تلك الليلة أو في الغداة، لحملات القتل باسم الدين».

عبدالله «الإرهابي» لا يكتفي بحبة قطايف واحدة، ولا بأغنية واحدة، ولا بجرزة ريحان، ولا بحياة واحدة، لو استطاع إليها سبيلا.

ما أدراك، يا بروف، بالقطايف (سواء بقشطة أو جوز) بعد الإفطار، سعادة اللقاء لكل أقطاب العائلة، الضحك، ضجيج الشارع العام بعد صمت وفراغ رهيب وقت الأذان والإفطار، الصبايا والشباب يروحون ويجيئون أسراباً، ثم وقفة العيد، التي غالباً ما تمتد ليومين، بسطات الباعة، والأضواء الضاجّة، وجِرَز الرّيْحان للأحباب الراحلين، و»حبيبي يسعد أوقاته» تهلّ من كل حدب وصوب… وعبدالله «الإرهابي» ، وسط كل ذلك، لا يكتفي بحبة قطايف واحدة، ولا بأغنية واحدة، ولا بجرزة ريحان، ولا بحياة واحدة، لو استطاع إليها سبيلا.
لكن من أين لك أن تعرف شارعاً مثل شارع لوبية في مخيم اليرموك، أو أي شارع سواه، في أي مخيم، بُعَيْد إفطار رمضان! لو عرفت لما تفوهت بخرافة مثل خُرَّافِيّة «إرهاب رمضان» ، سيد بروفيسور.

دراما عبقرية!

يكاد مسلسل «الاختيار» يصبح معياراً لقياس الفهم عند المشتغلين بالفن، كتاباً ونقاداً وفنانين. ظللت أنظر بشيء من الاحترام لآراء الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي حتى سمعته أخيراً على قناة «الجزيرة» يتحدث عن هذا المسلسل، مدافعاً عنه، ومؤكداً أنه «دراما مقنعة» وبأن المسلسل» يعكس واقعاً مصرياً عاشه الشعب» !
كذلك فإن مواطنه محمد دياب، المخرج الهوليودي، وصاحب الفيلم المثير للجدل «أميرة» ، وصف الدراما المصرية بـ «العبقرية» التي لا يقدر عليها حتى ستيفن سبيلبيرغ. وعندما سئل عن «الاختيار» تحديداً، قال إنه لم يشاهده بعد، لكنه من اللقطات الترويجية لاحظ براعة أداء الفنان ياسر جلال في تأدية دور السيسي. لا ندري إن كان دياب لاحظ أن أداء جلال بالذات هو محلّ سخرية لم تتوقف منذ بدء العرض.
هنا نعرف أن هوليوود لم تفعل فعلها بآراء دياب، وأن في الإمكان أن تعيش في لوس انجلوس وتعمل بعقل من لم يغادر الحتّة، البتّة. كما نعرف أن تجربة كبيرة في النقد السينمائي والتلفزيوني تحطّمت عند أول مسلسلٍ سيسيّ.

خذوا الحكمة

في تقييم «الاختيار» دعك من المخرجين والنقاد والدائرين في فلك السياسة، خذ الحكمة من فم امرأة مصرية أمريكية اعتادت أن تظهر على مواقع التواصل مقدمة آراءها في أكثر القضايا تعقيداً فيما تسرح شعرها وتضحك، ظهرت أخيراً وهي تسخر من هذا الفصل التعسفي بين شقين في المسلسل، شقّ قبيح، بذقون منفّرة، وأداء منفّر على نحو مقصود، هم خصوم السلطة الحاكمة الآن في مصر، وشق فاتن المظهر على نحو مزوّر جداً ولا يعكس واقع رجال الأمن والجيش والسلطة. تقول السيدة إن ذلك ما هو إلا تلاعب بهورموناتها، هورموناتها الموزعة نفوراً هنا، وولعاً هناك، وقد سخرتْ مرات من التزوير أولاً، ومن هذا الفصل التعسفي، حتى على المستوى الشكلي، بين الجمال والقبح، بين أنصار السيسي وخصومه.

لسنا بحاجة لإثبات استحالة أن يقدم الحاكم نظرة موضوعية للتاريخ المعاصر تنصف خصومه المختلفين. للمشاهدين أحياناً أحكامهم الأدق والأصوب.

لسنا في حاجة إذن للحديث عن الموضوعية، عن التوثيق، إغفال وثائق وإظهار أخرى، تقديم حقائق واستبعاد غيرها، لسنا بحاجة لإثبات استحالة أن يقدم الحاكم نظرة موضوعية للتاريخ المعاصر تنصف خصومه المختلفين. للمشاهدين أحياناً أحكامهم الأدق والأصوب

زعّاق الدراما السورية

لا ندري كيف يتحمّل المعجبون بالمسلسل السوري «مع وقف التنفيذ» زعّاق الدراما الشهير فايز قزق، إن هذا وحده كافٍ لهجرة وقطيعة نهائية، نحو لجوء درامي يحفظ كرامة المشاهَدَة ورفعتها. يؤدي قزق من غير إتقان لا للهجة، ولا لأداء تمثيلي يليق بشخصية درامية، وهو هنا يبدو، مثل زميله عباس النوري في المسلسل نفسه، شراً نهائياً، نمطاً للشرّ، رجل الأمن والمتنفّذ، والقواد الذي تستطيع أن تركّب له ما شئت من المواصفات، فالمخيلة تتسع وتسمح، لكن بناء الشخصية الدرامية يتطلب تركيباً آخر، يتيح جوانب متنوعة للشخصية، ويقدّم تفسيراً للشرّ الذي هي عليه.
لا نريد أن نقع في غرام الأشرار، وإنما فقط أن نقدّمهم كشخصيات لا أنماط سطحية.

«بطلوع الروح»

من الرائع أن تقوم سيدة بإخراج مسلسل «بطلوع الروح» ، فما بالك إن كانت المخرجة هي المصرية المجتهدة كاملة أبو ذكري، مع مسلسل يتابع حياة عائلة مصرية تنتقل من حياة عادية في مصر إلى أحضان «دولة الخلافة» في الرقة السورية. تجد زوجة شابة وعصرية (منة شلبي) نفسها في قلب ذلك الرعب، شبه مخطوفة من زوجها الذي تخلّى عن عمله في الإعلانات وانضم إلى التنظيم المرعب.

رائع أن «داعش»، في مسلسل “بطلوع الروح”، يُرى بعين نسائية، بعين المرأة التي كانت ضحيته الأولى، مسبيّة، مختطفة، منتهكة، وملقاة بلا أمل في معسكر اعتقال.

في حلقات ثلاث تقدّم شلبي أداءً مؤثراً، في إطار سيناريو مشوق ومؤلم ويستنفر الأعصاب.
ما زلنا في البداية، إلا أنها مبشرة للغاية، والعمل يستحق المتابعة.
الرائع في الأمر، وما يعطيه نكهة خاصة، أن «داعش» يُرى بعين نسائية، بعين المرأة التي كانت ضحيته الأولى، مسبيّة، مختطفة، منتهكة، وملقاة بلا أمل في معسكر اعتقال.

في كل الأحوال

يعاني بيار أبي صعب، صحافيّ جريدة «الأخبار» ، ومقدّم برنامج «في كل الأحوال» على قناة «الميادين» ، من ثلاث مشكلات، على الأقل، كمذيع ومحاور. أولاً لا نعرف لماذا يحاول أداء العربية الفصحى، خصوصاً في الفقرة التقديمية لبرنامجه، كما لو أنه يلقي شعراً، ما هذه الرغبة لدى المذيع أو الصحافي أن يؤدي كلاماً عادياً كما لو أنه شاعر منبريّ! ثانياً؛ أبي صعب ليس محايداً، بل هو طرف منحاز أكثر من اللازم، القناة التي يقدم فيها برنامجه، كما تجربته الصحافية الطويلة والشرسة في صحيفة هي لسان «حزب الله» تكفي لمعرفة الموقع الذي يتحدث منه ويدافع عنه، وبالتالي لسنا بحاجة لمزيد من الاستماع لنعرف النتيجة سلفاً. نعرف أنه لن يوفر فرصة للنيل من السياسي اللبناني فارس سعيد، مثلما لن يوفر أخرى في تمجيد ممثلي الممانعة.
ثالثاً؛ يتحدث بيار أكثر من ضيوفه، فهو معتاد على موقع المحلل السياسي، والضيف الممثل لوجهة نظر الممانعة على تلفزيوناتها، ويبدو أنه لا يتقبل بسهولة بعد فكرة أن يكون مذيعاً وحسب، عليه أن يمهّد لضيفه، يسأله، يسمعنا صوته وأجوبته هو، لا ما تحاول أن تمليه الأسئلة الطويلة.
في النتيجة، يجد المرء نفسه بغنى عن نصف ساعة بيار أبي صعب، حيث في الإمكان سلفاً توقّع كل ما سيقول.

 كاتب فلسطيني سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    شكراً للكاتب على تنوع مواضيعه !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية