ارتبط الجمهور المصري والعربي بكثير من الأعمال الفنية التي تم تقديمها بأشكال إبداعية مُختلفة، خرجت من السينما وانتقلت إلى المسرح والتلفزيون أو العكس، فهناك بعض الأعمال الأدبية المهمة التي كان للمسرح السبق في تقديمها قبل السينما والتلفزيون فأصبحت بفضل ذيوعها وتنوعها الإبداعي أيقونات يحفظها الجمهور عن ظهر قلب ويتأثر بها كلما أعيد عرضها كأنها وليدة اليوم.
الأمثلة على ذلك كثيرة وربما يدخل من ضمنها بعض الكلاسيكيات الإذاعية التي تحولت إلى أعمال شهيرة بفعل انتقالها إلى الشاشة الصغيرة، كحلقات «ألف ليلة وليلة» التي تم تقديمها لأول مرة في الإذاعة بأصوات ممثلين محترفين كزوزو نبيل وعبد الرحيم الزرقاني قبل أن يُعاد إنتاجها تلفزيونياً وتُسند بطولتها إلى نجلاء فتحي وحسين فهمي وعبد المنعم إبراهيم وتوفيق الدقن وآخرين فتزداد شهرتها وتُصبح من الأعمال ذات الشعبية والجماهيرية الواسعة، الأمر الذي شجع قطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري على إعادة صياغتها واستنساخها في أكثر من صورة وبالعديد من الرؤى الفنية التي شارك فيها كل من سمير غانم ويوسف شعبان وليلى علوي ونجوم كبار.
وعلى مستوى آخر تم تقديم مسرحية «عائلة الدوغري» للكاتب نُعمان عاشور بمُعالجة فنية واكبت زمانها في فترة الستينيات، ثم أعيدت صياغة العمل الإبداعي المهم مرة أخرى في ثمانينيات القرن الماضي في شكل حلقات تلفزيونية مُسلسلة اكتسبت شعبية كبيرة وشارك فيها الممثل القدير شفيق نور الدين ويوسف شعبان ومحمود الجندي ومديحة حمدي ويسري مصطفى ونجح المسلسل إلى الحد الذي غطى على المسرحية بفضل ما يتمتع به التلفزيون من قاعدة شعبية عريضة.
علامات السينما المصرية
ولا يُمكن في سياق العرض لما تم تناوله من إبداعات فنية مسرحية وسينمائية أن ننسى رواية الكاتب الكبير نجيب محفوظ «زقاق المدق» التي تم توظيفها سينمائياً في فيلم يُعد من علامات السينما المصرية بطولة شادية وصلاح قابيل، ثم أعيد تقديمها مسرحياً في مسرحية بنفس الاسم قامت ببطولتها معالي زايد، حيث جسدت دور حميدة الذي لعبته شادية في السينما، بينما قام صلاح السعدني بدور صلاح قابيل.
كما أن هناك عملا أدبيا فارقا أيضاً هو الثلاثية، ذلك العمل المُتمثل في بين «القصرين والسكرية وقصر الشوق» وقد قُدمت الأجزاء الثلاثة من الرواية في ثلاثة أفلام حملت نفس العناوين وكان لها فضل كبير في نجاح وتألق الفنان يحي شاهين الذي جسد شخصية السيد أحمد عبد الجواد «سي السيد» قبل أن يُعيد محمود مرسي تجسيد الشخصية في مسلسل تليفزيوني لم يحالفه الحظ في النجاح ولم يكن له نفس تأثير الأفلام المذكورة.
ومن الأعمال المهمة التي تناولت سير وبطولات عملاء المخابرات المصرية، مسلسل «رأفت الهجان» وهو الأشهر تلفزيونياً برغم أنه قُدم إذاعياً في حلقات مُسلسلة تحت عنوان «كنت جاسوساً» في بطولة مُطلقة لفاروق الفيشاوي الذي لعب دور رأفت الهجان في مقارنه بينه وبين محمود عبد العزيز لم تكن في صالحه بالطبع، حيث قدم عبد العزيز الشخصية باقتدار وتمكن ولمع نجمه وازدادت شعبيته بشكل جعله خارج المنافسة.
تثقيف المُتلقي
هناك أيضاً من الروايات العالمية الشهيرة ما تم تمصيره ليُصبح أفلاماً مصرية تناسب أجواءها ذوق الجمهور المصري والعربي وهو تعريب مسموح به طالما أن التناول لم يخرج عن النص الأصلي أو يُفسده مع الإشارة الضرورية لكاتبه الأجنبي باسمه الصريح على الشاشة في تترات البداية. فمن النماذج المعروفة للجمهور والنقاد والمهتمين، رواية روميو وجوليت وهي الرواية الأكثر تداولاً وشيوعاً فمنها جاء فيلم «غرام الأفاعي» بطولة ليلى علوي وهشام عبد الحميد وفيلم «حبك نار» بطولة نيللي كريم ومصطفى قمر وسعيد عبد الغني والسيد راضي، وتم التنويع عليها قبل وبعد ذلك في العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية.
كذلك فيلم «البؤساء» الذي قام ببطولته فريد شوقي ويوسف وهبي وليلى علوي وعادل أدهم ونبيل نور الدين وأخرجه عاطف سالم عام 1978.
ويهدف هذا العرض الموجز للنماذج المُشار إليها إلى التأكيد على العلاقة المُتصلة بين أشكال الإبداع المُختلفة بشتى صورها ومختلف موضوعاتها مهما باعدت المسافات الزمنية بينها وبين بعضها فكلها في النهاية تصب في خانة واحدة وتستهدف شيئاً معيناً وهو تثقيف المُتلقي وإحاطته بكل ما يدور حوله من متغيرات وتفاصيل لها صلة بوجوده وهويته وواقعه الاجتماعي.