«روايات عربية… قراءة مقارنة» للمصرية سيزا قاسم… رؤية جديدة لروايات معاصرة

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: ترسم الناقدة المصرية سيزا قاسم من خلال كتابها المعنون بـ»روايات عربية.. قراءة مقارنة» صورة جديدة لعدة روايات عربية لها أكبر الأثر في السرد العربي الحديث. هذه المقارنة تتفاوت ما بين العودة إلى التراث، وحتى تجاوز حيوات أصحابها لدى روائيين آخرين من الغرب، ليتسع البحث محاولاً تصوير رؤية أعمق لبنيات الرواية من وجهة تنظيرية تتجاوز لغة كاتبها، إلى موقف معرفي تتخذه الرواية تجاه العالم، من خلال مباحث عدة، منها .. البنية الدلالية، النسق، المفارقة، وتجاوز الجنس الأدبي. صدر الكتاب مؤخراً عن الهيئة المصرية لقصور الثقافة في طبعته الثانية، ضمن سلسلة كتابات نقدية، حيث صدرت طبعته الأولى عام 1997 في الدار البيضاء.

البنيات التراثية

تبدأ سيزا قاسم دراساتها من خلال رواية «البحث عن وليد مسعود» لجبرا إبراهيم جبرا، بالبحث عن البنيات التراثية في العمل الروائي، وتبدأ بالتساؤل حول الموقف من التراث، كونه تراثا مزدوجا، بعيدا مجيدا، وقريبا متخلفا، فالفنان العربي نتاج لهذا المزج بين حضارة مزدوجة الأبعاد، متكاملة ومنفصلة عن حياته الحاضرة في الوقت نفسه. وترى قاسم أن جبرا طرح قضية الثقافة في روايته على أساس أن المرء هو حصيلة ما يقرأه ويغذي معارفه ويشحن تأملاته، ويرى أن الاستغراب أو السلفية خيانة على السواء .. «نتيجة هذا المنطق أن الثقافة هي تقطيع لصلات الإنسان بطبقته وأرضه، أي أنها نوع من الخيانة». وترى الناقدة من خلال الرواية أن مؤلفها تمثل التراث في شكل من الحداثة، بمعنى استخلاص واستيعاب البنيات التراثية، ثم إعادة صياغتها في قالب جديد، استناداً إلى المستوى الأسطوري للنص الأدبي، الذي لا يتأتى إلا إذا كان نابعاً من التراث الذي ينتمي إليه العمل. وفي «البحث عن وليد مسعود» تتجسد فكرة النماذج العليا في (الإمام الغائب) أو (المهدي المنتظر)، حيث الجهاد من أجل إعادة الأمور إلى نصابها والأخذ بالثأر، إضافة إلى ذلك يوجد العديد من السمات الأسطورية، شرقية كانت أو غربية.. كتعبيرات تتشابه وألف ليلة وليلة، تعبيراً عن قدرات البطل الخارقة، كذلك أسطورة دون جوان الغربية، حيث ولع البطل بالنساء، إضافة إلى رحلته في البحث والكشف، والربط بينه وبين ذي القرنين.

النسق

تشير قاسم عند دراستها لرواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» إلى أن النقد حصر الرواية في صراع الأضداد، شرقا وغربا، أسود وأبيض، الروح القومي وصراعها مع العدو. فهذا النسق ــ الضدية ــ يبدو قاصراً ولن يفكك مغاليق العمل، وترى قاسم أن هناك طرفاً ثالثاً هو (الوهم)، فيصبح النسق عبارة عن .. شرق/وهم/غرب، والعكس. وتدلل على ذلك بمقولة (مصطفى سعيد) نفسه بأنه عبارة عن «أكذوبة»، إضافة إلى تأصيل عنصر الوهم هذا من خلال التفاصيل ـ فكرة اختلاق ما نعتقده أو نتخيله عن الآخر ـ فمصطفى سعيد يختلق في قلب الغرب مكاناً مخالفاً للمكان المحيط به، من خلال تأثيثه لغرفة على الطراز الشرقي، على نحو ما يتخيل الغرب، مستوحاة من أساطير ألف ليلة وليلة، كما يحمل معه إلى قريته السودانية غرفة غربية على نحو ما يتخيل الشرق، وكأنها مستوحاة من روايات جين أوستن، فكل من المكانين وهم، لا علاقة لهما بالواقع. والوهم هنا هو.. الصورة المعكوسة للآخر في مرآة الوعي. يقول الراوي «مصطفى سعيد قال لهم إنني جئتكم غازياً، عبارة ميلودرامية ولا شك، ولكن مجيئهم هم أيضاً لم يكن مأساة كما نصور نحن، ولا نعمة كما يصورون هم. كان عملاً ميلودرامياً سيتحول مع مرور الزمن إلى خرافة عظمى».

المفارقة

ترى سيزا قاسم أن العنصر المهيمن على كتابات ما تم تسميته بـ(جيل الستينيات) هو «المفارقة»، وهو تحول من الاتجاه الواقعي النقدي، الذي يقوم على محاكاة الواقع إلى المفارقة التي تقوم على التخييل الشارح، التي تُستخدم عندما تفشل كل وسائل الإقناع، ويخفق النقد الموضوعي، فتظل هي الطريق الوحيد، كما أنها من ناحية أخرى تعبر عن موقف عدواني مُخادع، تستخدم قول النظام السائد، ولكنها تحمل في طياتها قولاً مغايراً له. كذلك تستخدم المفارقة لإعادة تقييم التراث الفني الموروث، فهي استراتيجية الإحباط وخيبة الأمل، وسلاح فعال يتمثل في الضحك. وتتمثل قاسم عدة أعمال، مثل.. «الزيني بركات» لجمال الغيطاني، «حكايات للأمير حتى ينام» ليحيى الطاهر عبد الله، وكل أعمال صنع الله إبراهيم، الذي يتخذ من المفارقة النغمة الأعلى في أعماله، فالغيطاني على سبيل المثال جعل من الزيني بركات رمزاً للسلطة، التي استمرت بعد هزيمة عسكرية نكراء ــ هزيمة يونيو/حزيران 1967 ـ وإذا كانت الشخصية حسب ابن إياس أنه وصولي ليس إلا، لكنه اكتسب عند الغيطاني رمزاً لمكر الدولة البوليسية، وكيفية سيطرتها على الأفراد، وخلخلة مقاومتهم وثقتهم. وهل اختلف زمن ابن إياس عن زمن الغيطاني! أما حكايات يحيى الطاهر عبد الله، فتقوم على مفارقة معكوسة، حيث يعارض نمطاً مستخلصاً من الحكايات الشعبية، وكذا ألف ليلة. فالبنية العامة للحكايات تقوم على حكايات يحكيها الراوي حتى يستطيع الأمير النوم، وهي على العكس من حكايات شهرزاد، التي تحكي للملك حتى يستيقظ وعيه، فهي ليست حكايات عن فهم الحياة، بل للهرب منها.. النوم.
وفي الأخير نأتي لطبيعة وشكل المفارقة عند صنع الله إبراهيم، الذي يصنع بداية مسافة بينه وبين المادة القصصية التي يقدمها، وتتولد المفارقة من المادة نفسها وطريقة تقديمها، وهو ما يعرف بالمفارقة اللاشخصية. وهو أسلوب لا تخلو منه جميع أعمال صنع الله إبراهيم، وإن كانت الكاتبة توقفت عند بعضها، مثل.. «اللجنة» و»نجمة أغسطس».
هذه بعض من مباحث الكتاب، الذي يحفل بالعديد من الدراسات الكاشفة عن قراءة مغايرة لما اعتاده النقاد عند تناولهم المكرور لمثل هذه الأعمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية