رواية جورج أورويل “1984” والنظرة إلى مستقبل البشرية

زيد خلدون جميل
حجم الخط
6

رواية “1984” للكاتب البريطاني جورج أوريل (1903 ـ 1950) تحظى بمكانة كبيرة في ثقافة البلدان المتحدثة باللغة الإنكليزية على الصعيدين السياسي والشعبي، فكل اتجاه سياسي يتهم الآخر باتباع تنبؤات الرواية، واستعمال أساليب غير أخلاقية في إخفاء المعلومات، وتزوير الأخبار والتجسس على الآخرين. ولا يلاحظ القراء الكلمات المقتبسة من تلك الرواية والمستعملة يوميا في الأحاديث اليومية والأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية، وأشهر تلك الكلمات هي “الأخ الكبير” (Big Brother)  التي تشير إلى الجهة الذي تسيطر على كل شيء وتتجسس على أدق التفاصيل في حياة المواطنين، وتثير صورتها رعبهم. والرواية عن توقعات الكاتب جورج أورويل عام 1949 عن ما سيحدث في العالم عام 1984.

تفاصيل الرواية

تدور أحداث الرواية في مدينة لندن، وفي عالم خيالي لا توجد بريطانيا فيه، حيث اختفت البلدان المعروفة لنا. وانقسم العالم إلى ثلاثة دول عظمى لتصبح بريطانيا والأمريكتان وأستراليا ونيوزيلندا في دولة واحدة تدعى “أوشينيا” بينما تحتل روسيا القارة الأوروبية وتشكل دولة ثانية، أما الصين فتحتل اليابان وبقية آسيا مُشكّلَةً دولة ثالثة. وهذه الدول الثلاث في حرب مستمرة في ما بينها، ولذلك فإن مدينة لندن تتعرض للقصف بشكل دوري، وقسم كبير منها مدمر. أما الحالة الاقتصادية فسيئة، حيث هناك نقص دائم في المواد الغذائية والملابس، إلى درجة أن الكثير من الناس يسيرون حفاة. ويحكم هذه الدولة، أي “أوشينيا” شخص يدعى “الأخ الكبير” لا يعرفه الناس إلا عن طريق إظهار صورته في أجهزة الإعلام الرسمية، التي تعرض صوره بكثافة شديدة. ويترأس “الأخ الكبير” الحزب الحاكم المسيطر على كل شيء، والذي ينقسم إلى الجزء الداخلي من الحزب، الذي يتمتع أعضاؤه ببعض الامتيازات مثل، السكن في شقق فخمة بعض الشيء والاحتفاظ بخدم وسيارات، ويشكلون الطبقة العليا من الحزب والمجتمع. وهناك الجزء الخارجي من الحزب، ويُكَوّن أعضاؤه موظفي الدولة العاديين، ويعيشون في شقق صغيرة، ويشكل هؤلاء الطبقة المتوسطة من المجتمع. وأخيرا هناك طبقة العمال التي تشكل الأغلبية العظمى من المجتمع، وهي الطبقة السفلى. وتتألف الحكومة من “وزارة السلم” التي هي في الحقيقة وزارة الدفاع، و”وزارة الكثرة” التي تسيطر على الاقتصاد، و”وزارة الحقيقة” التي تسيطر على كل ما يتعلق بالإعلام، وأخيرا “وزارة الحب” التي ليست سوى وزارة الأمن المسؤولة عن اعتقال كل من يتهم بالمعارضة، مهما كانت حقيقة الاتهام وتعذيبهم وإعدامهم. وتوجد شاشة تلفزيون في كل مسكن لعضو الحزب، تبث عن طريقه الدعاية للحزب وصورة “الأخ الكبير”، ويُمنَع إطفاء الجهاز الذي يكون كذلك مزودا بكاميرا ومايكروفون لمشاهدة وسماع كل ما يدور في المنزل. وإذا اعتقد القارئ أن الخروج من المنزل سينقذ المواطن من المراقبة، فهو على خطأ، لان الشاشات المزودة بالكاميرات تملأ الشوارع والساحات العامة وتفوقها عددا المايكروفونات الموجودة في كل مكان، وحتى المنتزهات العامة والمناطق غير المأهولة. وهناك أيضا الجواسيس والعملاء المنتشرون، فكل مواطن هو جاسوس على كل من حوله وحتى الأبناء والآباء والأزواج، ومن لا يقوم بالتبليغ فالويل له، حيث أن الاعتقال شائع، أما الإعدام فليس شائعا وحسب، بل من وسائل الترفيه للجماهير، التي تعتبره من أكثر المناسبات إثارة. ويمتلئ الإعلام بأتفه الأخبار التي تركز على الجريمة العادية والجنس، وأسخف الأخبار والهجوم على كل من يخالف الحزب.

ويستمتع الناس بمشاهد اللاجئين المعدمين الذين تقصفهم الطائرات، وبذلك نرى أن المواطنين قد تحولوا إلى ما يشبه الوحوش الكاسرة. ويمنع الطلاق بالنسبة لأعضاء الحزب فقط، أما العلاقات الجنسية والحب فممنوعان منعا باتا. وحتى الجنس بين المتزوجين فإنه لإنجاب الأطفال فقط وليس للمتعة، ولذلك فالمتعة الجنسية ممنوعة والجنس خارج الزواج محرم، لأن وجود المواطن في الحياة مكرس لخدمة الحزب، وعندما يحب المواطن فإنه سيكون لديه ولاء لمن يحبه، ولذلك فمن غير المسموح أن يحب المواطن أحدا، مهما كان نوع الحب. ونجح الحزب في تأسيس مجتمع قائم على الحقد، ولا يجمع هذا المجتمع سوى الخوف من الحزب، الذي نجح في إلغاء الارتباط العائلي والاجتماعي، وحتى بين الوالدين وأبنائهم، وكذلك الصداقة بين الناس والعلاقة بين الرجل والمرأة لانعدام الثقة بين المواطنين. ويخطط الحزب لأن يأخذ الأطفال من ذويهم فور مولدهم، وإجبار السكان للخضوع لإجراءات طبية لإلغاء الرغبة الجنسية. ولن يكون هناك أي ضحك سوى الضحك على اعداء النظام عند تعرضهم للهزيمة والقتل.

وبطل القصة رجل في أواخر الثلاثينيات يدعى “ونستون سميث” يعمل في وزارة “الحقيقة” في لندن. وهذه الوزارة في الحقيقة مسؤولة عن الإعلام، حيث تقوم بتزوير كل الأخبار حسب رغبة الحزب الحاكم، بغض النظر عن مدى اختلاف الحقيقة عن ما تدعيه هذه الوزارة، وكان بطل الرواية “ونستون” أحد الموظفين المسؤولين عن هذا. ولاحظ “ونستون” أن “الأخ الكبير” و”غولدشتين” اللذين لا يراهما سوى في الإعلام الرسمي، لا يكبران في السن وتساءل إن كانا شخصين حقيقيين. ولاحظ كذلك أن القصف الجوي لا يتوقف مهما حدث تغيير في الوضع العسكري والسياسي، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية المستمرة، التي تجعل الحياة اليومية لا تطاق، وتساءل اذا كان ذلك مفتعلا من قبل الحكومة. وكان من الفعاليات اليومية ما يسمى “دقائق الحقد”، حيث يجلس كل من في المؤسسة الحكومية أمام شاشة عرض ويُعرَضُ فيلم عن أعداء الدولة، وعلى الجميع الهتاف بأعلى أصواتهم بالشتائم والاستنكار لهؤلاء الأعداء. ولاحظ “ونستون” أن فتاة شابة جميلة تبالغ في انفعالها، وكان يعتقد أن الكثيرات من الجميلات في الحقيقة عميلات لأجهزة الأمن. ولاحظ لاحقا أنها نظرت إليه في إحدى المرات في المؤسسة بطريقة أثارت شكوكه ورعبه. ولاحظ كذلك أن أحد المديرين ويدعى “أوبرايان” كان غير مندفع في فترة “دقائق الحقد” ويبدو مؤدبا ولطيفا، على الرغم من كونه من الجزء الداخلي للحزب، فتساءل “ونستون” إن كان “اوبرايان” من المعارضين للحزب. ولم يكن “ونستون” غريبا عن الاعتقال، إذ “تبخر” والده عندما كان طفلا، ثم “تبخرت” والدته مع شقيقته الطفلة بعد ذلك بفترة قصيرة، بدون أن يعلم أبدا ما حل بهم.

خرج “ونستون” من المؤسسة في أحد الأيام للعودة إلى شقته الصغيرة، وقرر أن يأخذ طريقا طويلا على غير العادة كي يتمشى قليلا، حيث لم يكن يملك سيارة. وكان في هذا مخاطرة لاحتمال اكتشاف أجهزة الأمن ذلك التغيير مما يثير شكوكها، ولكنه قرر المخاطرة والذهاب إلى المنطقة التجارية من لندن. وهناك دخل محلا للتحف القديمة وكان صاحب المحل رجلا كبير في السن ولطيفا. وعند خروجه من المحل وجد الفتاة الجميلة نفسها من المؤسسة تسير أمامه. ولم يتكلم معها ولكنه أصبح أشبه بالمتأكد أنها تراقبه، وشعر بأن نهايته وشيكة. ولكنه لم يكن ليستسلم لمصيره المشؤوم، فقرر قتلها كي لا تبلغ عنه. وبعد ذلك التقى بها بالصدفة في المؤسسة وتعثرت لتسقط على الأرض، وعند مساعدته لها للنهوض تضع خلسة في يده ورقة تخبره بحبها له. وشك “ونستون” في الأمر، فلعل هذا فخ من أجهزة الأمن، ولكنه لم يسمع سابقا بمثل هذه المكيدة، فرجح أن الأمر حقيقة. واستطاع بعد جهد كبير أن يلتقي بها في منطقة خارج المدينة. وهناك اعترفت له بماضيها وعلاقاتها الجنسية وسأمها من النظام. وقام “ونستون” بتأجير غرفة فوق محل التحفيات للقاءاتهما الرومانسية. وقرر “ونستون” أن يقوم بعمل ما ضد النظام بعد الاتفاق معها، وفكر بالمدير “أوبرايان” الذي التقى به بعد عدة أيام في المؤسسة ودعاه إلى شقته الفخمة للتباحث حول أمر متعلق بالعمل، ولكن “ونستون” اعتقد أن “أوبرايان” قد دعاه للانضمام إلى المعارضة. وذهب مصطحبا حبيبته حيث طلبا سوية منه الانضمام إلى النشاط المعادي للحزب. ورحب “أوبرايان” بالأمر وسأله إن كان مستعدا أن يفعل كل شيء مهما خالف القانون والأعراف والأخلاق من أجل التخلص من الحزب، وكان الرد بالموافقة. ونتيجة لذلك أرسل “أوبرايان” إليه نسخة من كتاب المعارضة الذي يشرح فلسفتها وقد كتبه “غولدشتاين” نفسه. والتقى “ونستون” مجددا بحبيبته في الغرفة المستأجرة، وإذا برجال الأمن يقتحمون الغرفة ويلقون القبض عليهما بقيادة صاحب محل التحفيات. وافترق الاثنان حيث تعرض كل منهما إلى تحقيق منفصل، واكتشف “ونستون” أن “أوبرايان” لم يكن سوى عميل لقوى الأمن. وتعرض “ونستن” إلى مختلف أنواع التعذيب البشع واكتشف أن قوى الأمن قد شكت به قبل سبع سنوات، وكان طوال تلك الفترة تحت رقابتها المشددة. ولكن “أوبرايان” أبلغه أن انتزاع الاعتراف منه لا يكفي، لأن أفكاره المعارضة هي مرض، ويجب الشفاء منه، وعليه أن يحب “الأخ الكبير” لأن الخوف منه لم يكن كافيا، وإن عليه أن يصدق كل ما يقوله الحزب مهما كان الأمر مخالفا للمنطق. واكتشف “ونستون” أيضا أن حبيبته قد تعرضت لما تعرض إليه هو وشعر بالألم الشديد بسبب ذلك. وقرر الحزب الإفراج عن “ونستون” وحبيبته في نهاية المطاف وإعطاءه عملا مريحا، ولكن “أوبرايان” أبلغه أنه سوف يتم إعدامه عاجلا أم آجلا. ويحاول “ونستون” العودة إلى حبيبته، ولكنه يقرر أيضا الاستسلام وأن يحب “الأخ الكبير”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مدقق لغوي محدث:

    *** ثلاثة دول
    ثلاث دول

    1. يقول علي الجزائري:

      ما قولك في مضمون الرواية يا مدقق .. ؟؟ نريد تعليقا ابستمولوجيا على هذا المنتوج الأدبي الفريد من نوعه .. شكرا.

    2. يقول مدقق لغوي محدث:

      النظر الإبستمولوجي لا يكفي هنا إذا لم يقترن بالنظر الأنطولوجي: الأول يثير السؤال (ماذا يعني أن نعرف؟)، والثاني يثير السؤال (ماذا يعني أن نكون؟). هكذا كان على سؤالك أن يكون، وإلا فلا!
      من جهة الأول، الرواية كابوس سياسي يتحقق مرارا ليعلمنا في كل مرة معنى جديدا لمقولة (المعرفة قوة). ومن جهة الثاني، الرواية تحثنا على إعادة النظر في وجودنا كلمنا خبرنا هذا المعنى الجديد حق خبرته! تحية لابن الجزائر

    3. يقول مدقق لغوي محدث:

      *** كلمنا
      *** كلما
      (المدقق اللغوي يدقق لغته)

  2. يقول مدقق لغوي محدث:

    *** “أوشينيا”
    أوقيانوسيا

  3. يقول مدقق لغوي محدث:

    *** “الأخ الكبير”
    *** “الأخ الأكبر”
    (مستوحاة من مدلولها الديني)

إشترك في قائمتنا البريدية