لندن-“القدس العربي”:تمكن علماء بريطانيون من تطوير “روبوت” يعمل بتكنولوجيا “الذكاء الاصطناعي” ويقوم بعمليات تنظير عالية الدقة داخل أجساد المرضى المشكوك في إصابتهم بسرطان القولون أو الأمعاء، على أن هذا الـ”روبوت” عبارة عن ذراع إلكترونية تعمل بدقة عالية وتقوم بعلمية التنظير اللازمة للكشف عن السرطان وتصوير المكان أو الحصول على عينة من الأنسجة لفحصها في المختبر.
ويمكن للذراع الروبوتية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي إجراء تنظير القولون بألم أقل حسب ما يقول العلماء، حيث تقوم هذه الذراع باستخدام مغناطيس لتوجيه مسبار الكاميرا خارجياً عبر القناة الهضمية.
وعرضت جريدة “دايلي ميل” البريطانية تفاصيل هذا التطور في تقرير خاص، وقالت إنه من إنجاز فريق من العلماء التابعين لجامعة “ليدز” وهو “التحديث الرئيسي الأول منذ عقود لعمليات التنظير التي يتم إجراءها في الأمعاء والقولون” مشيرة إلى أن هذه العملية يتم إجراؤها أكثر 100 ألف مرة في بريطانيا كل عام.
وفي تنظير القولون، يتم تمرير مسبار طويل ورفيع منتهي بالكاميرا للبحث عن التشوهات وإزالتها وأخذ عينات الأنسجة، وقد يكون الفحص غير مريح للمريض ويتطلب تدخلاً من أطباء ذوي مهارات عالية مما يحد من توافر هذا الإجراء.
ومع ذلك، فإن نظام الذكاء الاصطناعي الجديد سيساعد الأطباء والممرضات الأقل خبرة في توجيه المسبار بأمان إلى مواقع محددة داخل القولون.
ويمكن أن تبدأ تجارب المرضى باستخدام هذا النظام الجديد في وقت مبكر من العام المقبل 2021.
وقال مؤلف البحث وعالم الروبوتات بيترو فالداستري من جامعة ليدز: “يمنح تنظير القولون للأطباء نافذة على العالم مخبأة في أعماق جسم الإنسان، كما أنه يوفر دوراً حيوياً في فحص الأمراض مثل سرطان القولون والمستقيم”.
وأضاف: “لكن هذه التكنولوجيا ظلت دون تغيير نسبياً لعقود” وتابع: “ما قمنا بتطويره هو نظام يسهُل على الأطباء أو الممرضين تشغيله وهو أقل إيلاماً للمرضى”.
وأكد أن هذا الابتكار الجديد “يمثل خطوة مهمة في التحرك لجعل تنظير القولون متاحاً على نطاق أوسع، وهو أمر ضروري في عمليات التعرف المبكر على سرطان القولون والمستقيم مبكراً”.
ووفقاً للبروفيسور فالداستري وزملائه، فقد تم تصميم الإجراء الجديد ليكون أسهل في الإدارة، وبالتالي زيادة عدد مقدمي الخدمة الذين يمكنهم إجراء العملية، وبالتالي وصول المريض إلى تنظير القولون بسرعة أكبر وسهولة ويسر.
وسيظل الطبيب أو الممرضة في متناول اليد لاتخاذ القرارات السريرية، ولكن المهمة الصعبة المتمثلة في توجيه المسبار سيتم نقلها إلى النظام الآلي.
وحسب الشرح عن طريقة عمل هذا الروبوت الجديد، فإن عملية التنظير لا تزال تستخدم مسباراً كما هو الحال مع تنظير القولون التقليدي، لكن في التكنولوجيا الجديدة يتم توجيهه بعد الإدخال ليس من قبل طبيب أو ممرضة يدفع منظار القولون، ولكن باستخدام مغناطيس يمسكه الروبوت بالمريض.
وأثناء تحرك الذراع حول المريض، تقوم بمناولة الكبسولة التي تحتوي أيضاً على مغناطيس صغير معها، ويمكن أن يتم توجيه الذراع الآلية يدوياً أيضاً مثل إجراء التنظير الداخلي بشكل تقليدي.
وطور الباحثون ثلاثة مستويات مختلفة من المساعدة الروبوتية، وقاموا بتقييمها لمعرفة مدى فعالية كل منها في مساعدة الموظفين غير المتخصصين في إجراء تنظير القولون، بحسب ما أورد تقرير “دايلي ميل”.
وتضمنت مستويات المساعدة التحكم المباشر في الروبوت، حيث يتمتع المشغل بالتحكم المباشر في الروبوت عبر عصا التحكم من دون تقديم أي مساعدة.
وفي مستوى المساعدة “التشغيل الذكي عن بُعد” يركز المشغل على المكان الذي يريد أن تكون الكبسولة فيه في القولون، تاركاً النظام الآلي لحساب حركات الذراع الآلية اللازمة للحصول على الكبسولة هناك.
أما المستوى الثالث فهو وضع “التنقل شبه المستقل” ويتنقل الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل في الكبسولة عبر القولون، باستخدام الملاحظات المرئية من كاميرا المسبار، على الرغم من أنه يمكن للمشغل تجاوزها حسب الحاجة.
وتمت تجربة هذا الروبوت فعليا، حيث طُلب من عشرة موظفين غير خبراء التنقل في المسبار إلى نقطة محددة داخل نسخة القولون المتماثلة في غضون 20 دقيقة، وكرر كل مشارك المهمة خمس مرات باستخدام كل مستوى من مستويات المساعدة الثلاثة المختلفة.
ووجد الباحثون أن المشغلين حققوا معدل نجاح بنسبة 58 في المئة عند التحكم في الذراع الروبوتية بالكامل بأنفسهم، لكن هذا زاد إلى 96 في المئة باستخدام التشغيل الذكي عن بُعد و100 في المئة باستخدام الملاحة شبه المستقلة.
وفي المرحلة التالية من التجربة، طُلب من اثنين من المشاركين المبتدئين التنقل بمنظار القولون التقليدي إلى قولون اثنين من الخنازير المخدرة مع حضور طبيب بيطري لضمان عدم إصابة الحيوان بأذى. ثم كرر المشاركون المهمة باستخدام النظام الآلي الذي يتحكم فيه المغناطيس مع كل مستوى مختلف من المساعدة.
ووجد الفريق أن المشغلين المبتدئين وجدوا أنه من الأسهل إجراء الفحص عند إعطائهم المساعدة الروبوتية.
وقال مؤلف الورقة وعالم الروبوتات جيمس مارتن من جامعة “ليدز” إن “تشغيل الذراع الآلية يمثل تحدياً” وأضاف: “إنه ليس بديهياً للغاية وقد أدى ذلك إلى إعاقة تطوير مناظير القولون المغناطيسية المرنة”. وتابع: “لكننا أثبتنا للمرة الأولى أنه من الممكن إلغاء تحميل هذه الوظيفة إلى النظام الآلي”.
وأوضح أن هذا يترك المشغل حراً “للتفكير في المهمة السريرية التي يضطلع بها، وهو يحدث فرقاً ملموساً في الأداء البشري”.
وعلى الرغم من أن التقنية الروبوتية قد تم تطويرها لإجراء فحص القولون بالمنظار، فمن المحتمل أن يتم تكييف نفس النهج للاستخدام مع أجهزة التنظير الداخلي الأخرى، مثل تلك المستخدمة لفحص الرئتين أو الجهاز الهضمي العلوي، بحسب ما يقول العلماء.
وقال مؤلف البحث وعالم الروبوتات برونو سكاليوني: “تنظير القولون بمساعدة الروبوت لديه القدرة على إحداث ثورة في طريقة تنفيذ الإجراء”.
وأضاف: “هذا يعني أن الأشخاص الذين يجرون الفحص ليسوا بحاجة إلى أن يكونوا خبراء في التلاعب بالجهاز”.
وتابع: “نأمل أن يجعل ذلك التقنية متاحة على نطاق واسع، حيث يمكن تقديمها في العيادات والمراكز الصحية بدلاً من المستشفيات”.