‘المسيرة التي في اطارها تحولت النية الامريكية للهجوم على سورية الى مفاوضات على تسوية تضمن، كما يبدو، استمرار حكم بشار الاسد صعب جدا فهمها من زاوية نظر اسرائيلية. ومحادثات مع اصحاب القرار ومحافل اسرائيلية، جرت في الاسابيع الاخيرة في واشنطن وفي لندن، تضيء الصورة بشكل اوضح. في السطر الاخير يبدو هذا على النحو التالي: باراك اوباما اعتزم حقا الهجوم على سورية (كل الاستعدادات والتنسيقات مع محافل في اسرائيل وفي بريطانيا جرت تمهيدا للهجوم). وقد بدا هذا كخطوة عسكرية سهلة حتى اكثر من الهجوم الجوي الذي قام به حلف الناتو وصفى به حاكم ليبيا معمر القذافي قبل نحو سنتين فقط. غير أنه في’ الطريق من الاحاديث في البيت الابيض الى التنفيذ من قبل حاملات الطائرات بدا أن شيئا ما تغير. الامر الاول الذي تغير هو الموقف الروسي، فقد شعرت روسيا بانها مخدوعة من خطوة حلف الناتو ضد القذافي، وقررت انها لن تسمح بمزيد من الخطوات احادية الجانب من العالم الغربي، تغير فيها أنظمة الحكم. وفضلا عن ذلك، فان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصلحة هائلة في اظهار انه يقف الى جانب الاسد خلافا، لاوباما الذي تخلى عن الرئيس المصري حسني مبارك، واليوم ايضا لا يقف مئة في المئة خلف النظام العسكري المصري الذي يحاول الاعتماد عليه. في السنتين الماضيتين منذ تصفية القذافي، وروسيا تشهد تقدما اقتصاديا وتصاعدا في نفوذها السياسي في العالم. مقارنة بها، فان الولايات المتحدة وبريطانيا في حالة هبوط. ولا تخجل محافل امريكية من الاعتراف بأنه يتزايد جدا الميل الامريكي الى الانعزال التقليدي الذي بموجبه ينبغي ان ينظر الى التطورات خلف المحيط كمواضيع ‘ليست من شأننا’.’فصدمة العراق وافغانستان لاذعة، والجدال السياسي متواصل. وفي بريطانيا أيضا انشغلت العناوين الرئيسة حتى الاسبوع الماضي، في التحقيقات في اخفاق الجيش البريطاني في العراق وافغانستان، اكثر من الكلام عن اي قتال حيال نظام الاسد. والحجج مع العمل في سورية تستقبل بعدم ثقة. والعلاقات بين محافل في جهاز الامن الاسرائيلي ونظرائهم في بريطانيا وفي الولايات المتحدة متميزة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وفي احاديث لغير الاقتباس يبدو قدر من الحسد لاسرائيل التي تعرف ظاهرا كيف تقبل من خلف خطوطها الحمراء (في الولايات المتحدة وفي بريطانيا يتعاطون كحقيقة ناجزة مع التقارير في وسائل الاعلام العالمية التي تتحدث عن أن اسرائيل هاجمت سورية منذ بداية 2013 أربع مرات على الاقل كي تصفي ارساليات سلاح ذات مغزى استراتيجي). في هذا الواقع فان الحرب حول الهجوم على سورية تتداول حتى الان في الرأي العام، ولا سيما في الولايات المتحدة. فقد هاجم اوباما هناك المرة تلو الاخرى وبوتين ايضا، كتب مقالا خاصا لـ’نيويورك تايمز’ في نهاية الاسبوع، وكذا الاسد، الذي وقف في كلمة تلفزيونية نادرة. في ضوء كل هذا، فان التسوية التي يتحدثون عنها الان هي المخرج الافضل لكل الاطراف. بقوة، هذه تسوية جيدة لروسيا: فهي تثبت مكانتها كقوة عظمى شبه مساوية الوزن مع الولايات المتحدة. من الان فصاعدا لن تتم اي خطوة عالمية في سورية من دون إذن الروس. كما أن التسوية تمنع امكانية ان تهاجم الولايات المتحدة سورية. اوباما هو الاخر يمكنه أن يكتفي بتسوية: فمن جهة، امتنع عن التورط وعن عملية ضد رأيه العام. من جهة اخرى، بات يدعي منذ الان بان التهديد الملموس بالهجوم سيؤدي الى نزع السلاح الكيميائي من سورية، بالتسوية. وماذا في اسرائيل؟ التقديرات في اسرائيل عشية يوم الغفران كانت ان نزع السلاح غير التقليدي من سورية هو انجاز عظيم، اذا ما تحقق بالفعل. في الجانب المتفائل يمكن ان نرى ان تهديدا حقيقيا للهجوم يمكن أن يؤدي الى نتائج، ولعل الامر سيؤدي الى نتائج في المستقبل ايضا في ايران. الا ان السلوك الامريكي برمته يبث ضعفا فيشجع فقط ايران على مواصلة برنامجها النووي، انطلاقا من الافتراض بان الولايات المتحدة ستجد دوما المبرر لعدم الهجوم. وبالنسبة لمستقبل سورية ايضا فان التقديرات هي متشائمة للغاية: فمع كل الاحترام للاسد، فانه لا يحتفظ الان الا بنحو 40 في المئة من الاراضي السورية. والتقديرات هي ان الحساب الدموي بين الجهات المختلفة في سورية هائلة ولهذا فان الحرب الاهلية هناك ستستمر بهذا الشكل او ذاك حتى لو دخلت التسوية لحل النزاع الكيميائي حيز التنفيذ. ‘ معاريف 15/9/2013