عادت عجلة الحياة الى الدوران مجددا في أكبر البطولات الاوروبية لكرة القدم معلنة بداية موسم جديد، يمتد على مدى 9 شهور، وكأن الرياضة لا تتوقف أحداثها بتاتاً.
جماهير ريال مدريد احتفلت باحراز لقب جديد يوم الاربعاء الماضي، بالفوز بالكأس السوبر الأوروبية بعد أسابيع من احتفالها الكبير بالفوز بدوري أبطال أوروبا الخامسة عشرة، وبينهما كانت هناك احتفالات أخرى ومناسبات سعيدة جديدة، باقامة مراسم استقبال رسمية للترحيب بالنجم الكبير كيليان مبابي كصفقة «غالاكتيكو» طال انتظارها طويلاً، وتبعها احتفال آخر بضم «الاعجوبة» البرازيلية اندريك، وكأن جماهير الريال التي حضرت كل هذه المناسبات، لا يشغلها في حياتها سوى ما يتعلق بالنادي، وهي دائماً ترسخ وقتها وجهدها ومالها لخدمة ما يطلبه النادي وما يدور في فلكه.
وهكذا أصبحت الجماهير الكروية في كل مكان، بل في هذه الصيفية لم تهنأ الجماهير بوقت تشتاق فيه لأي حدث رياضي، وكأن المسؤولين وصناع القرار من الرياضيين والاقتصاديين والسياسيين، يتعمدون ملء أوقات المتابعين بالأحداث الرياضية، فبمجرد انتهاء الموسم الماضي بانتصار ريال مدريد على بوروسيا دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا، وبعد حسم صراعات الدوريات الكبرى بعد اثارة مضنية، انتقلنا الى صراعات الدول في كأس أمم أوروبا بين المنتخبات الاوروبية، والتي حسمتها في النهاية اسبانيا بفوزها المثير على انكلترا في المباراة النهائية، مثلما فعلت الارجنتين في منافسات كوبا أميريكا بفوزها على كولومبيا في صراعات دول امريكا الجنوبية والوسطى والشمالية.
وما أن انتهت هذه الصراعات المضنية للمشاهد والمتشبع من موسم ثري وغني بالاحداث، حتى عاجلته مدينة باريس بأحداث ألعاب الدورة الاولمبية التي قسمت الشعوب بأحداثها بسبب الصراعات بين الرياضيين من مختلف الجنسيات، ففي حين كانت أحداث كرة القدم مفتوحة الولاء، حيث يجذب كل ناد مشجعيه من كل أنحاء العالم، لعدة أسباب، أهمها تنوع جنسية اللاعبين في كل فريق، لكن هذا الولاء يصبح منقسماً مع منافسات المنتخبات، رغم الميول الى تشجيع منتخب على حساب آخر، لأسباب تتعلق بنجومية لاعبيه الذي يلعبون للنادي الذي يشجعه. لكن في منافسات الالعاب الاولمبية فالصراعات واضحة وجلية، وكل رياضي يمثل دولته، ولكل دولة مشجعيها، وهم بدورهم لا يقصرون بالدعم أقله على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي.
وما بين كأس الامم الكروية والألعاب الأولمبية كانت هناك صراعات التنس في رولان غاروس الفرنسية وويمبلدون الانكليزية، وكله في غضون أسابيع الصيف، وكأن الرياضة أصبحت هي العنصر الاهم في حياة البشر، رغم الاحداث السياسية الملتهبة، ومآسي أهالي غزة المستمرة شهوراً طويلة، الا ان هذا لم يمنع من بروز كل هذه الاحداث الرياضية.
الرياضة لم تعد تصنف عنصراً مكملاً في حياة البشر اليوم، بل عنصر أساسي في حياة كل فرد، حتى أصبح الانتماء الكروي والرياضي هو ما يجمع الكثيرين من مختلف أصقاع الارض ومشاربها، أكثر من التقارب الديني او الثقافي أو الاجتماعي أو حتى العرقي، ولهذا نجد التركيز الكبير على الاحداث الرياضية، وكأن الجميع يسعد بكل مناسبة رياضية جديدة. لكن هذه النعمة على الجميع هي نقمة على الرياضيين الذي باتوا مطالبين بالمشاركة في الاحداث على مدار السنة، وكأنهم آلات مصنعة أو رجال آليون، وهنا حاولت روابط اتحادات اللاعبين ونقابات الرياضيين التدخل لوضع قوانين وحد للمسابقات الجديدة، فالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) استحدث مسابقة جديدة ستبدأ الصيف المقبل، وهي كأس العالم للأندية، وهي سنة تأتي ما بعد مسابقة كأس الأمم القارية وقبل بعام من كأس العالم، وكأنه يقول للاعبين: لن تنعمون براحة أبداً، خصوصا ان هذه المنافسات تكون في مطلع فصل الصيف ومباشرة بعد الانتهاء من المنافسات المحلية والقارية للأندية.
في كل سنة يزيد معدل اصابات اللاعبين في الملاعب، والبعض يضع السبب لسوء أرضية الملاعب وسوء الاحذية أو حتى لسوء الطالع، لكن كثيرين يعتقدون انه بسبب الارهاق وقلة الراحة التي يحتاجها الجسم للتعافي والاستعداد لمنافسات جديدة، لكن لن يتغير شيء، فالأندية رفعت عدد لاعبيها وزادت من أعداد أطقمها الطبية والمعالجة لتفي بالمسابقات والمنافسات التي تنتظرها، والاتحادات المنظمة لا تتوان عن زيادة المسابقات ما دامت هناك قنوات ومحطات مستعدة لتغطية النفقات وتحقيق الأرباح. وهذه الأرباح لا تأتي الا من جيوب المتابعين الذي هم أنفسهم يطالبون بتقليص هذه الأحداث رأفة بحياة الرياضيين، والذين هم بدورهم أصبحوا أيقونات حية وصوراً تعلق بوستراتهم على جدران غرف المراهقين، والأهم أن حساباتهم البنكية أتخمت الى درجة ان أمنية كل أب وأم اليوم أصبحت أن ترى أبنها، ليس دكتوراً أو مهندسا، بل رياضي ورياضي الى الأبد.