تونس – «القدس العربي»: لم يُخفِ رياض الشعيبي، المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، الصعوبات التي تعاني منها الحركة في ظل قيام السلطات بإغلاق مقراتها وملاحقة قياداتها، لكنه أكد -في المقابل- أن النهضة ما زالت الحزب الأول في البلاد، مشيراً إلى أنها ستتمكن من تجاوز هذه الأزمة والعودة بقوة إلى المشهد السياسي، كما فعلت خلال العقود الماضية.
وكانت “النهضة” أحيت قبل أيام الذكرى 43 لتأسيسها من قبل راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو واحميدة النيفر، حيث سُميت في البداية “الجماعة الإسلامية” ومن ثم “حركة الاتجاه الإسلامي”، قبل أن يقرر القائمون على الحركة اعتماد اسم “النهضة”.
وقال الشعيبي، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “رغم الظرف الاستثنائي الذي تمر به الحركة من إغلاق لمقراتها واعتقال لبعض قياداتها وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي، ورغم سياسة القمع والتضييق على حرية التعبير ومحاولة إشاعة الخوف بين الناشطين باستهدافهم بالاعتقال والمحاصرة، رغم كل ذلك فإن صفحات التواصل الاجتماعي التونسية عجت يوم 6 جوان/حزيران (ذكرى إعلان التأسيس) بهذا الحدث التاريخي، تهنئة واعتزازاً بهذا الانتماء وتعبيراً عن الصمود في وجه كل دعوات الإقصاء والشيطنة”.
وأضاف: “كانت الذكرى مناسبة عبرت فيها الحركة من جديد عن تمسكها بحقها السياسي والقانوني في النشاط، ودفاعها عن مشروعها الديمقراطي الأصيل الذي عبرت عنه طوال مسيرتها، وعن ضرورة إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، وإيقاف هذا التراجع الخطير عن المكاسب الديمقراطية في البلاد، ودعوتها لإعادة قراءة مسار الانتقال الديمقراطي بنجاحاته وإخفاقاته لاستخلاص الدروس وتجاوز حالة الانقسام السياسي الحاد الذي فسح المجال لانقلاب 25 جويلية/ تموز، ويستديم حالة الفراغ التي لا يستفيد منها غيره”.
وتابع الشعيبي بالقول: “لا شك بأن حركة النهضة اليوم تعاني كما تعاني أطراف أخرى في البلاد، من حالة الجزر السياسي وانكماش الحياة السياسية، وهذا يؤثر ليس فقط على حضورها السياسي ولكن أيضاً على الحياة الداخلية للحركة، خاصة في ظل معدل الأعمار المتقدمة نسبياً لمناضليها، وعزوف الشباب بصفة عامة عن العمل الحزبي”.
واستدرك بالقول: “لكن هذا الوضع لم يؤثر على التوازنات السياسية والانتخابية في البلاد، فمازالت الحركة، رغم صعوبة ما تواجهه من تحديات، الحزب الأول والممثل الأبرز للتيار المحافظ خاصة بعد تنوع قواعدها الانتخابية في ضوء تطور ممارستها السياسية ومرجعيتها الفكرية”.
وحول أسباب تأخر انعقاد المؤتمر الحادي عشر للحركة، قال الشعيبي: “كنا نأمل أن تتوفر الظروف المناسبة لانعقاد المؤتمر الحادي عشر للحركة، لكن بعد اعتقال رئيس الحركة ونوابه الثلاثة ورئيس مجلس الشورى والعديد من قياداتها، وبعد إغلاق كل مقرات الحركة والتضييق على أنشطتها، بعد كل هذه المعطيات الصعبة سيكون من الصعب في الوقت الراهن الاشتغال على هذا الاستحقاق الداخلي، خاصة أن الأولويات السياسية والانتخابية أكيدة في هذه المرحلة”.
وأضاف: “لكن عموماً، لا مفر من انعقاد هذا المؤتمر في أول فرصة تتوفر فيها شروط انعقاده، باعتباره استحقاقاً داخلياً، ولكن أيضاً وطنياً، وباعتبار أن رهانه هو التغيير القيادي والسياسي في نفس الوقت”.
الاستفادة من أخطاء الماضي
وأكد أنه “لا مبادرات مطروحة الآن لعودة المستقيلين من الحركة إليها، ولكن لا يمكن إلا أن نكون سعداء بعودتهم بغض الطرف عن حيثيات هذه العودة. وفي كل الأحوال، نحن لسنا في خصومة معهم، بل نعمل معهم جنباً إلى جنب، في جبهة الخلاص الوطني، على نفس الأرضية السياسية”.
ومن جهة أخرى، اعتبر الشعيبي أن حركة النهضة “استطاعت أن تحافظ على موقعها الريادي طوال تاريخها من خلال المهام التي كانت تطرحها على نفسها. ففي السبعينيات وأمام الهجمة التغريبية على ثوابت المجتمع التونسي، كان شعار الحركة هو إعادة الإسلام للحياة العامة وإحياء منظومة القيم الإسلامية، فلما جاءت الثمانينيات أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ودفعت مقابل ذلك أثماناً باهظة من بين عشرات الآلاف من أفضل كوادرها، منهم الشهداء والمعتقلون والمشردون والمنفيون، فلما أن جاءت الثورة تصدت الحركة للمساهمة في تأسيس النظام الديمقراطي الجديد وبناء منظومة تنموية حقيقية، ولم تتخل عن مسؤوليتها منذ انقلاب 25 جويلية، بأن أعلنت رفضها لهذا الانقلاب والمشاركة في التصدي له من أجل استعادة المسار الديمقراطي”.
وأضاف: “واليوم وهي تخاطب التونسيين، مطلوب منها أن تجدد عرضها السياسي الذي يجب أن يعبر عن متطلبات المرحلة الحالية ورؤيتها لمستقبل البلاد، كما أنه يجب أن ينطلق أيضاً من البناء على مراكمات الماضي والاستفادة من أخطائه. والعرض السياسي الذي نتحدث عنه هو خلاصة هذه القضايا التي نتمنى أن نجد المجال لمخاطبة التونسيين بها. فحركة النهضة تيار اجتماعي وسياسي إصلاحي، شعاره الآية الكريمة: إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت”.
وفسر الشعيبي قدرة الحركة على تجاوز أزماتها خلال حكمي بورقيبة وبن علي بـ”تمسكها بمبادئها والتزامها بالدفاع عما كانت ترى أنه حق. فحركة النهضة تؤصل سلوكها السياسي ضمن مرجعيتها القيمية، لذلك نحن لا ننحني ولا نتنازل إلا فيما نرى أنه حق. وفي كل المراحل التي مررنا بها، كان ثباتنا على مبادئنا أهم بالنسبة لنا من كل شيء، ولولا ذلك الثبات لما حافظت الحركة على مشروعها الذي آمنت به حتى اللحظة”. وأوضح بالقول: “لذلك، عندما حصل انقلاب 25 جويلية وصفناه منذ اللحظات الأولى بأنه انقلاب غير شرعي، وتحدينا خطاب السلطة الترهيبي وذهبنا للاحتجاج أمام البرلمان المغلق بدبابات عسكرية والمحاصر بآلاف العناصر الأمنية، ثم كنا عصب تيار المقاومة للانقلاب في مختلف تشكيلاته، وما زلنا نساهم ضمن مشهد سياسي متنام في المطالبة بعودة المسار الديمقراطي”. وأضاف: “هذه المسيرة النضالية الجديدة للحركة منذ ثلاث سنوات ستفتح أمامنا من جديد أبواب العودة بقوة للتأثير في المشهد السياسي، ولكن قبل ذلك، وأهم من ذلك، ستفتح لنا إن شاء الله، قلوب التونسيين الذين وثقوا بنا وبذلنا وسعنا لخدمتهم، فأصبنا وأخطأنا لا شك، ولكن كنا وإياهم كذلك ضحية مؤامرات داخلية وخارجية، لعلها اليوم قد تكشفت أمام عقولهم بكل وضوح.
اليمين الأوروبي يغازل الشعبوية التونسية
وفي تعليقه على اكتساح اليمين المتطرف لنتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية وأثره على تونس، قال الشعيبي: “المجتمعات الأوروبية تعيش تحولات كبيرة منذ التسعينيات، لذلك تصاعد تأثير الأحزاب اليمينية المتطرفة والقوى الشعبوية. وما تقدم حصيلتهم في الانتخابية الأوروبية إلا دليل على تصاعد هذه التحولات. وبالنظر لتراجع مسألة الحقوق والحريات عند هذه الجماعات وسياساتهم في معاداة المهاجرين، فالمتوقع أن نشهد تشريعات إضافية مناهضة للهجرة، ومعاملة أسوأ للمهاجرين، وخاصة في فرنسا”. وأضاف: “كما أن التوجهات الشعبوية لهذه القوى ستؤثر حتماً على السياسات الخارجية لدولها. فمثلما رأينا ميلوني تدافع على سلطة الانقلاب في تونس مقابل انخراط هذه السلطات في السياسات المناهضة للهجرة، ستلتحق بها فرنسا كذلك إذا فاز اليمين المتطرف بالانتخابات التشريعية أو حتى زاد من رصيده الانتخابي”. وتابعه الشعيبي: “وبالمقابل، رأينا السلطات التونسية مثلاً مستعدة للتجاوب مع هذه السياسات الشعبوية، بل وتحاول التأثير لصالح قوى اليمين المتطرف في الانتخابات بالمساعدة على خلق انطباع مصطنع على نجاح سياساتها، كما جاء في جلسة استماع لوزير الداخلية التونسي المقال في البرلمان، بحسب تقرير نشرته إحدى الصحف التونسية”. واعتبر أن ذلك “دليل واضح على أن تناغم الاستبداد في تونس مع اليمين الأوروبي المتطرف في أكثر من بلد، لا يهدد فقط إمكانية عودة الحياة الديمقراطية في تونس، ولكن أيضاً تنامي القوى الفاشية داخل المجتمعات الأوروبية”.
وأوضح بقوله: “وربما ما يبرر هذا التناغم أن قيس سعيد يراهن على هذا الدعم من اليمين الشعبوي الأوروبي في الانتخابات القادمة، باعتبار هذه القوى الشعبوية لا تهتم لقضايا الحريات وحقوق الإنسان، التي تمعن السلطات التونسية في انتهاكها”.