حافظت الفنانة التشكيلية نسيمة المنتصر في ‘ريبيرتوارها’ الإبداعي المتسم بالتناغم مع ما تشهده هموم الإنسانية وقضاياها من تعقيدات، وما يتبدى من تباين في التعاطي مع القيم والسلوكات.
وما يتفاعل ضمن حركية وتيرة اليومي من صدامات وعنف وهوس وانشغالات، حافظت بالرغم من هكذا تقلبات مزاجية على البعد التماثلي لأعمالها الفنية وانسجامه وتناغمه مع تحولات الطبيعة، مجسدة معالمها في تشكيل الألوان والصور والأفكار، لتعكس الهدوء التلقائي في أسمى تجلياته، هدوء قد يسبق العاصفة لينقلب تارة إلى فورة غضب، ويتحول أحيانا إلى بقعة ضوء في نفق مظلم تطارد الحمولات الوجدانية، والقلق الوجودي الذي يأسر الرغبات، ويحبط الآمال التي قد تجد لها ركنا آمنا تقبع فيه إلى حين تصريفها عن طريق اللاوعي ،تكامل وتناغم عفوي مع التحولات الطبيعية، تذكيه وهي تحاول إغناء تجربتها الإبداعية ، تستلهم بنات أفكارها من محيطها، وتداعب الألوان لتمزج المتناقض فيها بالسهل الممتنع، وتخترق البياض بعد آلام مخاض إبداعي عسير، تنتهي أطواره بالإفراج عن أفكار ‘ومشاريع هموم’ ظلت قيد الاعتقال الوجداني، إلى أن تأتى لها الانزياح عبر صور وتمثلات تمتزج فيها الألوان بموضوعات شائكة في راهنيتها، وقابلة للتشخيص في تفاعلاتها.
تجليات وتمظهرات العنف اللفظي والجسدي والفكري ضد المرأة تظل إحدى التيمات البارزة في أعمال نسيمة المنتصر، وتراهن على رفع سقف تعاطي المبدعين في شتى المجالات والأجناس الإبداعية مع قضايا المرأة وهمومها مقتنعة أن الإبداع النسائي يشهد نقلة نوعية على مستوى الموضوعات والأفكار والتصورات، موضحة أن المحصلة النهائية تتويج لمهارات المرأة العربية وكفاءاتها الإبداعية.
ما أسمته ‘بالقلق الوجودي’ غالبا ما يشكل برأيها الدافع الأبرز لتواجدها بالمرسم ،حيث تجد ضالتها في مناولة الريشة والأصباغ، مجسدة بعضا مما يمور به الواقع من تناقضات ومواقف، وما تزخر به الطبيعة من جمالية وتعاقب للفصول وفق تفاعل عضوي للبشرية ينتهي مسارها بشيخوخة وخريف العمرالذي ينذر بالرحيل .
السمات البارزة لأعمال التشكيلية نسيمة المنتصر خلال السنوات الأخيرة، تقارب النزوع نحو تحطيم المقاييس وإلغاء الأبعاد الهندسية مشحونة بتراكم الألوان والخطوط المتداخلة والعنيفة في صراعها ،حيث الأشكال تبدو اندفاعا نحو الانفلات والانفجار والتشتت، وحيث اللون صارخ قوي، إنها جمالية العنف في حركيته وتكويناته.
ويشكل جانب آخر من أعمالها المعروضة صنفا قائما على التشكيل بمواد متجانسة كالثوب والخيوط والزجاج إلى جانب الخشب، مع اعتماد أصباغ شفافة تتنفس وتتفتح، أعمال لها صبغة بنائية، أشكال تنتصر للتقويس والتربيع والاستطالة لأشياء كنوافذ موصدة، كأبواب مترعة، كجدران مستسلمة للقدر، في تجانس الكتل وتفاعل الأشكال، تركيبات زخرفية، رموز وكتابات تظهر وتختفي كذاكرة تروي تفاصيل أضحت في ذمة التاريخ …كرؤى تستشرف آفاق المستقبل ….
*كاتب وإعلامي من المغرب