بيروت – «القدس العربي» : بمناسبة مرور 15 عاما على تأسيس آفاق – الصندوق العربي للثقافة والفنون، تشهد بيروت بعد غدٍ السبت حفلاً موسيقياً كبيراً يقام في ميدان سباق الخيل.
سيكون الجمهور على موعد مع موسيقى الشباب العربي، الذين وصفهم بيان لآفاق بالقول: جمعنا أكثر الفنانين ابتكاراً، ممّن ارتقوا ليمثلوا مشاهدهم الموسيقية ويقودوها. عندما نقول غير مسبوق فنحن نعني ذلك حرفياً، إذ لم يسبق أن حاول أحدٌ إعداد تشكيلة فنية على هذه الشاكلة».
وفي برنامج حفل «ميدان» من تونس تستضيف آفاق «كاتيب» الفنان المفعم بالطاقة، الغامض والمتفجّر، الذي بالكاد تستطيع باراته الموسيقية وفيديوهاته احتواء طاقته. «كاتيب» بليغ تقنياً من دون أن يضحّي بالبعد الفنّي لأعماله. يستمر بإعادة ابتكار نفسه، وبإلهام الناشئين في تونس والعالم العربي.
وجاء في البيان: من مصر، القلب النابض والمعتل للعالم العربي، نأتي بعرضين يمثلان المستوى والشعبية اللذين يمكن للموسيقى المبتكرة في العالم العربي تحقيقهما. فنان مثل «ويجز» دليلٌ على أن الموسيقى يمكن أن تكون جماهيرية وعالية المستوى في آن.
الضيف الآخر من مصر هو الثنائي «الوايلي ودنيا وائل». صعد «الوايلي» على حين غرّة، راكَمَ في رصيده سلسلة من الإصدارات القوية التي تؤكد أنه هنا ليبقى. يقدّم تعاون «الوايلي» مع «دنيا وائل» رؤيةً جديدة للمهرجانات. يركب صوت «دنيا» فوق أصوات «الوايلي» الإلكترونية، وبصورة أوسع، البوب العربي.
«دافن شي» هو ضيف آخر. جاء في البيان: فاتحٌ بزغ من حيث لا نعلم ليربك خوارزميات البث على كل المنصات في العالم العربي. لمست كلماته الرشيقة والعميقة، مع الإنتاج المتقن والمصقول من صانع بيتاته، خيّاط، شيئاً لا يستطيع الشباب العربي مقاومته. يستعيد الفنان السوداني المقيم في السعودية تقليداً شعرياً عتيقاً وينعشه فوق بيتات تراب جذّابة. لم يؤدّ «دافن شي» عروضاً حية حتى الآن عرضه الأول سيكون في حفل «ميدان».
هذا ويكتمل البرنامج مع الموهبة اللبنانية «الراس»، عرّاب المشهد البيروتي. ما زال «الراس» يستثير النقاش ويطرح أسئلة صعبة وإجابات دقيقة. كان تأثيره على شوارع بيروت ملموساً بوضوح أثناء ثورة أكتوبر 2019، التي لم يقدم لها الموسيقى التصويرية فحسب، بل شكّل حركتها. كتب الناس بالغرافيتي سطوره على جدران بيروت، وحولوا كلماته مصدر إلهام.
هنا حوار بهذه المناسبة مع المديرة التنفيذية لآفاق ريما المسمار:
□ تشددون في بيانكم بمناسبة الاحتفال بـ15 سنة على التأسيس بأنكم حيال حفل غير مسبوق في المشهد الفني العربي. لماذا؟
ـ لأن حفلاً واحداً يجمع كافة تلك الأسماء لم يحدث بعد. إنه حفل يجمع فناني راب وهيب هوب من منطقتنا العربية، بمناسبة الذكرى الـ15 للتأسيس. لقد اتاحت لنا هذه المناسبة مسافة النظر من بعيد لما قمنا به في السنوات الماضية، والسؤال عن أماكن الإخفاقات والنجاحات. والبحث في كيفية متابعة الطريق في ظل التحولات التي يشهدها القطاع الفني والثقافي بشكل خاص، وبلادنا ومجتمعاتنا بشكل عام. ومن هنا كان التوجه لاختيار فناني الراب والهيب هوب لإحياء الحفل. فهذان النوعان من الموسيقى صعدا بقوة خلال الـ15 سنة الماضية، ولهما قدرة جمع جمهور واسع. فهما باتا كنوع فني على تماس مع الواقع المعيشي، ويشكلان مساحة للاحتجاج والنقد. اهتمامنا كآفاق بدعم الإنتاج الفني والثقافي ينطلق من إيماننا بقدرة هذا الإنتاج على المساهمة بفتح مساحات للنقاش والحوار، وبخلق اسئلة نقدية. من جهة أخرى يأتي اختيارنا لهذا النوع من الموسيقى لإحياء حفلنا، بهدف الإضاءة على نوع فني ندعمه من خلال برامجنا. مع العلم أن الاحتفال في العام 2017 بمناسبة السنة العاشرة للتأسيس، تمّ من خلال معرض صور فوتوغرافية وأعمال فنية بصرية. «ميدان» هو عنوان حفل السنة 15 للتأسيس، وهي مناسبة بالتأكيد، إنما لها جذور من خلال المنح التي تقدّمها آفاق على المستوى الموسيقى، وورش التدريب وبناء القدرات. وحفل ميدان يتيح التفاعل مع شريحة أكبر من الجمهور.
□ ضيوفكم فنانو راب وهيب هوب. لماذا ابتعدتم عن الفن الكلاسيكي؟
■ سنوياً يخصص برنامجنا منحاً للموسيقى بكافة انواعها بما في ذلك الموسيقى الكلاسيكية. وبالتالي فهي موجودة وبشكل اساسي على الساحة. وهذا الدعم يأتي من ضمن تنوع المشهد الفني ما بين كلاسيك و»هيب هوب» وراب والكترونيك وتجريبي. وتاليا هو دعم ينطلق من منظار الوصول إلى مشهد فني حيوي وغني ومتفاعل فيما بينه. الإنتاج الموسيقي الكلاسيكي هو جزء أساسي من المشهد الثقافي العربي، وهو من ضمن المشاريع التي ندعمها. لكل مناسبة أن تتخذ شكلها، ولهذا الحدث «ميدان» اخترنا موسيقى الراب والهيب هوب للأسباب التي ذكرتها.
□ آفاق موجودة في كافة العواصم العربية لماذا اخترتم بيروت مكاناً لاحتفالكم؟
■ بعد الإغلاق الناتج عن كوفيد19، وما يشهده لبنان منذ سنوات رغبنا بأن يكون الحفل في بيروت مما يساهم ببث الفرح في مدينة منهارة اقتصادياً. ومن الأسباب الأخرى التي حتّمت الاختيار، أننا حين بدأنا التحضير للحفل كانت بعض اجراءات كوفيد لا تزال سارية المفعول. ونحن هنا نعرف كافة التفاصيل اللوجستية المطلوبة والقوانين المرعية الإجراء، ولم نكن بوارد مخاطرات غير محسوبة. ولاحقاً بدأت القيود كوفيد تتفكك بالتدريج. مع العلم أن احتفالاتنا السنوية يمكن أن تتم في كافة البلدان العربية، وفي كل مرّة تضيء على نوع فني محدد.
□ المساحة العامة والمفتوحة ميدان سباق الخيل حيث سيقام حفل «ميدان» هل سيكون اختبارا لمدى حاجة الشباب إلى المساحات المماثلة؟
■ هو ليس اختباراً بقدر ما هو تأكيد على أهمية المساحات العامة المفتوحة. الحيز العام أساسي والحاجة إليه كبيرة حيث معظم المدن العربية تفتقده. هذا الحدث يشكل دليلاً على اهمية تلك المساحات التي تتيح للناس الاختلاط والتداول في مسائل مختلفة.
• لنتحدّث عن تجربة الـ 15 سنة الماضية ودوركم في دعم الفنانين الشباب وهل كانت حرية التعبير متاحة لهم في كافة الساحات العربية؟
■ منذ تأسست آفاق دأبت على عدم المساومة نهائياً على حرية الفنانات والفنانين، والكاتبات والكتّاب، والباحثين والباحثات. وحقّهم جميعهم في الحصول على فرصة تقديم وانتاج اعمالهم بالصورة التي يرونها مناسبة. آفاق مساحة تتيح لأهل الفن أن يجرّبوا ويختبروا اعمالهم كما يرونها. وبالتالي المشاريع والمقاربات الفنية التي ندعمها نركز على أن تكون سبّاقة ومتجددة، وتعالج مسائل ملحة. ولا نتدخل في أي عمل ينال منحة. ندعم رؤية صاحب أو صاحبة العمل لفرادة رؤيته، ونوعية الأسئلة التي يطرحها.
□ أوليتم اهتماماً للمشروع الأول من مسرح، اصدار كتاب، اصدار عمل غنائي أو فيلم. هل فعلاً اخذتم بيد البعض وحققوا النجاح؟
■ توضيحاً منح آفاق متاحة للمتقدمات والمتقدمين من كافة الأعمار، وليست مختصرة على عمل أول أو عمل ثاني. مع ذلك بين 40 و45 بالمئة من الذين حصلوا على المنح والدعم كانوا بصدد مشروعهم الأول أو الثاني. هذا يسعدنا بالطبع، لكنه لا يلغي أهمية دعم من هم متحققين. فقد يكون أحدهم متحققاً تماماً ويواجه صعوبات في انتاج عمل جديد. الالتفات إلى أصوات جديدة أمر يفرض نفسه، فنحن في منطقة عربية معدّل الأعمار فيها شاب.
□ تجربة الـ15 سنة الماضية كيف سيُبنى عليها للمستقبل. هل من استراتيجية واضحة؟
■ عادة نضع خطة على مدى أربع أو خمس سنوات. الخطة التي كانت تُنفّذ في السنوات الخمس الماضية وضعت سنة 2017، ومن خلال دراسة تقييمية قام بها مستشار مستقل وارتكزت على مقابلات ونقاشات حصلت مع مؤسسات وأفراد حصلوا على منح، كما مع آخرين لم يحصلوا على دعم من آفاق. وفي السنوات الخمس المقبلة نعمل للبناء على المعرفة والتجربة والخبرة التي حصّلناها خلال الـ15 سنة الماضية. إضافة إلى الشراكات التي بنيناها في القطاع، بهدف الصلة الدائمة بواقع الإنتاج الثقافي والفني في المنطقة. وأي برامج تقدّمها آفاق حتماً ستكون بسبب الحاجة لها وليس لأي سبب آخر. في المرحلة المقبلة نعمل لدعم المشاريع الفنية بعد أن يتم انتاجها. أي أن ندعم البنية التحتية للعمل الفني كي يصل إلى أكبر شريحة من الجمهور. كذلك يمكن الحديث عن توسيع رقعة المشاركة. ليس فقط من قبل الجمهور، بل المشاركة في الإنتاج الفني والثقافي لفنانين ومجتمعات مهمّشة. ومنها بلدان بكاملها ليس لها فرص متساوية مع آخرين بالوصول إلى الدعم أو المنح. وسنركز على فنانين من خارج المركز، وتطوير طرق وعمل الفنانين في تلك الاماكن. كذلك نحن بصدد التركيز على الشراكات والتحالفات في الوسط الفني والثقافي وحتى خارجه، مع كيانات لها صلة بالتكنولوجيا والعلوم الاجتماعية.