كان ـ «القدس العربي»: يعود المخرج الروماني كرستيان مونجيو إلى مهرجان كان (17 إلى 28 مايو/أيار الجاري) بفيلمه «ر. م. ن» الذي تدور أحداثه في قرية صغيرة تحيطها الجبال في ترانسلفانيا، تبدو لنا هادئة وادعة، لكن قدوم عدد من الغرباء يكشف ما تحمله من تحاملات وكراهية.
مونجيو ليس غريبا على كان، فقد سبق له أن فاز بالسعفة الذهبية، أرفع جوائز المهرجان، عام 2007 عن فيلمه «4 أشهر 3 أسابيع، ويومان» وعودته المرتقبة إلى كان تأتي بفيلم يثير عنوانه العديد من التساؤلات، فماذا تعني حروف «ر. م. ن.» التي تعنون الفيلم؟ هل تعني رومانيا بعد أن جُرد اسمها من جميع الحروف المتحركة؟ وإن كان الأمر كذلك فما معني ذهاب تلك الحروف؟ هل تعني مثلا أن رومانيا قد جُردت من كل ما يمنحها المرونة ليصبح اسمها قاسيا جافا كتلك الحروف الثابتة؟
يبدأ الفيلم في ألمانيا، حيث يترك الروماني ماتياي (مارين غريغوار) عمله في مزرعة ومسلخ بعد اعتدائه بالضرب على أحد العمال الألمان بعد أن نعته بالـ«الغجري الكسول». إثر ذلك يعود ماتياس إلى قريته في ترانسلفانيا، هربا من الشرطة الألمانية التي تلاحقه. إنه وقت عيد الميلاد، حيث يكسو الجليد تلك القرية التي تبدو وادعة مرحبة، ويعود ماتياس إلى بيته، حيث زوجته وطفله، رودي. رودي، ذو الستة أعوام، توقف عن الحديث إثر صدمة نفسية لأنه رأي ما أخافه في الغابة. إنها قرية لا نعرف لها اسما، قد تمثل أي قرية رومانية، يشترك في العيش فيها رومانيون ومجر وألمان، وغادرها الكثير من رجالها ونسائها بحثا عن فرص عمل أفضل ومال أوفر في دول أوروبية أخرى.
يعود ماتياس في حاجة إلى عمل، بعد أن فقد عمله في ألمانيا، ليجد أن الكثير من الأعمال قد اغلقت أبوابها للافتقار إلى العمالة، حيث سافر الكثيرون للعمل في بلاد أخرى. يصبح ماتياس عيناً على ما يدور في القرية، فبعده الطويل عنها وبحثه عن عمل يجعله ضيفا على الكثير من البيوت ومستمعا إلى الكثير من الأحاديث، وعبر هذه الأحاديث نعرف الحال الاقتصادية المتردية للبلدة وسكانها. ونظرا للاحتياج إلى العمالة، وللحصول على منح مادية من الاتحاد الأوروبي، تجد الجميلة الشابة شيسيلا (يوديث ستاتي) وهي مديرة مصنع للمخبوزات، والصديقة السابقة لماتياس، نفسها مضطرة لاستقدام عمال من اللاجئين والمهاجرين من دول أخرى، مثل سريلانكا. هم حفنة معدودة من المهاجرين من سريلانكا، لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة، لكن قدومهم يظهر كل التحامل والعداوة وكراهية الآخر والعنصرية في البلدة التي تبدو مرحبة مسالمة. ويثير عمل العمال السريلانكيين في مصنع المخبوزات حفيظة الكثيرين، فهم لا يعملون فقط في المكان الوحيد الذي قد يوفر فرصة عمل لأهل القرية، بل إنهم يعملون في المكان الذي يمد موائد القرية بأسرها بالخبز. تتصاعد الاحتجاجات، فكيف لأهل القرية أن يثقوا بنظافة خبزهم بعد أن طالته أيادي هؤلاء الغرباء.
تتخذ عنصرية أهل القرية تجاه هؤلاء العمال المهاجرين مظهر التقزز من هؤلاء الأغراب سمر البشرة، فهم كما يقول أهل البلدة لبعضهم بعضا، يحملون الأوبئة والأمراض، ولا يهتمون بنظافتهم الشخصية.
تتخذ عنصرية أهل القرية تجاه هؤلاء العمال المهاجرين مظهر التقزز من هؤلاء الأغراب سمر البشرة، فهم كما يقول أهل البلدة لبعضهم بعضا، يحملون الأوبئة والأمراض، ولا يهتمون بنظافتهم الشخصية. وفي تجمع في كنيسة القرية يعرب السكان عن قلقهم من أن هؤلاء الغرباء ما إن دخلوا مكانا حتى استولوا عليه وغيروا معالمه وصبغوه بصبغتهم. يقولون لبعضهم بعضا إن هذه الحفنة من الغرباء ستفتح الباب لقدوم المزيد والمزيد منهم، فهم دوما يجلبون بعضهم بعضا. يقول السكان في الكنيسة إن هؤلاء الأجانب فور تزايد أعدادهم، سيغيرون الصبغة الدينية للقرية، وسينشرون عقائدهم.
يمكن لهذه القرية الصغيرة أن تكون صورة مصغرة لأوروبا بأسرها، أوروبا التي تحتاج إلى ذلك الوافد الأجنبي الذي يقبل بأجر زهيد لا يقبل به المواطن، والتي تحقق النجاح والازدهار بفضل العامل الوافد، لكنها في الوقت نفسه تجد في هؤلاء الغرباء تهديدا لثقافتها وأسلوبها في العيش. لا يقتصر الأمر على تصوير الاحتجاج على وجود العمالة الأجنبية، لكن مونجيو ينظر بنظرة استشرافية للمستقبل، يوجهنا إلى ما قد يؤول إليه الحال إذا ما استمر سكان القرية في رفض الأجانب. يتلقى العمال السريلانكيون تهديدات بالقتل، وتوجد مطالبات داخل القرية بقتلهم، دون إي جريرة ارتكبوها. هذا ما ينذرنا به مونجيو في فيلمه: عداء ودم وقتال.
في الصورة الأولى أعلاه ، منظر الرجل في الغابة وهو يصوب ببندقيته ليصطاد طيرا من الطيور ، وعلى مرأى من صبي لم يتجاوز ربيعه العاشر (أو ما يقرب منه) ، هذا المنظر هو في حد ذاته منظر وحشي وحوشي ولاإنساني ولاأخلاقي بكل معاني هذه الكلمات !!؟