القاهرة ـ «القدس العربي»: في صحف أمس الاثنين 10 يناير/كانون الثاني كانت المعارك حاضرة بقوة ضد حفنة من رجال الأعمال، في صدارتهم إمبراطور الفضائيات العدو اللدود لثورة الخامس والعشرين من يناير، المحبوس على ذمة التحقيقات في قضية الاتجار بالبشر، واستغلال فتيات جنسيا.. وعلى الرغم من النشاط المكثف في مؤتمر شرم الشيخ الذي تشارك فيه وفود من معظم بلدان العالم إلا أنه على مدار الساعات الماضية، نشب العديد من الأحداث الساخنة، ومن أبرزها حالة من الاحتراب، تسبب فيها رجل الأعمال نجيب ساويرس الخارج لتوه من حالة احتراب مع السلطة، ما زالت أصداؤها ماثلة في الأذهان، إثر اتهامه للجيش بأنه يستأثر بالنشاط الاقتصادي للبلاد.
المواجهة الجديدة سببها كلمة نجيب في حفل توزيع جوائز ساويرس الثقافية، حيث قال إن والدته كانت تصطحبه إلى حي الزبالين، وتوصيهم بالفقراء في مصر. وردا على وصف الزبالين قال الكاتب يوسف زيدان: ليس من عادتي التوقف على سفاسف الأمور ومحقرات الأخبار، مثل كلامه هذا المنشور والمنتشر منذ أمس بشكل كبير، وأثار في نفسي التقزز معتبرا أنه حديث يستوجب الرد.. ووجه الأديب الحاصل على جائزة البوكر، لساويرس إنذارا قائلا: احفظ لسانك مستقبلا، وتأدب في لفظك ولا تخض بجارح المفردات، في ما ليس لك به علم. وتحدث زيدان عن الأدباء وقيمتهم في المجتمع، وكيف أنهم ثروة حقيقية ومنارة له: من هنا نعرف الجاحظ وشكسبير وابن سينا ودانتي والمتنبي وبورخيس والأصفهاني وغيرهم.. ولا نعرف الأثرياء الذين عاصروهم ثم انطمروا فور وفاتهم. ولفت زيدان إلى أن كثيرا من الأدباء المصريين كانوا أكثر ثراء من نجيب ساويرس، وأغنى منه في الحقيقة، على حد رأيه، لأنهم لم يتهالكوا على جمع الأموال وزيادتها وكانت ثرواتهم أنفس من النقود والحسابات البنكية. وخاطب زيدان ساويرس قائلا: إنه يشهد بحق أن يحيى حقي، كان أغنى منك بكثير، وكذلك كان نجيب محفوظ، وطه حسين وغيرهم من الأدباء المصريين، الذين عاشوا قانعين واستغنوا بما في أيديهم فلم يسعوا وراء هوس زيادته.
ومن أبرز أخبار أمس وفاة وائل الإبراشي الإعلامي الشهير عن 58 عامأ بعد معاناة مع المرض. غاب الإعلامي وائل الإبراشي عن الساحة الإعلامية، منذ عام، بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد، وظل تحت ملاحظة الأطباء. وأصيب الإبراشي نهاية العام المنصرم بفيروس كورونا، لكن مضاعفات الإصابة بالفيروس استمرت معه منذ ذلك الوقت حتى الآن، وأبعدته عن الشاشة، ثم عاد لاستكمال علاجه في المنزل في مارس/آذار الماضي بعد استقرار حالته في المستشفى عقب 3 أشهر من العلاج، ومن وقتها وهو يواصل علاجه.
زي أحفادي
اهتمت “المشهد” بنشر مقتطفات من أقوال امبراطور الفضائيات السابق محمد أمين أمام النيابة، في واقعة اتهامه بالاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي لفتيات قال الأمين: “طول عمري براعي ربنا سبحانه وتعالى في بنات ملجأ الأيتام، عمري في حياتي ما أخطأت، وعمري ما عملت شي غلط، الكبار منهم اعتبرتهم زي أولادي والصغيرين زي أحفادي تماما. دخلتهم بيتي، وقعدتهم مع مراتي وأولادي.. آويتهم وعيشتهم عيشة زي بناتي تماما، ويعلم الله العلي العظيم، أنني راعيت ربنا في كل كبيرة وصغيرة فيهم، ولم أخطئ نهائيا وأردت أن أختتم حياتي بهذا الملجأ ألاقي به وجه ربي”. وحين سئل عن إحدى الشاكيات ضده قال: “أولا علشان أقبل البنت دي عملت لها الفحوصات الطبية كافة، جزء من هذه التقارير يقول إن هذه البنت مريضة بأمراض جنسية، وكل الأشعات والفحوصات التي تؤكد ذلك موجودة، وبالتالي لم أقبل أن تعيش مع البنات، وقلت آخد ليها شقة بعيدة تماما تقعد هي وبنتها وحدهما، واللي بيقول إني كنت باعشقها أنا عندي بنت هي أكبر منها بـ 3 سنين، وكان عندها 14 سنة.. أنا رجل أعيش في مجتمع مفتوح، هل هذا منطق؟ انا بس باشرح لحضرتك الفساد وصل لغاية فين؟”.
على مضض
أضاف رجل الاعمال محمد الأمين، الذي بات حديث الساعة حين سئل عن شاكيتين أخريين أمام رئيس النيابة وفقا لـ”المشهد”: “يا افندم كل البنات اللي عندي بادئة معايا بقالها سنتين ونص، كلهم أطفال صغيرين، أكبرهم بنت اسمها ملك خالد كان عمرها 13 سنة. البنتين دول اللي همه زاحوهم عليا من العجوزة، اتصلت بي موظفة من وزارة التضامن الاجتماعي اسمها عبير، وقالت لي عندي بنتين من العجوزة محبوسين بقالهم سنة وهمه على وش جواز وخايفة يقعوا في أيد حد مش كويس، قلت لها أحنا ما بناخدش السن ده، رجع كلمني المسؤول اللي تعمل تحت رئاسته واسمه محمود شعبان، اللي ماسك الأسرة والطفولة في وزارة التضامن، قاللي من فضلك معالي الوزيرة بتقولك خدهم جربهم، وأي خلل منهم رجعهم، قلت له أنا أصلا ماعنديش مكان، طلبتني معالي الوزيرة أقسم بالله ساعة ونص تترجى فيّ وشكرت في أخلاقهم بطريقة لا تخطر على بال، قلت لها طيب ممكن ييجوا ناخدهم الساحل نفسحهم وهنرجع إن شاء الله 15/7، كان الكلام ده تقريبا بتاريخ 7/7 قالت لي طيب خدهم الأسبوع ده قعدهم معاك، راحوا الساحل قعدوا في فيللا مفصولة كاملا، معاهم 6 مشرفات مقيمات إقامة دائمة، الفيللا مقسمة إلى 5 غرف 3 منها بالدور الأول و2 بالأرضي، كل مجموعة بنات معاهم مشرفة تقيم معاهم بالأوضة نفسها المقيمات فيها، ما بيتحركوش خطوة إلا بوجود المشرفة، والمشرفات موجودات إلى الآن ومعلوم أماكن إقامتهن رغم إغلاق الدار، فعلا جات البنات قعدت الأسبوع.. اتفسحوا، استلمناهم بإشعار يطلب إلحاق البنتين بالدار فقط، رغم أن القوانين تنص على عدم قبول البنات إلا بفحص طبي كامل بعد ما رجعنا بني سويف قلت لهم في وزارة التضامن يا جماعة ابعتوا لنا التقارير الطبية للبنتين علشان نكمل الملفات، ادعوا أنهم لا يملكون تقارير طبية لهن، طلبت من المسؤول عن المؤسسة عمل فحوصات كاملة وإحضار ملفات طبية، كانت بنت منهم اسمها نعمة مثيرة للمشاكل. البنت التانية كانت مريضة وتعاني من إغماء مستمر.
ماذا دار في خلدهما؟
بدأت جيهان أبو زيد كلامها بسؤال صادم في “الشروق”: ما الذي كان يدور في رأس قاتلي بسنت وهم يلفقون صورا فاضحة، بصبر واحتراف لابتزاز ابنة قريتهم الطفلة، التي لم تتعد السابعة عشرة، والتي خلقها حظها العاثر فتاة في مجتمع لم يتعلم أبدا أن الإناث بشر؟ الطفلة المصرية التي قتلت غدرا بيد شابين ومجتمع كامل يرى في النساء دمية وجسدا، مجتمع يعلم مسبقا أن التعدي على النساء مبرر، بل مقدر في سجل الذكورية الفجة التي تحتفل بفحولتها بقتل النساء وذبح كرامتهن إنسانيا ومجتمعيا. قتلت بسنت بدم بارد وببطء مخيف انتقاما من أنوثتها، التي خولت لشابين تدمير أمنها واختلاق فضيحة لها، في مجتمع لا يرى في الإناث إلا عارا جاهزا للانفجار، مجتمع يصدق مسبقا أي فضحية تطال أي أنثى، لأنه تعَلّم أن الأنثى عار وأنها عضو معوج سيجلب الفضيحة في لحظة ما من حياته، تلك التنشئة التي استوعبها كلاهما جيدا جعلت الأمر سهلا ومُجازا، ثقتهم في تصديق المجتمع لم تكن موضع شك، ولم يخذلهم المجتمع المحيط، بل ربما لم تخذلهم حتى عائلة بسنت نفسها، الجميع رضع من القيم المسمومة نفسها، والثقافة نفسها العارية من العدل والرحمة، الثقافة التي لم ترق فيها الإناث إلى رتبة إنسان بعد.
قانون يرحم القتلة
واصلت جيهان أبو زيد سرد فصول المأساة، ينتظر قتلة بسنت نصا قانونيا عطوفا يبلغ أميالا عن «الردع» ليكون دم الطفلة مقابلا لخمسين ألف جنيه مصري، فوفقا لنص المادة 18 من قانون العقوبات المصري فإن التهديد بفضح شخص عن طريق تنفيذ جريمة الاعتداء على أي من المواقع، أو اختراق البريد الإلكتروني تترتب عليه عقوبات بالسجن لمدة لا تقل عن شهر واحد، أو يعاقب فاعله بدفع غرامة مالية لا تقل عن 50 ألف جنيه مصري، ولا تزيد على 100 ألف جنيه مصري. كما أن المادة 309 مكرر من قانون العقوبات، تعاقب المبتز بالحبس مدة لا تقل عن عام في حالة التقاطه لصورة أو نشرها، دون موافقة صاحبها.. قتلت بسنت بنص آمن لا يدين الذكور المعتدين بل يصنع منهم أبطالا في بعض الأحيان، القوانين ذاتها تُعظم الجرائم ضد النساء، ولننظر إلى مصطلح «قتل الشرف»، مصطلح واحد يبيح القتل ويدعو له ويضع تاجا على رأس مرتكبيه، مصطلح مصنوع بمقاس الذكور، مفصل عليهم تفصيلا دقيقا، ولا يعمل أبدا إذا استخدمته النساء، فشرف الأنثى لا يهان وفق تلك المنظومة العقلية إذا شاهدت خيانة زوجها بأم عينيها، فإن قتلته فهي قاتلة وليست مدافعة عن شرفها وليس عليها أن تتطلع أبدا لتاج التكريم الذي يضعونه على رأس الرجال. ثقافة تجذر يوما بعد يوم، دونية الإناث وتعزز لبناء ذكورية مريضة تخرج الرجال من البناء الإنساني ذاته، تصنع منهم عقولا مختلة مهووسة بالجسد، وحتى قبل فهم ما هو الجسد وما هي الرغبة. قبل أسابيع من انتهاء العام المنصرم طالعتنا الصحف بحادثة مفجعة لقتل طفلة لم تكمل عامها الثالث، بعدما خطفت على يد ابني عمومتها، الأكبر فيهما كان بعمر الثانية عشرة والأصغر في الثامنة من عمره. كلا الطفلين ظنا أنهما سيلتقطان الرجولة بغزو جسد الطفلة الأنثى، من الذي زرع تلك الأفكار المريضة في عقل الطفلين؟ من الذي انتهك إنسانيتهما وهدرها بتحويلهما إلى كائنات أدنى من الحيوانية؟
لص وجلاد
لا يريد محمد سعد عبد الحفيظ أن ينسى كما أشار في “الشروق” السيدة آية يوسف، التي تعمل مدرسة لغة عربية «متطوعة» في إحدى مدارس محافظة الدقهلية، وهي متزوجة وأم لثلاثة أطفال، وهي أيضا صاحبة مقطع الفيديو الشهير الذي أثار عاصفة من الجدل خلال الأيام الماضية، على مواقع التواصل الاجتماعي. مارست هذه السيدة حقها في التنزه، وذهبت إلى رحلة نيلية برفقة أصدقائها المعلمين والمعلمات خارج أوقات العمل الرسمية، وخلال الرحلة قامت بما يقوم به العديد من المصريين عندما يبتعدون عن ضغوط العمل والمنزل، فرقصت في الهواء الطلق وأمام جمع من الناس وليس في غرفة مغلقة، مرتدية الملابس التي اعتادتها ولم ترتد «بدلة رقص ولا قميص نوم»، واعتقدت أنها حرة، وأن من حقها أن تمارس تلك الحرية طالما لم تضر أحدا، أو تعتدي على حقوق أحد ولم تخالف القانون. و«اللص» هو ذلك الشخص الذي تتبعها واقتنص بكاميرا هاتفه المحمول ذلك المقطع، ونشره دون إذنها على مواقع التواصل الاجتماعي، مرتكبا جريمة يعاقب عليها القانون، فتسبب في إيذاء تلك المعلمة التي قررت مديرية التربية والتعليم في الدقهلية فصلها من عملها، وقرر زوجها الانفصال عنها هربا من «الفضائح» ونظرات الاستهجان التي لاحقته وسط معارفه. أما الجلاد، فهو ليس واحدا، بل هم شريحة معتبرة في هذا المجتمع، نصبوا من أنفسهم حراسا للفضيلة وأمناء على الدين وحماة للشرف وأوصياء على عادات المجتمع وتقاليده، وإذا كان اللص الذي اقتنص مقطع فيديو المُعلمة، وهي ترقص، قد أخطأ خطأ واحدا باختراق خصوصيتها ونشر ما يخصها دون علمها، فهؤلاء أخطأوا ألف مرة عندما أعادوا نشر المقطع المصور على صفحاتهم مصحوبا بمفردات الهمز واللمز والتحقير والازدراء.
أمر بمعروف
انتهى محمد سعد عبد الحفيظ إلى أن فيديو آية وتداعياته كاشف للأزمة التي يمر بها مجتمع «السوشيال ميديا»، فقبل هذا الفيديو وبعده سيظل العديد من بنات هذا البلد وأبنائه ونسائه ورجاله يرقصون ويتمايلون ويغنون وينشدون في الأفراح وغيرها من مناسبات اجتماعية. يدعى هؤلاء الأوصياء أن آية خالفت الثقافة السائدة وخرجت عن أعراف وتقاليد المجتمع المصري، واتهمومها بأنها انتهكت «قداسة» مهنتها كمربية، عن أي ثقافة وتقاليد وأعراف يتحدث هؤلاء، هل هي تقاليد الريف أم الحضر، أعراف الصعيد أم الدلتا أم العاصمة، الأحياء الغنية أم الفقيرة، ثقافة المتعلمين الجامعيين المثقفين أم الأُميين، لكل فئة ثقافتها، وداخل كل طبقة هناك تقاليد وأعراف متباينة، فإلى أي ميزان قيمي نحتكم ما هي «المازورة» التي نقيس عليها؟ جلادو «السوشيال ميديا» أدعياء الفضيلة والشرف، يتستر كل منهم خلف شخصية مصنوعة، رسم هو ملامحها وصدّرها للناس عبر ما ينشره على حسابه من حكم ووصايا مدعاة، وبعضهم لو ظهر وجهه الآخر وانفضح ستره وانكشفت خطاياه التي يرتكبها سرا لسقط جلد وجهه، إلا أصحاب الجلود السميكة فهؤلاء قادرون على تغيير جلودهم وتبديل وجوههم. تابعت تعليقات بعض هؤلاء الأدعياء، وقارنت بين ما يحاولون تصديره للآخرين من تمسك بالفضيلة والدين، وتاريخهم المليء بالنفاق والزيف وشهادة الزور ومداهنة أهل السلطة والمال. هلل بعض هؤلاء لرقص السيدات على أنغام أغاني المهرجانات، أمام لجان الاستفتاءات والانتخابات، وبعضهم استمات في الدفاع عن بطش بعض رجال السلطة وفساد بعض رجال أعمال، أملا في نيل رضا أصحاب السيادة والسعادة. هؤلاء المزيفون الذين وصموا تلك المعلمة بالعديد من الألفاظ التي يعاقب عليها القانون، جعلوا من أنفسهم قضاة وأنزلوا أحكامهم عليها، فخربوا بيتها، ودفعوها إلى التفكير في «الانتحار» بعد أن هجرها زوجها وفُضحت أمام أطفالها وأقاربها.
نثق في الأطباء
سواء أردنا أم لم نرد، والكلام للدكتور أسامة الغزالي حرب في “الأهرام” أصبحت قضية نجل أحد رجال الأعمال، الذي تسبب، في مصرع أربعة طلاب في الثانوية العامة، في سيارتهم، وتدميرها بالكامل، نتيجة صدمهم لها بسيارته الفارهة، التي كان يقودها بسرعة جنونية… قضية رأي عام بامتياز. فقد أثبت فحص الطب الشرعي أن الجاني كان متعاطيا كحولا وكوكايين وعندما تورط أربعة من محاميه، في انتحال الصفة القضائية، للحصول على كاميرا المراقبة التي سجلت الحادث، تم ضبطهم وهم الآن قيد المحاكمة، وقد كتبت بعدها مناشدا نقيب المحامين الأستاذ رجائي عطية، مساءلتهم نقابيا، فوعد بذلك، بعد معاقبتهم جنائيا. الآن نحن إزاء واقعة أخرى تستلزم الفحص والمساءلة، ولكنها هذه المرة من الدكتور حسين خيري، نقيب أطباء مصر، والأمين على التزامهم المهني. فوفقا لشهود الواقعة، فإن المتهم، كان سليما عند حدوثها، وقال شهود العيان أن سيدة (قيل إنها شقيقة له) وصلت إليه واصطحبته معها، وكان سليما بدنيا تماما. غير أن المتهم ظهر في المحكمة راقدا على نقالة طبية، وجسده مجبس بالكامل، وقال محاميه أنه يعاني كسورا متفرقة في جسمه، من بينها كسر مستقر في عظام الحوض، ما يعيق المذكور من الجلوس في وضع قائم، ويحتاج لعدم التحميل على الناحية اليمنى، وعدم الجلوس في وضع قائم لاستقرار التئام الجروح. لقد شهدت على شاشات التواصل الاجتماعي التي تنتشر في العالم كله صرخات الأمهات الثكالى، والآباء المنكوبين في قاعة المحكمة وفي خارجها وهم يصرخون ويلطمون وجوههم: داخل على نقالة، ومجبسينه…وأولادنا ماتوا. المسألة ليست المحاكمة، فنحن نثق ثقة كاملة في قضائنا العادل العريق، ولكن شكوكا منطقية ومشروعة، أحاطت بواقعة التجبيس تلك، ومثلما ناشدنا نقيب المحامين التدخل لحماية كرامة مهنة المحاماة، فإننا نناشد الأستاذ الجليل حسين خيري نقيب الأطباء المصريين التدخل لحماية كرامة مهنة الطب العظيمة… ونطلب منه أن يميط اللثام عن تلك الواقعة الغريبة، ويحيط الرأي العام بحقائقها وتفاصيلها.
عالم مرعب
وصل أشرف عزب في “الوفد” لهذه النتيجة: من الجيد أن تثق في الناس والأفضل ألا تفعل ذلك.. هكذا يجب أن يكون الحال، وهكذا يجب أن نتعلم بعد انتحار طالبة كفر الزيات، وطلاق معلمة الدقهلية وخراب بيتها، وتدمير حياتها وأسرتها، وتهديدها بالانتحار هي الأخرى، نتيجة لجريمة ابتزاز شخصي كما في الحالة الأولى أو مجتمعي في الحالة الثانية. في ظل هذا العالم الافتراضي المرعب، يجب على كل منا أن يخبئ أسراره داخل خزانة محكمة الغلق بأرقام سرية لا يطّلع عليها أحد، أو يضع تفاصيل حياته الخاصة في ملف مشفّر لا يمكن فتحه أو الوصول إليه، وإن تم العثور عليه عن طريق الصدفة أو القصد فلا يُفهم منه شيء، لأننا ببساطة يمكن أن نصبح يوما ما فريسة بضغطة زر على وسائل التواصل الاجتماعي ونكون أحد ضحايا عملية ابتزاز رخيصة. وسواء كنت من المتعاطفين مع معلمة الدقهلية، أو ممن صببت عليها اللعنات، ونصبت الميزان للحساب، وتقمصت دور القاضا والجلاد، وأصدرت الأحكام، فعليك أن تعلم أن الذين يمارسون الابتزاز هم الأقربون، نعم كما قرأت.. الأقربون ولا تتعجب.. ألم تسأل نفسك من قام بتصوير معلمة الدقهلية أثناء رحلتها النيلية مع أولادها وعدد من زملاء مهنتها وأسرهم؟ الجواب ببساطة، أحد الحضور ممن شاهد وضحك وصفق وربما رقص، ثم سرب للفضاء المتهافت على نشر أي شيء من أجل التسلية والسخرية، أو التشفى والحصول على بعض الضحكات المؤقتة على قبر الضحية، دون رادع أو وازع ديني أو أخلاقي، في انتظار ضحية جديدة تطفو على السطح لنصب المشانق من جديد.. قد يكون المبتز قريبا لك أو قريبا منك، مديرك في العمل أو زميل.. فالمبتز شخص يعرفك ويعرف تفاصيل في حياتك، يعرف ما تخاف منه وما تخاف عليه، شخص ما يضحك في وجهك ثم يطعنك في ظهرك، فاحترس لأن الثمن الذي ندفعه في كل مرة نستسلم فيها للابتزاز هو ثمن باهظ جدا.
تنكمش لأسباب
لدى رامي جلال في “المصري اليوم” ما يحضه على الخوف: فقرة كوميدية شهيرة في السيرك يتم فيها سحب المفرش القماش من على طاولة، فيما تبقى الأوانى والأكواب فوقها كما هي وكأن شيئا لم يُسحب. بلدنا يشبه تلك الطاولة، والمفرش هو قوتنا الناعمة، وهي الآن «قوة ناعسة» تغط في النوم، فيما يبني آخرون مجدا، ولا يضايقنا هذا في ذاته، لكن المشكلة أنه على حسابنا، وباستخدام عقولنا وخصما منا في معادلة صفرية لا نفهم ما الذي أوصلنا إليها.. القوة هي قدرة على تحقيق مكسب أو تأثير في الآخرين، ويتم هذا إما بالإكراه أو بتقديم الحوافز، لكن القوة الناعمة هي التمكن من إعادة تشكيل تفضيلات واختيارات الطرف الآخر دون تدخل، وجمع المؤيدين والداعمين بشكل عفوي. اللغة العربية، واللهجة المصرية خصوصا، هي وسيط نقل القوة الناعمة المصرية، وأرى أنها في خطر حقيقي تتمثل مظاهره في عددٍ كبير من الأمور، منها تراجع قوة المصريين من مقرئي القرآن الكريم لمصلحة ما أُسميه «المونوتون» الخليجي (أحادي النغمة). لاحظ أننا موطن «براندات»: محمد رفعت، وعبدالباسط عبدالصمد، ومصطفى إسماعيل، والبنا، والحصري، والطبلاوي، والمنشاوي، والفشني، والشعشاعي، وشعيشع. المظهر الآخر أن بعض المعلقين الكرويين في مصر يقومون، حرفيا، بتغيير لهجتهم المصرية قدر الإمكان مغازلة واستجداء لقنوات عربية آملين في توظيفهم (بالبلدي: يعوجون أفواههم) حتى تكاد تظن أن من ينطق الكلمات هو أحد مواطني دول الجوار. تراجع التعليق المصرى تماما لصالح مدرسة الهياج والهستيريا وأبطال العالم في الصراخ وعدم «بلع الريق» لساعة ونصف الساعة متصلة. لاحظ أننا بلد محمد لطيف، وعلي زيور، وإبراهيم الجويني، وميمي الشربيني، ومحمود بكر. بكل تأكيد لدينا عشرات، بل مئات، من المقرئين والمعلقين الجيدين، وهذا رائع لكنه لا يحل الأزمة، لأن الموضوع لا يتعلق بالوجود بل بالحدود، ولا يُعنى بالعدد بل بالأثر. جزء من المشكلة هو وجود أذرع إعلامية مصابة، لا تركز أبدا على تلك النماذج الجيدة لتمركزها داخليا، تمهيدا لتصديرها للخارج، بل تكتفي باستقاء موضوعاتها من «ترند» وسائل التواصل الاجتماعي، كأحد طقوس التعبد في محراب «اللايك والشير».
البحث عن حل
يرى عمرو الشوبكي في “المصري اليوم” أن إعلان وزارة الخارجية الفرنسية يوم الثلاثاء الماضي عن أن هناك 300 مرتزق أجنبي غادروا شرق ليبيا هو قطرة في غيث طويل لحل إحدى أهم المعضلات التي تقف حجر عثرة أمام تسوية الأزمة الليبية، متمثلة في وجود آلاف من المرتزقة الأجانب. ورغم أن اتفاق جنيف في 2020، ثم مؤتمر شرم الشيخ الذي عُقد في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأخيرا مؤتمر باريس الذي عُقد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دعت جميعا إلى انسحاب المرتزقة الأجانب، فإنه لم يتم سحب كامل لهم حتى اللحظة. معضلة المقاتلين الأجانب أنهم جثموا على صدر الشعب الليبي في الشرق والغرب، وعطّلوا فرصا كثيرة لحل الصراع، خاصة أن أعدادهم بالآلاف وليسوا مجرد مئات، فمثلا قُدِّر عدد المقاتلين السوريين الذين جلبتهم تركيا إلى ليبيا بحوالي 10 آلاف مقاتل، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، أما قوات فاغنر الروسية فعددها يقترب من 3 آلاف مقاتل، وتمتلك 15 منظومة دفاع جوي، وتتركز في منطقة الجفرة ومحيطها. ورغم أن قوات فاغنر ليست قوات رسمية روسية، فإنها إحدى أدوات الحكومة الروسية في النزاعات التي تطلب إنكار تورطها أو حضورها الرسمي، في حين أن هذه القوات يتم تدريبها وفق تقارير صحافية في منشآت وزارة الدفاع الروسية أو على الأقل تحت إشرافها غير المباشر، ومعروف أنها مملوكة لرجل أعمال له صلات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
سبب الكارثة
شدد عمرو الشوبكي على أن المرتزقة والمقاتلون الأجانب ليسوا الأزمة الوحيدة في ليبيا، فتركيا تعتبر خبراءها العسكريين ليسوا من ضمن هؤلاء، وتقول إنهم جاءوا باتفاق شرعي مع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، أي حكومة الوفاق الوطني السابقة، وترفض مساواتهم بالمرتزقة، وتنسى أن هذا الاتفاق «الشرعي» ليس مقدسا، ويمكن مراجعته أو إعادة النظر فيه. صحيح أن وضع قوات فاغنر سيظل أشد تعقيدا لأنه محكوم بالعلاقات الروسية – الأمريكية، دون أن يعني ذلك استحالة حله، إنما يتطلب الأمر تفاهما أمريكيا – روسيا على ملفات دولية كثيرة، يؤدي إلى انسحاب قوات فاغنر من الشرق بشكل متوازٍ مع الميليشيات السورية الموجودة في الغرب، وبداية حل الأزمة الليبية. بيان الخارجية الفرنسية حول هذا الانسحاب المحدود إيجابي، وأحاديث المسؤولين الأوروبيين عن ضرورة إنهاء انسحاب القوات الأجنبية، وإعادة توحيد المؤسسات المنقسمة، وبحث الأرضية القانونية للانتخابات، كلها خطوات إيجابية تحتاج إلى التنفيذ. سحب المقاتلين الأجانب خطوة ليست معقدة، ولكن مشكلتها أنها الشرط أو الاختبار الأول لكل الأطراف من أجل التقدم بعد ذلك نحو الخطوات الحاسمة، وهي توحيد مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسة العسكرية، والتفاهم بين القوى السياسية والمناطق على شروط إجراء انتخابات ناجحة هذا العام..
سنة الحياة
حول مونولوج «ماتستعجبش.. ماتستغربش» للضاحك الباكي إسماعيل ياسين تدور عن فكرة ذكّرنا بها الدكتور محمود خليل في “الوطن”: يتناول المونولوج أحد متناقضات الحياة التي تتمثل في المكاسب التي يحصدها البعض بلا تعب: «فيه ناس بتكسب ولا تتعبش»، مقابل من يتعبون ولا يكسبون شيئا: «وناس بتتعب ولا تكسبش». هذا المونولوج من أخلد ما غنى إسماعيل ياسين. جمال فكرته في عمقها، وقدرتها على كشف إحدى عورات الواقع، والحالة الإنسانية الثابتة التي تُسلط الضوء عليها. ففي كل عصر تجدها حاضرة، بالأمس واليوم وغدا، ورغم أن كاتبها طلب من المستمع إلى المونولوج عدم التعجب أو الاستغراب، من بعض الأوضاع المقلوبة، إلا أن السياق العام للمونولوج يحمل المعنى العكسي، حيث يدعو المستمع إلى التعجب والاستغراب. لا يوجد زمان ولا مكان يخلو من «الصور المقلوبة»، لكن الصورة التي التقطها كاتب المونولوج هي الأكثر شهرة وتأثيرا في البشر، فقصة المال هي القصة الأم في حياة الإنسان. والله تعالى يقول في كتابه الكريم: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ». لو أنك تأملت الآية جيدا فسوف تجد أن المال يُشكل محور الشهوات التي زينها الله تعالى للإنسان، فالمال هو الذي يجلب النساء، وهو الذي يساعد على الإكثار من البنين، وهو الأداة التي يحوز بها الإنسان الأنعام والحرث. والمال بما يؤدي إليه من حيازات في الحياة هو موضع النظر بين الأوادم. فالبشر إلا القليل أحيانا ما ينظرون إلى ما في يد غيرهم، والمال رزق شأنه شأن أرزاق كثيرة في الحياة، وبما أنه رزق فإنه لا يتطلب حيلة، فمن الممكن بالفعل أن يبذل أي إنسان جهدا كبيرا في سبيله دون أن يحصد منه شيئا، ويصح أن يجري أنهارا في يد قليل الحيلة أو محدود السعي في الحياة، لكننا إذا عُدنا إلى الآية الكريمة التي ذكرتها آنفا، فسنجد أنها اختُتمت بقوله تعالى: «ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنده حُسْنُ الْمَآبِ».
ليتنا نشبههم
إحدى مشكلات مجتمعنا كما اوضح الدكتور محمود خليل ترتبط بتلك القيمة الكبيرة التي يضفيها على المال، في وقت تُؤخر فيه قيم أخرى أكثر جدارة بأن تسبقه، وإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على نظرة قاصرة إلى الحياة. ولو أنك تأملت أثرى أثرياء العالم، فستجد أنهم تنازلوا عن جزء كبير من ثرواتهم أو كامل ثرواتهم، مكتفين بالقيمة المعنوية التي تضفيها عليهم النجاحات التي حقّقوها، عندك نموذج بيل غيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت»، وعندك مثال ثانٍ في مؤسس موقع «فيسبوك» مارك زوكربيرغ. حدث ذلك في أكثر المجتمعات «مادية»، كما يحلو لكثير من كهنة مجتمعنا وصفها، في وقت أصبحت فيه كل روافد الثقافة في مصر لا تحتفي إلا بتلك القيمة: «المال»، تذكر آخر المسلسلات أو الأفلام التي شاهدتها لتتأكد بنفسك. أيام إسماعيل ياسين كان ثمة توازن في طبيعة الثقافة التي تبثّها الدراما، فقد تجد فيها ما يدعم قيمة المال، وقد تجد فيها ما يسفّه قيمته قياسا إلى قيم أخرى. ولا غرابة في ذلك. زمان كان طلعت باشا حرب واحدا من المهتمين بالإنتاج السينمائي، وكان هناك فنانون مؤمنون بقيمة الفن ينتجون الأفلام، أما اليوم فالوضع مختلف في ظل سيطرة بعض رجال المال والأعمال على سوق الإنتاج السينمائي والدرامي، ومن الطبيعي جدا أن تكون عينهم على «قيمة المال» في ما ينتجون.. ماتستعجبش.. ماتستغربش.
دعوة للتفاؤل
مبادرة للتشبث بالحياة يطرحها مصطفى عبيد في “الوفد”: لا تصدق عبارات الخمود والسكون، ولا تُكرر التساؤل الانهزامي إن كنا سنحيا زمننا وزمن الآخرين، ولا تغلق دفتر الحياة، وتنعزل مع ذكريات الماضي، وضبابية المستقبل. التقاعد ليس نهاية، وسن المعاش ليس خاتمة عمل، وبلوغ عمر ما، يجب أن لا يعني أي شيء محبط، فالخلق يمضى بما قدره الله عليه حتى آخر نفس في رئتيه. جورج ميشيل عزيز، موظف بالمعاش يقطن في حي مصر الجديدة في القاهرة، يبلغ من العمر سبعين عاما، لمع اسمه مؤخرا في صناعة عرائس الأطفال وقبعات البهجة الملونة يدويا، حتى صار أحد مشاهير فن الدُمى اليدوية. وحكى لي أنه بدأ مشواره بعد بلوغه الستين وخروجه إلى المعاش مؤمنا بأن التقاعد ينبغي أن لا يكون نهاية العمل، وإنما بداية حقيقية لحلم ظل عقودا من الزمن مؤجلا نتيجة الإنشغال بالعمل. لقد درس لعدة سنوات في أوروبا، وتعلم أن الحياة مُتجددة دائما، وظلت هذه الفكرة تُسيطر عليه طوال عمله، فأخذ يُنمي إبداعاته في صناعة العرائس اليدوية من الإسفنج حتى سيطرت الهواية عليه وأحبها محبة طاغية، فأبدع فيها وصار أحد نجومها اللامعين بعد خروجه إلى المعاش.
وفي بعض الأحيان تدفع المواهب والإبداعات المتنوعة التي تتوهج حينا لدى البعض إلى اتخاذ قرارات جريئة بالتقاعد مبكرا، والتفرغ التام للعمل الإبداعي. الفنانة ليلى عز العرب، نموذج شهير لذلك الصنف الذي تحقق وظيفيا، حيث حكت لي أنها تخرجت في كلية التجارة والتحقت مبكرا بالعمل المصرفي، وحققت نجاحا عظيما فيه، خاصة بعد حصولها على الدكتوراه في الاقتصاد، حتى أنها وصلت إلى منصب مدير فرع لكنها كانت تشعر بأن حلم حياتها في التمثيل لم يتحقق، وظلت بين الحين والآخر تترقب الفرصة للتيقن من إبداعها الفني كممثلة. لذا، قررت أن تدرس التمثيل خلال أوقات فراغها، ثُم شاركت في أدوار ثانوية في بعض المسلسلات والأفلام، إلى أن شعرت في النهاية بتقدير المحيطين لموهبتها، لتتخذ وقتها القرار الصعب بالتقاعد مبكرا من العمل ومواصلة الإبداع الفني كممثلة وتقدم أدوارا عظيمة. الإخلاص للعمل يمثل ضرورة أخلاقية في المقام الأول، لكن ذلك الإخلاص يجب أن لا يتحول إلى انحسار وتقوقع في الوظيفة وحدها دون أي اهتمامات حياتية أخرى.