القاهرة ـ «القدس العربي»: جاء ملف التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة على رأس جدول مباحثات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن في القاهرة الأسبوع الماضي.
وتعتمد واشنطن على القاهرة في لعب دور الوسيط في هذا الملف.
وقال بلينكن إن واشنطن تعوّل على التنسيق الحثيث مع مصر لاستعادة الاستقرار وتحقيق التهدئة واحتواء الوضع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
جاء ذلك خلال مباحثات أجراها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة.
وحسب بيان للرئاسة المصرية، فإن المباحثات بين السيسي وبلينكن، استعرضت التطورات والأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، والجهود المشتركة والمساعي المصرية الجارية لاحتواء التوتر المتصاعد خلال الأيام الماضية.
ولفت البيان إلى أن السيسي أكد لوزير الخارجية الأمريكي، أن تطورات الأحداث الأخيرة تؤكد أهمية العمل بشكل فوري في إطار المسارين السياسي والأمني لتهدئة الأوضاع، والحد من اتخاذ أي إجراءات أحادية من الطرفين، مؤكداً موقف مصر الثابت بالتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وفق المرجعيات الدولية، وعلى نحو يحل تلك القضية المحورية في المنطقة ويفتح آفاق السلام والاستقرار والتعاون والبناء.
ووصل إلى الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل الجمعة الماضي، وفد أمني مصري رفيع المستوى من جهاز المخابرات العامة المصرية بهدف محاولة وضع حد للتدهور الأمني في المنطقة، بعد أيام من استقبال الرئيس محمود عباس قادة أجهزة المخابرات المصرية والأردنية.
وكان مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، طلب من رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، أن تعمل أجهزة الأمن الفلسطينية لاستعادة السيطرة على المخيمات الفلسطينية، مقابل التزام إسرائيل بالتراجع عن الخطوات التي اتخذتها بعد العمليات في القدس، والتي تتمثل بإغلاق منازل منفذي العمليات الفلسطينية وترحيلهم.
وكشفت مصادر عن رفض بلينكن مبادرة مصرية تمثلت في دعوة القاهرة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى مفاوضات تمهيدية في مدينة شرم الشيخ برعاية مصرية في آذار/مارس المقبل، بمشاركة الإدارة الأمريكية والأردن.
وكان موقف الخارجية المصرية من التصعيد في الأراضي المحتلة، أثار غضبا شعبيا واسعا، بعد أن أصدرت بيانا استنكرت فيه الهجوم الذي شهدته القدس.
وأعربت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية، عن رفضها التام واستنكارها الشديد للهجوم الذي شهدته القدس الشرقية يوم الجمعة الماضي، مؤكدةً إدانتها لكافة العمليات التي تستهدف المدنيين.
وحذرت مصر من المخاطر الشديدة للتصعيد الجاري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مطالبةً بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، ووقف الاعتداءات والإجراءات الاستفزازية، لتجنب الانزلاق إلى حلقة مفرغة من العنف الذي يزيد الوضع السياسي والإنساني تأزماً، ويقوض جهود التهدئة وكافة فرص إعادة إحياء عملية السلام.
وتحولت صفحة وزارة الخارجية المصرية على «فيسبوك» إلى أشبه باستفتاء شعبي على موقف السلطات المصرية من القضية الفلسطينية، وجاءت ردود المصريين على البيان في أكثر من 700 تعليق، معظمهم وصف البيان بالعار غير المعبر عن الموقف الشعبي.
مصادرة كتاب
إلى ذلك، صادرت السلطات المصرية، كتاب «تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها»، خلال أول أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب.
وقال الدكتور محمد مدحت مصطفى، في تصريحات صحافية، إنه أبلغ بسحب الكتاب في أول أيام معرض الكتاب على الرغم من اتخاذ كافة الإجراءات القانونية وصدور رقم إيداع، لافتا إلى أن مصادرة الكتاب جاءت على الرغم من عدم اتخاذ أي إجراءات رسمية بذلك.
ويناقش الكتاب بداية النشاط الصهيوني في مصر قبل المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في سويسرا في آب/اغسطس 1897 بـ6 أشهر، حيث بدأ تكوين الروابط والجمعيات الصهيونية في مصر منذ شباط/فبراير 1897 واستمرت تلك الروابط والجمعيات في العمل بحرية دون معوقات تذكر من قبل السلطات المصرية أو سلطة الاحتلال البريطاني حتى بدايات عام 1948. ويضيف «كانت السلطات المصرية تحت الاحتلال وأغلب قيادات ومنسوبي الحركة السياسية والثقافية وحتى اليهود المصريين، غير مدركين لخطورة المشروع الصهيوني ولا لطبيعة تحركاته».
مطالبات بوقف التطبيع
وعادة ما تنتقد أحزاب المعارضة المصرية، موقف السلطات المصرية من القضية الفلسطينية، وخلال الأحداث الأخيرة، طالب عدد من الأحزاب، وقف كل أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وقال حزب الكرامة في بيان: في ظل جرائم الكيان الصهيوني المستمرة تجاه شعبنا في فلسطين تأتي جريمة اقتحام مخيم جنين لتؤكد طبيعة الكيان الصهيوني القاتل العنصري.
وأكد على موقفه الثابت باعتبار هذا الكيان قاعدة الاستعمار المتقدمة على الأرض العربية وهو العدو الحقيقي لهذه الأمة وأن مصر هي المستهدف والمتضرر الأول من بقاء هذا الكيان.
وتابع: كما نحيي كفاح ونضال شعبنا العربي في فلسطين والبطل خيري علقم منفذ عملية القدس، ويؤكد الحزب أن المقاومة حق مشروع للشعب العربي. وطالب الحزب الحكومات العربية بسرعة وقف كل خطوات التطبيع التي تَقوم بها مع حكومة الكيان الصهيوني الإرهابية، واتخاذ مواقف دبلوماسية حاسمة حتى تَشعر حكومة الكيان ومَن صَوَّت لها بتداعيات جرائمهم الإرهابية.
الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، أدان هو الآخر ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الإجرامية المتكررة ضد الشعب الفلسطيني، والتي كان آخرها ما نفذه جيش الاحتلال من عملية أمنية في مخيم جنين ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى الفلسطينيين، ولم تقف ممارسات الاحتلال عند هذا الحد بل امتدت لتشمل منع إسعاف المصابين الفلسطينيين والاعتداء على الأطقم الطبية.
ودعا الحزب الدول العربية لوقف كافة أشكال التطبيع مع كيان الاحتلال، وهو التوجه الذي ثبت عدم جدواه، بل إنه ساهم في زيادة بطش الإسرائيليين، وتبني حملات عالمية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والمطالبة بحقوقه المشروعة والأصيلة، وفي مقدمتها حق تقرير المصير والاستقلال، وعودة اللاجئين.
ولعبت القاهرة دور الوسيط في وقف إطلاق النار في غزة خلال العامين الماضين.
ونجحت في دور الوساطة بعد التقارب الذي شهدته العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال السنوات الماضية، إذ زار نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مدينة شرم الشيخ في أيلول/سبتمبر 2021 وكانت الزيارة الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مصر منذ عام 2011 أعقبتها زيارة أخرى في آذار/مارس الماضي، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وهي الزيارات التي مهدت لتعديل مصر وإسرائيل اتفاقية السلام، بما يسمح بتعزيز الوجود العسكري المصري، بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها، في منطقة رفح الحدودية شمال جزيرة سيناء، وفق ما أعلنه الجانبان في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 نتيجة لاجتماع اللجنة العسكرية المصرية-الإسرائيلية المشتركة.
وفي 18 آب/ أغسطس 2021 التقى رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في تل أبيب، ووجّه للأخير خلال اللقاء، دعوة رسمية باسم السيسي، لزيارة القاهرة.
ومهد لقاء السيسي وبينيت رئيس وزراء الاحتلال لقمة النقب، التي استضاف فيها وزير الخارجية الإسرائيلي نظراءه من مصر والإمارات والمغرب والبحرين بحضور وزير الخارجية الأمريكي، في آذار/مارس الماضي، وهي القمة التي ناقشت ما عرف بتحالف الناتو العربي تحت القيادة الأمريكية، وبمشاركة الكيان الصهيوني.
سد النهضة
بجانب القضية الفلسطينية، سعى المسؤولون المصريون خلال زيارة بلينكن، إلى الحصول على دعم أمريكي في قضية سد النهضة.
بيان الرئاسة المصرية، لفت إلى تطرق المباحثات لقضية سد النهضة الإثيوبي، وحديث السيسي عن موقف مصر الثابت حول ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد، بما يحقق المصالح المشتركة ويحفظ الحقوق المائية والتنموية لجميع الأطراف، مشدداً على أهمية الدور الأمريكي للاضطلاع بدور مؤثر لحلحلة تلك الأزمة.
إلا أن رد فعل بلينكن جاء أقل من المتوقع بالنسبة للمسؤولين المصريين، إذ قال خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره المصري سامح شكري، إن أزمة المناخ تؤكد أهمية وجود حل دبلوماسي سريع لقضية سد النهضة.
وأضاف أن القيادة المصرية أبلغت واشنطن بأن هذا الملف يعتبر وجوديا، مؤكدا أن بلاده تدعم أي حل يراعي مصالح جميع الأطراف ويراعي الحالة المعيشية للمواطنين في دول مصر والسودان وإثيوبيا.
ودعا إلى ضرورة التحلي بروح المرونة من قِبل كل الأطراف للتعامل مع المصالح الوجودية التي تملكها مصر في هذا الخصوص.
أزمة حقوق الإنسان
ملف حقوق الإنسان في مصر كان حاضرا في المباحثات، وقال وزير الخارجية الأمريكي، إن حقوق الإنسان كانت إحدى القضايا في صدارة جدول أعمال المحادثات التي أجراها مع الرئيس المصري، ووزير الخارجية سامح شكري.
وأضاف أن بلاده ستواصل تشجيع القاهرة على اتخاذ مزيد من التحركات بشأن حقوق الإنسان، بما في ذلك إطلاق سراح المزيد من السجناء السياسيين وإصلاح نظام الاحتجاز على ذمة القضايا.
وفيما يخص الشأن الليبي، أكد بلينكن أن إجراء انتخابات في ليبيا هذا العام هو المسار الوحيد القابل للتطبيق من أجل حل دائم في البلاد.
رسالة عبر مصر
رسالة بعث بها بلينكن من خلال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إذ كشف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الثلاثاء، أنه تلقى رسالة من نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، عبر وزير الخارجية المصري، سامح شكري الذي يزور موسكو حاليا.
وقال لافروف، إن رسالة وزير الخارجية الأمريكي تطلب من روسيا وقف الأفعال في أوكرانيا من أجل إطلاق مفاوضات لا ترقى إلى مستوى مقترح جاد، وهذه هي الدعوة الوحيدة التي قدمها بلينكن.
وأضاف: نحن منفتحون على أي مقترحات جادة من أجل التسوية في أوكرانيا، لكن أؤكد أن كلمة مقترحات جادة يجب أن تشمل كل جوانب القضية.
وزاد: أن هناك جزءا ثانيا من رسالة بلينكن لم ينقل إلى روسيا، تمثل في كلمة ألقاها أمين عام حلف «الناتو» ينس ستولتنبرغ، عندما زار كوريا الجنوبية، حيث صرّح أن «روسيا يجب أن تُهزم والغرب لا يتحمل أن تخسر أوكرانيا، لأن ذلك يعني أن أوروبا ستهزم، والعالم كله سيهزم».
دعم أمريكي
وعن الدعم الأمريكي لمصر، أعلن بلينكن وجود دعم جديد من الولايات المتحدة لقطاع الزراعة في مصر بقيمة 50 مليون دولار.
وقال إن الحرب الأوكرانية الروسية تؤثر على الاقتصاد المصري، وهو ما يتطلب المزيد من التعاون لتلافي تلك الآثار.
وأضاف، أن بلاده خلال العقود الماضية، قدمت 30 مليار دولار من الدعم لمصر، لافتا إلى أن مشكلات التضخم وارتفاع أسعار الغذاء في مصر حالياً هي أزمة تعاني منها كل دول العالم، وأن مصر وأمريكا تعملان معاً من أجل حل أزمة الأمن الغذائي والطاقة، لاستكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية المصرية الناجحة.