إسطنبول – إحسان الفقيه: في زيارة هي الأولى لمسؤول عُماني، وصل في 14 فبراير/شباط الجاري وزير خارجية السلطنة يوسف بن علوي، إلى محافظة أريحا في الضفة الغربية عبر جسر الملك حسين(اللنبي) الذي يسيطر عليه الإسرائيليون.
المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، نفى أن يكون على علم بزيارة الوزير العماني؛ وان كانت الزيارة، كما سواها، لا يمكن أن تتم من دون موافقة إسرائيلية.
وأثارت الزيارة قليلاً من الجدل خلافاً لزيارات أخرى لمسؤولين عرب أو جمعيات أو منظمات أو شخصيات، أثارت جدلاً واسعاً.
ففي سبتمبر/أيلول 2014، قام وزير الخارجية الكويتي، صباح خالد الصباح، بزيارة إلى مدينة القدس، قوبلت بردود عدة انتقدت في معظمها الزيارة، ووصفتها بأنها “خطوة على طريق التطبيع”.
وسبق ذلك زيارة مفتي مصر، وقتها، علي جمعة في أبريل/نيسان 2012 برفقة أمير أردني للمسجد الأقصى، جوبهت بموجة من الانتقادات من قِبل علماء دين وطلاب جامعة الأزهر، وأوساط سياسية واجتماعية اعتبرت الزيارة نوعاً من التطبيع، رغم العلاقات الدبلوماسية بين البلدين اللذين يرتبطان باتفاقية سلام.
وفي 9 ديسمبر/كانون الأول 2017 وصل وفد بحريني لا يتمتع بصفة رسمية من جمعية “هذه هي البحرين”، ضم 23 شخصية، في زيارة استمرت لأربعة أيام بقصد إبراز التسامح الديني لدى البحرين تجاه الأديان كافة، لاقت كذلك انتقادات واسعة في الأوساط العربية.
تاريخياً، ارتبطت عُمان بعلاقات مع إسرائيل بلغت ذروتها بتبادل مكاتب التمثيل التجاري في يناير/كانون الثاني 1996، والذي تم تعليق العمل به بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
وتُعد السلطنة من بين أولى الدول الخليجية التي أنشات علاقات مع إسرائيل بعد بدء عملية السلام العربي الإسرائيلي بمؤتمر مدريد 1991، واتفاقيات أوسلو عام 1993، ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994 التي بموجبها اعترفت إسرائيل بإشراف الأردن على المقدسات الإسلامية في القدس.
ومطلع العام 2000، زار مسؤولون إسرائيليون، مسقط، بعد وقت قصير من مباحثات أجراها مسؤولان عُمانيان من وزارة الخارجية في القدس مع نظراء إسرائيليين.
وأجرى إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي في 26 ديسمبر/كانون الأول 1994 مباحثات مباشرة مع السلطان قابوس، في مسقط، في حين استقبل خلفه شمعون بيريز الوزير بن علوي في القدس بعد اغتيال رابين في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1995 بعدة أيام.
كما جمعت العاصمة القطرية، الوزير العماني مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني خلال زيارتهما الدوحة عام 2008، وهو اللقاء الرسمي الأخير بين مسؤولين من البلدين.
وتتبنى عُمان خطوطاً عريضة في سياساتها الخارجية تتمحور حول النأي بالنفس بعيداً عن الاصطفافات الإقليمية والتحالفات الدولية، ما يجعلها على الدوام مؤهلة للعب دور الوسيط وتقريب وجهات النظر بين الدول.
وبحسب موقع وزارة الخارجية، فإن السلطنة تؤيد دعوة جامعة الدول العربية إلى إعادة ملف الصراع العربي الإسرائيلي برمته إلى مجلس الأمن الدولي لإيجاد تسوية دائمة وشاملة من منطلق حرص وتمسك الدول العربية بالسلام كخيار استراتيجي ومنطلق للتعايش بين العرب وإسرائيل.
وفي الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، في 10 ديسمبر الماضي، تحدث الوزير بن علوي عن أن جامعة الدول العربية “ليست مسجداً بل هي دار للسياسة والعمل بالسياسة، وسنتخذ قرارات تعبر عن حقائق الأمر في ذات الوقت الذي تسعد أشقاءنا في ساحات المظاهرات”، في إشارة إلى احتجاجات الفلسطينيين على القرار الأمريكي بشأن القدس.
وفي 6 ديسمبر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعتبار القدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى المدينة المحتلة.
وبدا إعلان ترامب، نقطة افتراق في نظرة عموم العرب إلى زيارة فلسطين والأماكن المقدسة في القدس، وتحولهم باتجاه أكثر مرونة نحو انفتاح أوسع لتجاهل سياسة مقاطعة زيارة سكان القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، والتضامن معهم في رفض سياسات التهويد واستلاب الهوية.
ولا تبتعد زيارة الوزير العماني عن التوجه العام لدى العرب والمسلمين بعد القرار الأمريكي، والاتجاه نحو نبذ مقاطعة العرب والمسلمين لزيارة القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ففي 13 ديسمبر، عقدت منظمة المؤتمر الإسلامي اجتماعاً لها في إسطنبول رداً على قرار ترامب، دعا خلاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأمة الإسلامية، للسفر إلى القدس والمسجد الأقصى تحديداً.
بعدها بخمسة أيام، أوجب مفتي القدس والديار الفلسطينية، محمد حسين، على جميع الدول العربية والإسلامية ضرورة الذهاب للقدس وزيارة المسجد الأقصى لإعلان التضامن ومواجهة قرار الرئيس الأمريكي، وعدّ زيارة العرب والمسلمين للمسجد الأقصى “واجبة”.
كما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، دعا في مؤتمر الأزهر الخاص بنصرة القدس العرب والمسلمين لزيارة الأقصى، وذلك “لإعلان التضامن من أرض المعركة، ولمواجهة القرار الأمريكي”.
ويومي 17 و18 يناير/كانون الثاني الماضي، استضافت القاهرة بحضور عباس، مؤتمراً تمخض عن “إعلان الأزهر العالمي لنصرة القدس” أكد على عروبة المدينة وقدسيتها لدى المسلمين والمسيحيين.
وتعتبر إسرائيل مدينة القدس بأكملها عاصمة “أبدية” بينما يتمسك العرب والفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.
وتحتل إسرائيل القطاع الشرقي من القدس منذ حرب يونيو/حزيران 1967، ثم ضمتها عام 1980 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
ويمكن فهم دلالات زيارات المسؤولين العرب إلى الأماكن المقدسة من ردود أفعال الفلسطينيين والعرب الذين تراوحت مواقفهم ما بين فريق يرى أنها تأتي في سياق التطبيع بين العرب وإسرائيل وتبعاته على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وهي بالتالي اعتراف ضمني بإسرائيل طالما أن زيارة كهذه لا يمكن أن تتم دون موافقة السلطات الإسرائيلية.
بينما يرى فريق آخر أن زيارات كهذه تدعم الشعب الفلسطيني وصموده وفك عزلته عن محيطه العربي.
وتأتي أهمية زيارة الوزير العُماني ودلالاتها من توقيتها الذي جاء بعد أسابيع من إعلان ترامب بشأن القدس.
ومن مدينة القدس، دعا بن علوي إلى “تشجيع العرب أينما كانوا للقدوم إلى فلسطين، لأن من يسمع ليس كمن يرى”.
وقوبلت الزيارة التي استمرت 3 أيام، بترحيب السلطة الفلسطينية ومسؤولين آخرين سياسيين ودينيين على أعلى المستويات.
وتضمنت الزيارة لقاءات مع الرئيس عباس ورئيس الحكومة رامي الحمد الله ومسؤولين آخرين، كما زار بن علوي المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة وجامعة القدس ومرافق فلسطينية أخرى.
هناك ثمة إجماع فلسطيني على أن زيارة الوزير العماني بمثابة رفض إعلان ترامب بشأن القدس، ورفض الإجراءات الإسرائيلية الممنهجة لتهويد المدينة المقدسة التي ينطلق الفلسطينيون المرحبون بالزيارة من كونها دعم لحقهم التاريخي الثابت وكفاحهم ضد الاحتلال.
وتشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية توتراً حاداً منذ القرار الأمريكي.
وعلى ما يبدو، فإن زيارة الوزير بن علوي تحمل في طياتها مبادرة عمانية لإعادة علاقات الإدارة الأمريكية مع السلطة الفلسطينية.
وتلعب مسقط أدواراً في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، ولها تجارب وساطة ناجحة بين الولايات المتحدة وأطراف إقليمية كان أبرزها استضافة السلطة لمباحثات على مستوى الخبراء، أفضت إلى توقيع اتفاق حول الملف النووي الإيراني عام 2015.
وتؤكد عُمان على دعمها الثابت للشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانبه حتى نيل حريته واستقلاله.
وترى السلطنة أن قيام دولة فلسطينية ليست هبة من أحد، إنما ضرورة تاريخية وحضارية وجغرافية لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار وبناء ثقافة التسامح من دون قيام هذه الدولة بكامل أركانها.
ومع أن عُمان لا ترتبط مع إسرائيل بعلاقات رسمية إلاّ أنها لم تشارك في الحروب العربية الإسرائيلية، وترى أن بمقدورها أن تلعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يرحبون بأي مسعى عربي يصب في هذا الاتجاه.
ويمكن أن تكون زيارة الوزير بن علوي للقدس رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية بإمكانية أن تلعب دولته دور الوسيط في مباحثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين فقدوا الثقة بحيادية الدور الأمريكي بعد قرار ترامب بشأن القدس. (الأناضول)
*مفتاح الكيان الصهيوني في (واشنطن )
والمطلوب ضغط عربي واسلامي
حقيقي على واشنطن لحلحلة ملف
الصراع (العربي – الإسرائيلي).
*زيارة (القدس) خطوة للأمام
ومن وجهة نظري تصب بمصلحة
الشعب الفلسطيني الأبي الصامد.
سلام