من الاشياء التي يتوقع أن يقولها رئيس الولايات المتحدة براك اوباما لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في لقائهما في البيت الابيض في يوم الاثنين القريب: ‘ما هي خطتك لحال تفشل فيها محاولة صوغ اطار لاستمرار التفاوض وتُفجر المسيرة السلمية؟’. ويتوقع أن يسأل اوباما كما يرى مسؤولون كبار في الادارة، الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي سيلج باب البيت الابيض في 17 آذار، أن يسأله السؤال نفسه. سيسأل اوباما نتنياهو ما الذي ينوي فعله للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، وكيف سيواجه موجة الاجراءات الفلسطينية في وكالات الامم المتحدة المختلفة، وكيف ينوي أن يوقف تصاعد اعمال المقاطعة مع اسرائيل وتدهور مكانتها في الاتحاد الاوروبي؛ وسيسأل الرئيس عباس كيف ستُقربه اجراءات من طرف واحد في الامم المتحدة الى دولة مستقلة والى انسحاب قوات الجيش الاسرائيلي من الضفة الغربية، وكيف ينوي بالضبط أن يدفع رواتب عشرات آلاف العاملين في السلطة الفلسطينية اذا أغلقت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي انبوب المساعدة. ستكون رسالة اوباما الى الزعيمين أن عندهما امكانين: إما التعاون مع الاجراء الامريكي والتقدم وإما البقاء وحيدين والاندفاع الى ازمات ومواجهة للواقع. والواقع الذي سيوجد فيه الزعيمان في اليوم الذي يلي فشل المحادثات لن يكون لذيذا. كان نتنياهو الذي سيهبط في واشنطن يوم الاحد لو أُتيح له ذلك يريد حصر لقائه مع الرئيس اوباما في الشأن الايراني، لكن للبيت الابيض خططا مختلفة. فقد سبق مستشارو اوباما الداء بالدواء، وعرضوا في حديث مع المراسل السياسي لصحيفة ‘نيويورك تايمز’ في واشنطن مارك لندلر، عرضوا اللقاء بين الرئيس الامريكي ورئيس وزراء اسرائيل على أنه لقاء سيتناول الشأن الفلسطيني في الأساس. ينوي اوباما بحسب التقرير الصحفي أن يستغل لقاءه مع نتنياهو ليضغط عليه لقبول وثيقة اطار وزير الخارجية كيري التي ستصبح أساسا لاستمرار التفاوض في التسوية الدائمة. وقال مسؤولون كبار في البيت الابيض لصحيفة ‘نيويورك تايمز’ إنه بعد سنة من علاج كيري وحده للملف الفلسطيني، يعتقد اوباما أن هذا هو الوقت الصحيح الآن قُبيل لحظة الحسم ليتدخل تدخلا شخصيا. ‘لا يريد الرئيس أن يخاطر بأن يكون عدم تدخله هو الذي يصنع الفرق بين النجاح والفشل في مسيرة السلام’، قال مسؤول رفيع المستوى في الادارة الامريكية للصحيفة. إن وثيقة الاطار تلك التي يحاول وزير الخارجية كيري والمبعوث الخاص مارتن اينديك صوغها بالتعاون مع الاسرائيليين والفلسطينيين في الشهرين الاخيرين يفترض أن ترسم الخطوط الموجهة لاستمرار محادثات السلام، والمباديء التي يتم على أساسها تفاوض مفصل للتوصل الى تسوية دائمة حتى نهاية 2014. وستشمل الوثيقة تناولا لجميع القضايا الجوهرية بعضها وهو ادارة التفاوض في شأن الحدود على أساس خطوط 1967 مع تبادل اراض، والترتيبات الامنية في غور الاردن والاعتراف المتبادل بدولة يهودية وبدولة فلسطينية، يكون بالتفصيل. أما القضايا الاخرى كوجود عاصمة فلسطينية في القدس أو حل مشكلة اللاجئين فستحظى بتناول أكثر إبهاما. يطمح الامريكيون الى أن يحظى الاطار بأكبر موافقة من الطرفين لكن يبدو في هذه المرحلة أن الهدف بعيد جدا. ما زال يوجد للامريكيين شهر آخر للعمل حتى 29 آذار وحينها يفترض أن يُفرج عن المجموعة الرابعة من السجناء الفلسطينيين الذين قد يكون فيهم عرب اسرائيليون. فاذا لم يُحرز اتفاق على الاطار فانه يصعب أن نرى تنفيذ الافراج عن السجناء وتصبح المسافة من هنا الى تفجير التفاوض قصيرة جدا. يتوقع أن يكون اللقاء بين اوباما وعباس أكثر حرجا من لقائه مع نتنياهو. فبعد أن حصر كيري واينديك عنايتهما في الشهر الاخير في الجانب الاسرائيلي وتوصلا معه الى تفاهمات تتعلق ببعض مواد الوثيقة، تحولا في الاسبوع الاخير الى محادثات مع الطرف الفلسطيني لم تكن ناجحة، هذا اذا لم نشأ المبالغة. وانتهى اللقاءان بين كيري وعباس في باريس في الاسبوع الماضي بصورة اسوأ من صورة بدئهما. فقد رفض عباس أجزاءا كثيرة من اقتراح كيري وقذفه بأمور شديدة وزعم أن الامريكيين كما كانوا في الماضي يعرضون اقتراحات اسرائيلية متنكرة بلباس اقتراحات امريكية. إن عباس واقع في شرك. فقد أراد حينما دخل في تموز الاخير في تسعة اشهر من المحادثات، أراد في الأساس أن يفرج عن الـ 104 سجناء الفلسطينيين المسجونين في اسرائيل منذ الفترة التي سبقت اتفاقات اوسلو. ولم يكن يعتقد أن يصبح للمحادثات مضمون حقيقي ولم يكن يؤمن بأن يوافق نتنياهو على أن يتزحزح ملليمتراً واحدا. لكن كيري لم ينجح فقط في صب مضمون في المحادثات بل نجح ايضا في أن يزحزح نتنياهو. وأصبح عباس يدرك الآن أن التفاوض الذي دخله، وكان دخولا تكتيكيا، أصبح مسارا يوجب اتخاذ قرارات لا عودة عنها، قرارات تلزمه أن يبتلع ضفادع كبيرة جدا كالموافقة الصامتة على الاعتراف بأن اسرائيل دولة الشعب اليهودي. يتعرض عباس لضغط سياسي ثقيل لا يقل عن الضغط الذي يستعمله اليمين على نتنياهو. لأن أكثر القيادة الفلسطينية التي لا تعرف بالضبط ما الذي يحدث في المحادثات بينه وبين الامريكيين تحثه على ترك التفاوض والعودة الى الاجراءات في الامم المتحدة. واذا لم يكن ذلك كافيا فان خصمه محمد دحلان يضربه من الخلف بكل طريقة ممكنة. إن جواب عباس لكيري بـ لا قد يكون ضربة قاتلة للحركة الوطنية الفلسطينية كلها، فقد تختفي حركة فتح بصورة نهائية من الخريطة السياسية وتُدفع قضية الدولة الفلسطينية الى زاوية مهملة في ترتيب الأفضليات الدولي، وبذلك يمنح عباس اليمين الاسرائيلي ونتنياهو جائزة من السماء، فبدل أن يُعرض رئيس وزراء اسرائيل لامتحان حقيقي وبدل أن يلزمه بأن يفصل تنازلاته ويخط لاول مرة حدود الدولة الفلسطينية، سيُمكّنه من أن يعلن على رؤوس الاشهاد بأنه ‘كُشف الوجه الحقيقي للفلسطينيين مرة اخرى’، وتبين مرة اخرى أنه لا يوجد شريك في السلام. ما زال يصعب على الامريكيين أن يقدروا هل ينجحون في جعل نتنياهو وعباس يجيبان بـ نعم على اقتراحهم، لكن اذا حدث ذلك فسيكون ذلك تمهيدا للطريق في مسار السلام بحيث لا يكون من المبالغ فيه أن نصفه بأنه تاريخي. وإن اطارا يحظى بموافقة الطرفين حتى لو أُثيرت تحفظات لحاجات سياسية داخلية، سيضع المسيرة في مكان جديد مختلف تماما عن المكان الذي كانت فيه في العشرين سنة الاخيرة. وسيجري على المصطلح المبُهم ‘التسوية الدائمة’ تبلوُر وستتضح التنازلات التي سيضطر كل طرف الى القيام بها وتُثبت. وسيكون من الصعب الى المستحيل اعادة العجلة الى الوراء. وسيكون من الواجب أن يعتمد كل تفاوض يجري بعد ذلك على خطوط هيكلية واضحة صارمة ولن يُحتاج الى وقت طويل لنعلم الى أين تتجه الامور لأن الامور ستحسم بعد شهر بالضبط.