هذا هو السؤال الذي لن تجد اجابته في مسلسل «الاختيار3»، وهو السؤال الملغم، لدى الطرفين، فالإخوان، ولأنه يعز عليهم أن يتصفوا بالغفلة، فهم يهربون من الاتهام بالقول إن السيسي كان مفروضاً عليهم، وإنهم كانوا يعلمون منذ اليوم الأول، أنه عدو لا حبيب، وإن أجهزة الدولة كانت خارج السيطرة، وهم كانوا على دراية بذلك، فكان طبيعياً أن يواجهوا بسؤال: ولماذا لم يصارح الرئيس محمد مرسي الشعب بذلك؟!
أحد الذين كانوا في دولة الرئيس استهان مؤخراً بهذا السؤال وظن أنه أتى بالذئب من ذيله، وهو يرد على السؤال رداً طويلاً عريضاً فينبثق من السؤال سؤال مفاده: وأين هو الشعب؟!
وهو رد يتجاهل أن فكرة الشرعية تدور حول أن الرئيس منتخب من الشعب، وإذا فقد انحياز الأغلبية له، فلا معنى لها، لأنه ليس في موقعه بحكم كونه خليفة للمسلمين، له في رقابهم بيعة، لكنه العقل المأزوم، الذي يخرج بصاحبه من حفرة ليهوي به في بئر، عندما تصبح السياسة كهواية التزحلق على الجليد!
في حالة السيسي، ولأن الاتهام الشائع أنه خان الرئيس، الذي وثق فيه واختاره تحديداً من بين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولأن مسلسل «الاختيار3»، هو للعلاج النفسي من الصدمات، فكان لا بد من حل لهذا الإشكال، في مشهدين، وربما أكثر!
فضلاً عن أن ثقة الرئيس محمد مرسي فيه، لا بد من أن يكون مبعثها خيانته للمجلس العسكري، ولقائده المشير طنطاوي، الذي كان يعامله على أنه ابنه، وهو ما قاله المشير نفسه في التسريبات الحية واللقاء الذي جمعه بالدكتور محمد مرسي، وهو التسريب الذي روجوا له بدعاية أن مرسي جاء ليهدد بحرق البلد مقابل الكرسي!
ورواية الإخوان قبل أن يجري تحريفها لزوم المناكفة السياسية، كانت تقول إن اختيار الرئيس محمد مرسي له لم يكن من فراغ، فهو الذي أخبره بمخطط الاعتداء عليه في جنازة شهداء مذبحة رفح، ومن ثم تراجع عن الحضور، كما أن هذه الرواية تكتمل بالأحاديث التي خرجت من القصر الرئاسي ممن قالوا إنهم شهود عيان عن هذا التودد الذي كان يظهره الفريق أول عبد الفتاح السيسي للرئيس محمد مرسي!
مستعد للاستقالة
المشهد الأول هو الخاص بتعيين عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع وعزل المشير طنطاوي، واللافت هنا أن المسلسل غيب تماماً رئيس أركان الجيش المصري الفريق سامي عنان، وهو جزء من مشهد العزل، فقد كان حاضراً مع المشير في لقاء الرئيس في القصر الجمهوري، وهناك أبلغا معاً بقرار عزلهما.
وهذا المشهد اكتمل بلقاء السيسي مع طنطاوي في مكتب وزير الدفاع بعد العزل والتنصيب، وهو يقسم بأنه على استعداد للاستقالة حالاً إن كانت هذه رغبة المشير، وهو من المشاهد القليلة التي استخدمت فيه الحبكة الدرامية. فرد المشير يشبه إشارات رجال المخابرات فألمح دون أن يصرح، بأن ما جرى متفق عليه، ولأن السيسي رجل مخابرات بالفطرة، فقد استوعب هذه الإشارات وانفرجت أساريره!
وإذا كانت كل قوى الثورة قد احتفلت بقرار عزل طنطاوي وعنان، في يوم من أيام الله، فعندما وقع الخلاف، وصار بأس الثوار بينهم شديداً، جردوا الرئيس محمد مرسي من هذا القرار الشجاع، ورددوا ما قالته الدولة العميقة مبكراً بأن عنان وطنطاوي رفضا التعاون مع مرسي ورشحا له أدناهم استعداداً لهذه اللحظة التي يعدون فيها خطتهم لعزله!
بيد أن هذا المشهد والرسائل التي أرسلها، أوجدت ثغرة تتمثل في أنه إذا كان قرار العزل والتنصيب حدثا باتفاق مع الرئاسة، أو بفرضه على الرئاسة، فكان ينبغي أن يكون الاتفاق عليه في البداية، لا أن يذهب السيسي بعد حلف اليمين ليعرض استقالته على المشير المعزول، والأصل أن اختياره جزء من اتفاق، ولما استدعى الأمر ألا يكون معهما فيستقيل المشير والفريق ويشهدا حلفه لليمين، ثم يهنئاه بذلك، لكن الواقع، لا المسلسل، يقول إنهما لم يحضرا ما تم ليلاً، من الاحتفال بليلة القدر، حيث ألقى الرئيس خطابه، والحفل كان معداً سلفاً!
وهذا الغياب، هو ما اعتبرته وقتئذ قرينة بأنه عزل وليس استقالة، هذا بجانب ما جاء في خطاب الرئيس من أنه يتوخى في قرارته مصالح الوطن وليس الاضرار بأحد، ولو كان الأمر أمر استقالة قدمت وقبلت، وأمراً صدر من القيادة العامة للقوات المسلحة ونفذه الرئيس، لما احتاج إلى كل الشرح الذي قاله في هذا الخطاب، وكان الناس يحتفلون بشجاعة الرئيس، بينما فريق منهم كان يضع يده على قلبه خوفاً من انتقام من تم عزلهما. وقد قلت منذ اللحظة الأولى أنهما لن يفعلا شيئاً، بناء على دراسة مستفيضة لأزمة السادات مع مراكز القوى، وكان من ضمنهم الفريق محمد فوزي، وزير الحربية، فضلاً عن التكوين الشخصي للمشير والفريق، والذي كان من أسباب اختيار مبارك لهما!
التفريط في الأرض
المشهد الثاني، هو الذي جمع خيرت الشاطر بالمرشد العام للإخوان في حضور أحد القانونيين من أعضاء الجماعة، بعد فشل مخططهم في تملك أهالي غزة لأراضي سيناء فتمت سرقة ماكينة طبع البطاقات الشخصية واستخراج بطاقات تفيد أنهم مصريون، وشاهدنا السيسي وهو يقسم بالحفاظ على التراب الوطني ولن يمكنهم تملك أراضي مصر، وكان قد أصدر قراره بعدم بيع أراضي سيناء للأجانب!
ولأن «الاختيار3» مسلسل – كما قلنا – للعلاج النفسي، فكان مشهد الاعتزاز بالأرض، وإن كان فتح المجال مرة أخرى للحديث الساخر عن التفريط في جزيرتي «تيران» و»صنافير»، فضلاً عن أن هذا المشهد كان بعد أيام من قرار السيسي نفسه بالسماح للأجانب بالتملك في بعض المناطق، ومن بينها مناطق في سيناء!
في المشهد التمثيلي، تحدث خيرت الشاطر فقال بضرورة عزل السيسي، الذي يقف حجر عثرة أمام مخططاتهم، وعلق المرشد بأن ليس في يد الرئيس ذلك دستورياً!
فالمشهد يريد أن يقول إن وجود السيسي قدر، وليس بإرادة الرئيس محمد مرسي، مع أنها سلطة خالصة للرئيس، فقد كبل المشير طنطاوي الرئيس قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بإعلان دستوري يجعل العزل والتعيين لقيادات الجيش من سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو الإعلان الذي صدر بتاريخ 17 يونيو/حزيران 2012، وقد ألغاه الرئيس بالإعلان الدستوري في 12 أغسطس/آب 2012، وبمقتضى هذا الإلغاء عزل طنطاوي وعنان وعين السيسي وزيراً للدفاع، وإن كان الرئيس تجاوز إعلان المشير عملياً بعزله قائد الحرس ومدير الشرطة العسكرية يوم 8 يوليو/تموز!
قبل انتهاء حلقات المسلسل، فالاختيار3 مطالب بالإجابة على سؤال، ما هي الأعمال التي قام بها الفريق أول عبد الفتاح السيسي جلبت له ثقة الرئيس فيه كاملة. لا وقت للمناورات!
أرض- جو:
يسأل البعض عن السبب الذي يجعل هيئة البريد المصري تدفع لعمرو دياب خمسة عشر مليون جنيهاً في إعلان لها في القنوات التلفزيونية في شهر رمضان، بجانب قيمة الإعلان؟ واعتبره البعض نوعا من السفه، لهيئة حكومية، تعاني مكاتبها من تكدس المتعاملين معها بعد توسع أنشطتها، لا سيما قيامها بصرف المعاشات في كل شهر، والاجابة إن مثل هذه الإعلانات، تفرض على الهيئات المختلفة، لتحمل جانباً من تكلفة الإنتاج الدرامي الفاشل للأجهزة السيادية، وتعد الاستعانة بعمرو دياب في إعلان يمكن أن يقوم به غيره بأجر أقل من هذا بكثير، هو لاستكمال لحالة السفه. لقد ارتقى رئيس الهيئة سلم المجد، وهو يصافح فنان الأجيال عمرو دياب، وكله على حساب الزبون الذي هو المواطن!
٭ صحافي من مصر
مبدع كالعادة يا استاذ عزوز … أسلوب ولا أروع.. سواء بالالقاء او في الكتابة .