صحيح أنّ كتّاب العالم العربي وشعراءه، يكتبون بلغة «واحدة» هي الفصحى، أو ما نسمّيه «العربيّة الأدبيّةّ، وأنّ تفرّد هذا النصّ أو ذاك؛ ليس تفرّدا خالصا ولا هو وقف على استقلال ذات متكلّمة تؤدّي اللغة بحرّية مطلقة. فالكلام من حيث هو أداء لغويّ ذاتيّ خطاب اجتماعيّ، سواء امتثل لعمل اللغة التّعاقديّ والإيديولوجيّ أو لم يمتثل. والمقول (الملفوظ) الأدبيّ، مهما تكن أصالته أو غرابته، إنّما يتأدّى من تلقاء نفسه، على تأليفات قائمة، مثلما هو يتمايز عنها في الآن. وفي سياق كهذا يمكن أن نتقصّى خصائص الكتابة الأدبيّة، وأن نقف على الإكراهات التي تعترض حرّية فعل الذّات وتكبح غلواءها. فالكلام هو أداء اللغة الذي تصنع به، مثلما هو تبادل أو فعل مشترك يتألف من المظهر المزدوج مظهر صناعته ومظهر تأويله. وهو من ثمّ، يتيح لنا أن نلمّ بمظاهر الذاتيّة و»التّذاوت «في النّصّ. وربّما أسعفتنا «التّداوليّة « في إظهار الكيفيّة التي يعقد بها الكلام علائق شتّى بين المتكلّمين على هذه الآداب العربيّة، وهي ممّا يجمع ويفرّق، ويجعل القراءات التي تتسابق وتتبارى في الوقوف على دقائقها والكشف عن أسرارها، تتجاذب على قدر ما تتدافع. فنحن في هذا إنّما نراعي النصّ في خصيصته الحواريّة: ما هو راجع منها إلى علائقه التخاطبيّة القائمة فيه وبه، وما هو راجع إلى علائقه بنصوص أخرى يجاذبها وتجاذبه على مقتضى التداخل النّصّي والتداخل اللغوي معا (مؤثّرات اللغات الأجنبيّة واللهجات المحليّة).
فما هي الحدود الفاصلة/ الواصلة بين عربيّة المصري نجيب محفوظ مثلا والتونسي محمود المسعدي او المصري اللبناني بشر فارس، أو بين عربيّة العراقي سعدي يوسف وعربيّة الفلسطيني محمود درويش، أو بين عربيّة السوري أدونيس وعربيّة المغربي محمّد بنّيس، أو عربيّة الجزائري واسيني الأعرج والتونسي الحبيب السالمي، أو عربيّة الفلسطيني غسّان كنفاني واللبناني إلياس خوري؟ بل أليس في هذا الاستعمال اللغوي «المختلف» أو «المتنوّع»؛ ما يؤكّد أنّ الكلمة لا تمضي على ثبات وديمومة واطّراد؛ وإنّما تغيّر ما بنفسها توسيعا او تقييدا أو تحويلا؟
فهذه «العربيّات» يجري أكثرها على أصول العربيّة وقوانينها في اشتقاق الصّيغ وتصريفها. وهو مظهر ممّا نسمّيه «شعريّة اللغة «حيث ترد الكلمة في سياق من مشتقّاتها. والمقصود بهذه الشّعريّة هو التّنويع الشّعريّ/ الإنشائي على ما نسمّيه «جذرا» في نظام اللغة، أو أصلا أو «ثابتا»؛ حتّى لَيمكن القول أنّ التّحوّل الأدبي، هو في جانب منه، من تحوّل اللّغة الدّاخليّ: فـ» الاصل» في العربيّة صامت يتكوّن من صوامت فحسب هي «الدّال»، وما يقدحه في الذّهن من فكرة عامّة أو صورة ذهنيّة هي مدلوله. على أنّ «الأصل» لا يوجد لذاته أو بذاته، بل هو ليس سابق الوجود. فهو جزء من كلمات «مختلفة» تتأدّى في حيّزه بوساطة المصوّتات التي تضفي على الكلمة معناها أو مدلولها، على أساس من طابع المصوّت وكميّته، أو مدّته من حيث الطّول والقصر. وعليه فإنّ المصوّتات هي التي تنهض ببناء الكلمة المصوغة؛ على نحو يتيح لنا الرّجوع إلى «صورتها» أو «وزنها» أو «صيغتها» أو «بنائها.
والحقّ لابدّ من دراسة متأنية توضّح الكيفيّة التي يستثمر بها الكاتب/ الشاعر»نظام التّحوّل الدّاخلي» في العربيّة، حيث إدخال المصوّتات داخل الأصل طريقة أساسية من خصائص الفصحى، وإضافة هذه المصوّتات مقيّدة بطابع المصوّت وكمّيته. ولا يوقفنا هذا النّظام نظام «التّحوّل الداخلي» على الهيئة التي تتّخذها العلامة وعلى قواعد تنسيقها فحسب، وإنّما يبين أيضا عن وظيفة التّركيب في نظم المعنى وتنظيمه. فإنتاج معنى مختلف من الفعل المزيد مثلا؛ إنّما ينجم عن النّظام المتعلّق بوحدتين لغويّتين، أو أكثر بحيث ننتقل من الثّلاثي بشتّى معانيه؛ إلى المزيد بسائر معانيه المستحدث الذي يمكن أن يكون من أثر الدخيل، أو اللغة الأجنبيّة.
وهو في تقديرنا معنى مزيد أو فضل معنى أو توسّع في معنى الملفوظ وإفاضة، بل هو عبور من الكلام إلى اللّغة نفسها، إذ يطعّم الكلمة بما ليس منها مطابقة أو تضمّنا والتزاما. وليس أصعب من هذا العبور الذي هو بمثابة وضع لغويّ فهو لا يكون إلا إذا ترضّى ذائقة الجماعة وحظي بموافقتها. ذلك أنّ اللّغة نتاج اجتماعي وملْك الجماعة التي تتكلّمها. وبالتّالي فإنّ سلطة الفرد على الدّليل اللّغوي جدّ محدودة. والحقّ أنّ هذه الظّاهرة قديمة في الشّعر العربيّ. وقد ذكر حمزة بن الحسن الأصفهاني أنّ المولّد لها قرائح الشّعراء؛ وعلّلها بالضّرورات التي يمرّ بها الشّاعر في المضايق التي يدفع إليها عند حصْره المعاني في بيوت ضيّقة المساحة أو بسبب العنت الذي يلحقه عند إقامة القوافي التي لا محيد له عن تنسيق الحروف المتشابهة في أواخرها. وقد ساق أمثلة طريفة للتّدليل على أنّ استيفاء حقوق الصّنعة يدفع الشّاعر إلى «عسف اللّغة بفنون الحيلة». أمّا بالحذف أو الزّيادة في أمثلة الاسماء والأفعال، أو بتوليد الألفاظ… مثل توليد لغة أخرى في «الشّكر» عند طرفة، بإحلال حرف محلّ حرف: شكم وشكد، أو «الجرد» « مكان الجرذ في قصيدة العلاف البغدادي ( ت 318هـ) الشّهيرة، في رثاء هرّ له ـ وهي في تقديرنا نمط من التعبير الكنائي «الرمزي»، أو ما قيل عن ابن أحمر الباهلي (ت35هـ) من أنّه جاء بأربعة ألفاظ لا تُعرف في كلام العرب ولا في شعرهم وهي: «ماموسة» للنّار ،و»بابوس» للنّاقة، و»تنسّ» بمعنى تأخّر، و»الأربة» لما يلفّ على الرّأس. وكذلك ما كتبه الجاحظ عن اللّكنة كأن يدخل المتكلّم حرفا أعجميّا في حرف عربيّ وتجذب لسانه العادة الأولى إلى المخرج الأوّل.
يتوهّم كثير أو قليل منّا أنّ للكلمة المكتوبة مزايا ثابتة، أو أنّها خِلْو من الصّوت أو الجرس أو الإيقاع، أو أنّ النصّ المكتوب كتابة خالصة. ونحن كثيرا ما نضفي على الكلمة مزايا نتصّور أنّها مصدر غناها وبقائها، ونقول بدوامها وقيمتها «اللامحدودة» في أن تكون ماثلة أبدا في مختلف الأزمنة ومتباعد الأمكنة؛ أو بقدرتها، من حيث هي أداة مادّية مرئيّة، على ترتيب الواقع وتنظميه من جهة، وعلى أن تكون هي نفسها قابلة لقراءة ثانية، من جهة أخرى. والأمر في فنون القول، لا يجري على وتيرة من هذه «المسلّمات» فالكلمة في الشعر مثلا محكومة بمكّونات الإيقاع وطرائق الإنشاد، مثلما هي محكومة بالخطاب الذي ينتظمها وبسياق استعمالها و»مقام تلفّظها «، موسومة أبدا بذاتيّة كاتبها. وقول بعض المعاصرين (ليون بول فارغ) في «مقدّمة لتحليل القصيد»: ليس ثمّة ذوات (في القصيدة) وإنّما ذات واحدة هي ذات الذي يكتب»، لا يخلو من بعض تمحّل واعتساف.
فمن الرّجاجة بمكان أن نقول إنّ الخطاب تؤدّيه ذات فرد محكومة بهذا المقام الذي يسمّيه المعاصرون deixis La أي [القول] أو [القولمُ] كما اقترح عليّ أحد زملائي. والمقصود به ـ باختصار مخلّ لا ريب ـ عالم الذّات التي تعقدعلاقة بين المقول (الملفوظ) وفعل القول (التّلفّظ).
وهو رأي تعزّزه هذه « الأنا» التي تتكلّم في النصّ، سواء أفصحت عن نفسها بضمير المتكلّم، أو بصيغة من صيغ «الالتفات»، أو حتّى بصيغة المبنيّ للمجهول. ولكنّ وضع هذه الذات متّصل كأشدّ ما يكون الاتّصال، بوضع المخاطب. وسلطتها وهي التي تحتاج إلى الآخر وتستدعيه، سلطة نسبيّة أو هي قاصرة، الأمر الذي يسوق إلى القول بنوع من «إنشائيّة التّلفّظ» التي تعاين الكتابة من حيث هي إجراء لغويّ مشترك، والقراءة من حيث هي مشاركة فاعلة يتحصّل فيها المعنى من تبادل سلطتين فأكثر.
فمن رجيح القول إذن أن نقرّر أن هذه الذات الفرد هي في الحقيقة ذات جمع، خاصّة في النصوص التي تتراءى بها طيوف ذوات متدافعة متزاحمة؛ حيث الخطاب يقوم على تجاذب هو أشبه بتجاذب حركتين متموّجتين من» تردّد» واحد، أو هو محكوم بنوع من «التّخلّق» أو التبدّل في نسيجه، أو ما يمكن أن نسمّيه «متغيّرات العلامة المكتوبة».
إنّ النّص أو المتن أو الملفوظ، إنّما يُنظر فيه من جهة بنائه أو تركيبه اللّغويّ، ومن جهة شروط إنتاجه أو صناعته. وهذا مفهوم يُفترض أن نأخذ به ونأنس إليه في أيّ قراءة، لاحتفائه بمظاهر القول أو «التّلفّظ» من جهة، ولأنه يتيح لنا أن نباشر النصّ العربي الحديث شعرا كان أو رواية؛ من حيث هو خطاب «قلق» في ذاته وفي مراتب تقبلّه، من جهة أخرى. وما نقوله وصف محايد وليس حكم قيمة. فالآداب العربيّة الحديثة، لم تستقرّ بعد، وماتزال «ثقافتنا» ثقافة مرتبكة؛ بل هي تكاد تكون «سايكس بيكو الأدب العربيّة» منذ أن نشأ هذا «الأدب العربي الحديث» في مركزيه الأوّلين: بلاد الشام ومصر. وهي تثير من الأسئلة، أكثر ممّا تجترح من الأجوبة.
هل هناك علاقة ما بين تاريخ اليوم 5/6/2015 وبين سايكس وبيكو وتاريخ 5/6/1967، ثم هناك حكمة للعرب تقول “وفسّر الماء بعد الجهدِ بالماء” تلخص عنوانك وما أنهيت به مقالك بالتالي “فالآداب العربيّة الحديثة، لم تستقرّ بعد، وماتزال «ثقافتنا» ثقافة مرتبكة؛ بل هي تكاد تكون «سايكس بيكو الأدب العربيّة» منذ أن نشأ هذا «الأدب العربي الحديث» في مركزيه الأوّلين: بلاد الشام ومصر. وهي تثير من الأسئلة، أكثر ممّا تجترح من الأجوبة.” يا المنصف الوهايبي.
فما فهمته من وجهة نظرك هو أنَّ مثقف دولة “الحداثة”، ليس له علاقة بالعرب ولا بلغتهم، بسبب محددات سايكس وبيكو التي حدّد بها تفكيره حسب كلامك؟! وتعليقا على ذلك أقول:
أنا لاحظت وكأنَّ لغة الاستقراء والاستنباط (الحِكْمَة) تتعامل وفق مبدأ لا يعلم بالنيّات إلاّ الله، في حين لاحظت لغة التأويل (الفلسفة) تتعامل وفق مبدأ ليس أنها تعرف بالنيّات بالنسبة لجميع البشر فقط من خلال التأويل، لا بل وحتى الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله عندما تتكلم عن المقاصد الشرعية أو الإسلام الوسطي/الفلسفي، أي جعل هناك أكثر من إسلام تطبيقا لتقسيمات أرسطو وأفلاطون وغيرهم من فلاسفة الإغريق والفرس والهنود وغيرهم، فهل هناك تعدي على الله وحقوقه أكثر من ذلك؟! ولذلك أنا لا أظن يجب تكريم أي ثقافة وأي ابداع حصر نفسه في الـ أنا (البلطجيّة/الشبّيحة/المستعربين/المخزن) بعيدا عن الـ نحن (مقاومة الجهل والظلم والاستعباد والذل)، المشكلة ليست في الاسلام مع الإبداع، ولكن كل المشاكل تظهر ممن يقوم بفلسفة الإسلام ليُرضي بها النخب الحاكمة من أجل سد حاجات الـ أنا وهذا بالتأكيد على حساب الـ نحن.
العولمة والتقنية وأدواتها فرضت تحديات حقيقية على دولة “الحداثة” إلى درجة وكأنّها تعاني أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة لأرسطو وأفلاطون والتي عليها تم بناء فلسفة دولة “الحداثة” أو النظام البيروقراطي، خصوصا بعد انهيار نظام الديون الربوي ما بين المصارف والبنوك عام 2008، وفي نفس العام رمى منتظر الزيدي حذاءه على ممثلي النظام الفاسد، وكأنَّ العولمة والتقنية وأدواتها تقول لنا أنَّ الشعب يُريد اسقاط النظام الذي يُنتج مثقف وسياسي وتاجر فاسد/عاهر أو بلا أخلاق ولا إنسانية.
وأقول لمن يبحث عن فكفكة الصورة لتشخيص اساس مشاكل المواطن بسبب مزاجيّة وانتقائيّة من يحمل مقص الرقيب في دولة “الحداثة” والتي تمثل ثقافة الـ أنا، فالعولمة وأدواتها التقنية فرضت تحديات حقيقية على دول “الحداثة” لجميع أعضاء نظام الأمم المتحدة البيروقراطي، منها الشفافية واللامركزية من خلال الاستعانة بالآلة لتقليل تكاليف تكوين فروع من أجل تقديم خدمات الدولة في أبعد نقطة في الدولة إن كانت قرية أو ناحية أو مدينة أو محافظة أو إمارة.
وأي دولة رفضت التعامل بشفافية ولا مركزية تعاني الآن أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة التي تم بناء دولة “الحداثة” عليها في رمزية عجيبة غريبة، وتتبعها البرتغال واسبانية وإيطاليا بل وحتى فرنسا وكذلك بريطانيا، بالرغم من عضويتهم في الاتحاد الأوربي.
هناك حكمة عربية تقول “اليهودي لمّا يُفلس يبحث في دفاتره العتيقة”، والدعارة أقدم مهنة كما قال عنها مناحيم بيغن رئيس الكيان الصهيوني في دفاعه عن العاهرات، ومن حرّر اليهود من السبي البابلي كان الإمبراطور كورش، وإيران مهد الفلسفة الزرادشتية ولذلك كان يُكرّر “أحمدي نجاد” في مقابلته على فضائية السي أن أن عند زيارته نيويورك “نحن نختلف عن العرب، نحن لدينا منطق”، فلذلك من المنطقي والطبيعي لكل النخب الحاكمة في إيران بعد 8/8/1988 ستعمل كل جهدها من خلال الرشوة من كل الأنواع لإفساد أي جيش وأجهزة أمنية في الدول التي تحيطها إن كان أفغانستان أو العراق وحتى سوريا ولبنان وبقية الدول التي لها تأثير وأذرع فيها، من أجل منع حدوث أن يأتي حاكم مثل صدام حسين ويهزمها مرة أخرى، وهذا ما لاحظت لم ينتبه له المثقف والسياسي والتاجر في دولة “الحداثة” بشكل عام.
أنا لاحظت أنَّ ما يُميّز الأمريكان عن الأوربيين وبقية قيادات النظام البيروقراطي لدول الأمم المتحدة، في قياداتهم هو هناك حكمة أمريكية تقول “كل تاجر جيد سيكون بالتأكيد سياسي جيّد، ولكن ليس شرطا أنَّ كل سياسي جيّد سيكون تاجرا جيدا” ولذلك أصبح من العرف المتداول أن لا يتم السماح لأي منصب يتم التعيين به على أسس سياسيّة لمن لم يملك خبرة تجارية، ويراقب ذلك ويُصادق على التعيينات التي تقترحها كل إدارة جديدة، تستلم البلد بعد خروج نتائج الانتخابات، مجلس الأمة الأمريكي، أظن لتقليل تأثير الدعارة السياسيّة إلى أقل قدر ممكن.
القلق أو الشك سببها الفلسفة، حيث الفلسفة تقول الفكر أولا، بينما الحكمة تقول أنَّ اللغة أولا، ومن يرغب أن يتطور، يجب أن يتجاوز الفلسفة ويعتمد الحكمة، مشروع “صالح” سيكون باللغة الأم لكل من سيحضر دوراته، لأننا نعتمد كل لغات العالم، العولمة والتقنية وأدواتها فرضت تحديات حقيقية على دولة “الحداثة” إلى درجة وكأنّها تعاني أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة لأرسطو وأفلاطون والتي عليها تم بناء فلسفة دولة “الحداثة” أو النظام البيروقراطي، خصوصا بعد انهيار الديون ما بين المصارف والبنوك عام 2008، وفي نفس العام رمى منتظر الزيدي حذاءه على ممثلي النظام الفاسد في بغداد هارون الرشيد، بلاد وادي الرافدين (والتي تشمل العراق وسوريا وتركيا حاليا)، مهد الحضارات الإنسانية، في رمزية عجيبة غريبة، وكأنَّ العولمة والتقنية وأدواتها تقول لنا أنَّ الشعب يُريد اسقاط النظام الذي يُنتج مثقف وسياسي وتاجر فاسد، لا يحترم لغته الأم إن كان في ما ورد في قواميس وهيكل لغتها فيما ينتجه تحت عنوان الإبداع وهو إلى الابتداع أقرب.
ولذلك من وجهة نظري من لا يستطيع التمييز والتفريق ما بين الإبداع والابتداع أو ما بين الحداثة والتحديث والتطوير والتقدّم لا يحق أن يكون له كرسي، في أي شيء له علاقة بالإدارة أو التسويق فكيف الحال بمعايير الجودة أو النقد من أجل التطوير بعد ذلك من الأساس.
ولذلك أول خطوة في مشوار الألف ميل للإصلاح يكون من خلال التأكيد على المثقف والسياسي والتاجر بالإضافة إلى رجال السّامري للدولة العميقة (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) الاعتراف والتسليم والتعامل بجدية مع موضوع أنَّ الآلة أصبحت جزء حقيقي في الدولة، ولا يمكن لأي موظف أن يستغني عنها في أداء وظيفته، حيث أنَّ آخر خلاصة جهود الحكمة البشرية، كانت العولمة بأدواتها التقنية وعلى الجميع الاعتراف والتعامل بواقعية مع الآلة وتقنيتها بأسلوب مهني ومحترف بداية من مناهج التعليم.
ولذلك لكي يكون هناك تكامل وتعايش إنساني ما بين أي مجموعة من البشر في أرض محددة المعالم، يجب أن تكون أي دولة تمثل اللُّغة لذلك المجتمع، وعلى جميع من وافق على الإقامة في أرض الدولة، أن يلتزم بمعنى المعاني الموجودة في قواميس لغة البلد، ويلتزم في محادثاته للتواصل مع الـ آخر وتعاملاته اليومية بهيكل اللغة العام، ولكن الإشكالية لقد تم تداخل أكثر من لغة، وهذا زاد من اشكالية الضبابيّة اللغوية، إن كان من ناحية لغة الدولة أو لغة الـ أنا ولغة الـ آخر داخل نفس الدولة.
ولذلك من يرغب أن يجنّب الجيل القادم ما يواجه أهل “اليونان” الآن، من شبح الإفلاس، بالرغم من كونها عضو في الاتحاد الأوربي كما هو حال البرتغال واسبانيا وإيطاليا وفرنسا بل وحتى بريطانيا، أو الإنهيار كما إنهار الاتحاد السوفيتي في نفس توقيت تكوين الاتحاد الأوربي، يجب التفكير في تغيير جميع مناهج التعليم في دولة “الحداثة”، فالمناهج الحالية تنتج لنا “مفاوض جيد” ولكن في عصر العولمة وما فرضته من أهمية للـ (الوقت واللغة والترجمة) أصبح لزاما على مناهج التعليم أن تُنتج “مُنجز اتفاقيات جيد” أسرع من غيره، هذا إن أراد المنافسة في أجواء العولمة لتغطية مصاريفه والدولة من بعد ذلك، وقد جمعت الكثير لتشخيص هذه الإشكالية تحت عنوان (لماذا الحكمة تبني بينما الفلسفة تهدم؟!) ومن يرغب بحلول فليبحث على يوتيوب عن (مشروع صالح لتطوير الحوكمة الرشيدة بإضافة بُعد اللغات).
يتراء لي أنّ مقال الأستاذ منصف الوهايبي كأنّه درس لساني ،فهل لو نعته باللسانيات السايسبيكية العربية. وهذا لعمري لم يكن ليؤثّر في كيان اللغة العربية و وجودها، بيد أنّ الجغرافيا لها دورها في تنازع الألفاظ فنجد الإبدال للحروف من بلد إلى آخر وغيره من الظواهر اللغويّة دون أن يمس من روح اللغة العربية. لم ينجح مشروع سايكسبيكو في قتل اللغة العربية، وإن تنوعت بلاد الأدباء لأنّ الذات العربية واحدة و إن اختلفت في أنساقها.
أرجو لكم المزيد من التألق
هل هناك علاقة ما بين تاريخ اليوم 5/6/2015 وبين سايكس وبيكو وتاريخ 5/6/1967، ثم هناك حكمة للعرب تقول “وفسّر الماء بعد الجهدِ بالماء” تلخص عنوانك وما أنهيت به مقالك بالتالي “فالآداب العربيّة الحديثة، لم تستقرّ بعد، وماتزال «ثقافتنا» ثقافة مرتبكة؛ بل هي تكاد تكون «سايكس بيكو الأدب العربيّة» منذ أن نشأ هذا «الأدب العربي الحديث» في مركزيه الأوّلين: بلاد الشام ومصر. وهي تثير من الأسئلة، أكثر ممّا تجترح من الأجوبة.” يا المنصف الوهايبي.
فما فهمته من وجهة نظرك هو أنَّ مثقف دولة “الحداثة”، ليس له علاقة بالعرب ولا بلغتهم، بسبب محددات سايكس وبيكو التي حدّد بها تفكيره حسب كلامك؟! وتعليقا على ذلك أقول:
أنا لاحظت وكأنَّ لغة الاستقراء والاستنباط (الحِكْمَة) تتعامل وفق مبدأ لا يعلم بالنيّات إلاّ الله، في حين لاحظت لغة التأويل (الفلسفة) تتعامل وفق مبدأ ليس أنها تعرف بالنيّات بالنسبة لجميع البشر فقط من خلال التأويل، لا بل وحتى الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله عندما تتكلم عن المقاصد الشرعية أو الإسلام الوسطي/الفلسفي، أي جعل هناك أكثر من إسلام تطبيقا لتقسيمات أرسطو وأفلاطون وغيرهم من فلاسفة الإغريق والفرس والهنود وغيرهم، فهل هناك تعدي على الله وحقوقه أكثر من ذلك؟! ولذلك أنا لا أظن يجب تكريم أي ثقافة وأي ابداع حصر نفسه في الـ أنا (البلطجيّة/الشبّيحة/المستعربين/المخزن) بعيدا عن الـ نحن (مقاومة الجهل والظلم والاستعباد والذل)، المشكلة ليست في الاسلام مع الإبداع، ولكن كل المشاكل تظهر ممن يقوم بفلسفة الإسلام ليُرضي بها النخب الحاكمة من أجل سد حاجات الـ أنا وهذا بالتأكيد على حساب الـ نحن.
العولمة والتقنية وأدواتها فرضت تحديات حقيقية على دولة “الحداثة” إلى درجة وكأنّها تعاني أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة لأرسطو وأفلاطون والتي عليها تم بناء فلسفة دولة “الحداثة” أو النظام البيروقراطي، خصوصا بعد انهيار نظام الديون الربوي ما بين المصارف والبنوك عام 2008، وفي نفس العام رمى منتظر الزيدي حذاءه على ممثلي النظام الفاسد، وكأنَّ العولمة والتقنية وأدواتها تقول لنا أنَّ الشعب يُريد اسقاط النظام الذي يُنتج مثقف وسياسي وتاجر فاسد/عاهر أو بلا أخلاق ولا إنسانية.
وأقول لمن يبحث عن فكفكة الصورة لتشخيص اساس مشاكل المواطن بسبب مزاجيّة وانتقائيّة من يحمل مقص الرقيب في دولة “الحداثة” والتي تمثل ثقافة الـ أنا، فالعولمة وأدواتها التقنية فرضت تحديات حقيقية على دول “الحداثة” لجميع أعضاء نظام الأمم المتحدة البيروقراطي، منها الشفافية واللامركزية من خلال الاستعانة بالآلة لتقليل تكاليف تكوين فروع من أجل تقديم خدمات الدولة في أبعد نقطة في الدولة إن كانت قرية أو ناحية أو مدينة أو محافظة أو إمارة.
وأي دولة رفضت التعامل بشفافية ولا مركزية تعاني الآن أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة التي تم بناء دولة “الحداثة” عليها في رمزية عجيبة غريبة، وتتبعها البرتغال واسبانية وإيطاليا بل وحتى فرنسا وكذلك بريطانيا، بالرغم من عضويتهم في الاتحاد الأوربي.
هناك حكمة عربية تقول “اليهودي لمّا يُفلس يبحث في دفاتره العتيقة”، والدعارة أقدم مهنة كما قال عنها مناحيم بيغن رئيس الكيان الصهيوني في دفاعه عن العاهرات، ومن حرّر اليهود من السبي البابلي كان الإمبراطور كورش، وإيران مهد الفلسفة الزرادشتية ولذلك كان يُكرّر “أحمدي نجاد” في مقابلته على فضائية السي أن أن عند زيارته نيويورك “نحن نختلف عن العرب، نحن لدينا منطق”، فلذلك من المنطقي والطبيعي لكل النخب الحاكمة في إيران بعد 8/8/1988 ستعمل كل جهدها من خلال الرشوة من كل الأنواع لإفساد أي جيش وأجهزة أمنية في الدول التي تحيطها إن كان أفغانستان أو العراق وحتى سوريا ولبنان وبقية الدول التي لها تأثير وأذرع فيها، من أجل منع حدوث أن يأتي حاكم مثل صدام حسين ويهزمها مرة أخرى، وهذا ما لاحظت لم ينتبه له المثقف والسياسي والتاجر في دولة “الحداثة” بشكل عام.
أنا لاحظت أنَّ ما يُميّز الأمريكان عن الأوربيين وبقية قيادات النظام البيروقراطي لدول الأمم المتحدة، في قياداتهم هو هناك حكمة أمريكية تقول “كل تاجر جيد سيكون بالتأكيد سياسي جيّد، ولكن ليس شرطا أنَّ كل سياسي جيّد سيكون تاجرا جيدا” ولذلك أصبح من العرف المتداول أن لا يتم السماح لأي منصب يتم التعيين به على أسس سياسيّة لمن لم يملك خبرة تجارية، ويراقب ذلك ويُصادق على التعيينات التي تقترحها كل إدارة جديدة، تستلم البلد بعد خروج نتائج الانتخابات، مجلس الأمة الأمريكي، أظن لتقليل تأثير الدعارة السياسيّة إلى أقل قدر ممكن.
القلق أو الشك سببها الفلسفة، حيث الفلسفة تقول الفكر أولا، بينما الحكمة تقول أنَّ اللغة أولا، ومن يرغب أن يتطور، يجب أن يتجاوز الفلسفة ويعتمد الحكمة، مشروع “صالح” سيكون باللغة الأم لكل من سيحضر دوراته، لأننا نعتمد كل لغات العالم، العولمة والتقنية وأدواتها فرضت تحديات حقيقية على دولة “الحداثة” إلى درجة وكأنّها تعاني أزمة وجود، والدليل على ذلك “اليونان” مهد الفلسفة لأرسطو وأفلاطون والتي عليها تم بناء فلسفة دولة “الحداثة” أو النظام البيروقراطي، خصوصا بعد انهيار الديون ما بين المصارف والبنوك عام 2008، وفي نفس العام رمى منتظر الزيدي حذاءه على ممثلي النظام الفاسد في بغداد هارون الرشيد، بلاد وادي الرافدين (والتي تشمل العراق وسوريا وتركيا حاليا)، مهد الحضارات الإنسانية، في رمزية عجيبة غريبة، وكأنَّ العولمة والتقنية وأدواتها تقول لنا أنَّ الشعب يُريد اسقاط النظام الذي يُنتج مثقف وسياسي وتاجر فاسد، لا يحترم لغته الأم إن كان في ما ورد في قواميس وهيكل لغتها فيما ينتجه تحت عنوان الإبداع وهو إلى الابتداع أقرب.
ولذلك من وجهة نظري من لا يستطيع التمييز والتفريق ما بين الإبداع والابتداع أو ما بين الحداثة والتحديث والتطوير والتقدّم لا يحق أن يكون له كرسي، في أي شيء له علاقة بالإدارة أو التسويق فكيف الحال بمعايير الجودة أو النقد من أجل التطوير بعد ذلك من الأساس.
ولذلك أول خطوة في مشوار الألف ميل للإصلاح يكون من خلال التأكيد على المثقف والسياسي والتاجر بالإضافة إلى رجال السّامري للدولة العميقة (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) الاعتراف والتسليم والتعامل بجدية مع موضوع أنَّ الآلة أصبحت جزء حقيقي في الدولة، ولا يمكن لأي موظف أن يستغني عنها في أداء وظيفته، حيث أنَّ آخر خلاصة جهود الحكمة البشرية، كانت العولمة بأدواتها التقنية وعلى الجميع الاعتراف والتعامل بواقعية مع الآلة وتقنيتها بأسلوب مهني ومحترف بداية من مناهج التعليم.
ولذلك لكي يكون هناك تكامل وتعايش إنساني ما بين أي مجموعة من البشر في أرض محددة المعالم، يجب أن تكون أي دولة تمثل اللُّغة لذلك المجتمع، وعلى جميع من وافق على الإقامة في أرض الدولة، أن يلتزم بمعنى المعاني الموجودة في قواميس لغة البلد، ويلتزم في محادثاته للتواصل مع الـ آخر وتعاملاته اليومية بهيكل اللغة العام، ولكن الإشكالية لقد تم تداخل أكثر من لغة، وهذا زاد من اشكالية الضبابيّة اللغوية، إن كان من ناحية لغة الدولة أو لغة الـ أنا ولغة الـ آخر داخل نفس الدولة.
ولذلك من يرغب أن يجنّب الجيل القادم ما يواجه أهل “اليونان” الآن، من شبح الإفلاس، بالرغم من كونها عضو في الاتحاد الأوربي كما هو حال البرتغال واسبانيا وإيطاليا وفرنسا بل وحتى بريطانيا، أو الإنهيار كما إنهار الاتحاد السوفيتي في نفس توقيت تكوين الاتحاد الأوربي، يجب التفكير في تغيير جميع مناهج التعليم في دولة “الحداثة”، فالمناهج الحالية تنتج لنا “مفاوض جيد” ولكن في عصر العولمة وما فرضته من أهمية للـ (الوقت واللغة والترجمة) أصبح لزاما على مناهج التعليم أن تُنتج “مُنجز اتفاقيات جيد” أسرع من غيره، هذا إن أراد المنافسة في أجواء العولمة لتغطية مصاريفه والدولة من بعد ذلك، وقد جمعت الكثير لتشخيص هذه الإشكالية تحت عنوان (لماذا الحكمة تبني بينما الفلسفة تهدم؟!) ومن يرغب بحلول فليبحث على يوتيوب عن (مشروع صالح لتطوير الحوكمة الرشيدة بإضافة بُعد اللغات).
ما رأيكم دام فضلكم؟
يتراء لي أنّ مقال الأستاذ منصف الوهايبي كأنّه درس لساني ،فهل لو نعته باللسانيات السايسبيكية العربية. وهذا لعمري لم يكن ليؤثّر في كيان اللغة العربية و وجودها، بيد أنّ الجغرافيا لها دورها في تنازع الألفاظ فنجد الإبدال للحروف من بلد إلى آخر وغيره من الظواهر اللغويّة دون أن يمس من روح اللغة العربية. لم ينجح مشروع سايكسبيكو في قتل اللغة العربية، وإن تنوعت بلاد الأدباء لأنّ الذات العربية واحدة و إن اختلفت في أنساقها.
أرجو لكم المزيد من التألق