أقول بداية: انهم يتصارعون علينا. نُعيد الضَّميرَين الى اصحابهم: الضمير في «انهم»، يعود إلى أمريكا وإسرائيل وبعض من الحلفاء. والضمير في «علينا» يعود إلى شعوب الأمة العربية قاطبة.. من المحيط الأطلسي الذي كان هادراً، الى الخليج العربي/الفارسي الذي كان ثائراً، في عهد الزعيم المصري العربي جمال عبد الناصر، أيام نشيد «من المحيط الهادرِ، الى الخليج الثائرِ، لبّيك عبد الناصرِ». في هذا الجو تحررت الجزائر، (وقبلها المغرب وبعدها تونس)، من الاستعمار الفرنسي (المباشر). وانسحبت بريطانيا، بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، من محميات ومشيخات الخليج المتصالحة(!) وغير المتصالحة ايضا، ومن اليمن الجنوبي (عدن).
أيامنا غير تلك الأيام، أيامنا.. لا عبد الناصر في مصر، ولا هدير على شواطئ الأطلسي، ولا ثورة في الخليج. بل وما كان استعماراً وإذلالاً ونهباً مباشرا للأرض العربية، غيّر شكله في أيامنا ليصبح استعماراً مبطّناً، وإذلالاً اكثر تحقيراً، ونهباً مباشرا في بعضه القليل، ونهباً من خلال عائلات و«آلات» وفخامات في غالبيته الأعم.
في ذلك الزمان، نجح دافيد بن غوريون في سياسته المعلنة: التحالف مع كل مسلم غير عربي، ومع كل عربي غير مسلم. فتحالف علناً مع إيران الفارسية الشيعية أيام الشاه محمد رضى بهلوي، ومع تركيا (العثمانية) السّنية أيام عدنان مندريس، وتحالف، سرّاً، مع حاكم لبنان كميل شمعون، وأكمل ضلع الطوق الشمالي الشرقي (إيران)، وضلع الطوق الشمالي الغربي (تركيا)، بالضلع الجنوبي، ضلع إثيوبيا، (حيث منابع النيل)، في ايام الامبراطور هيلا سيلاسي، المسيحي القبطي الأفريقي.
في ذلك الزمان، كان لتعبير «الأمة العربية» وقع وتأثير جديّ على ما يحصل من أحداث وتطورات. في هذا الزمان أصبحنا نلفظ تعبير «الأمة العربية» على استحياء، ولا نتفاجأ من نظرة استخفاف وإشفاق لمن تستقبل آذانهم قولنا مُتلبِّسين.
في ذلك الزمان، ردّ بعض الأعراب على «العروبة» برفع شعار «الإسلام». وعندما ثار الشعب الإيراني على طاغيته، الشاه محمد رضى بهلوي، ورفع قائد الثورة الإيرانية شعار «الإسلام»، رد عليه ذلك البعض من الأعراب برفع شعار «العروبة». ليسوا عربا صادقين، وليسوا مسلمين صادقين. إنهم صنائع للمستعمر، لا أكثر.. بل هم عملاء وعبيد، وليس لمستعمرهم فقط، بل ولوكيل مستعمِرهم، إسرائيل.
في ذلك الزمان، كانت طبيعة العلاقة بين أمريكا وإسرائيل وبعض الغرب، من جهة، وإيران الشاه، وتركيا مندريس، واثيوبيا سيلاسي، من جهة ثانية، هي «علاقة تنافس» مبطّن ومخفي، (ومردوع عربيا الى حد بعيد)، بين حلفاء، حول من يهيمن على هذا الجزء أو ذاك من الأرض والوطن العربي، مع تركيز خاص على الجزيرة العربية، لما تحويه من نفط وغاز، وعلى «الهلال الخصيب»، لما يتمتع به من موقع جغرافي، يصل، (أو يفصل)، الشرق عن الغرب.
جاءت ثورة الخميني في إيران، قبل أربعة عقود، وتلتها تطورات في تركيا أوصلت جناح «الإسلام السياسي» هناك الى السلطة منذ عقدين، ويمثله منذ عقد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ولحقت بذلك تطورات في السنين القليلة الماضية في أثيوبيا، لتحول كل هذه التطورات طبيعة العلاقة بين الفرقاء المذكورين جميعا: أمريكا ومعها إسرائيل وبعض دول الغرب، وإيران وتركيا وأثيوبيا، من «علاقة تنافس» بين حلفاء، الى «علاقة صراع» بين متنافسين.
وصلنا هذه الأيام إلى حافة تطور حالة علاقة الصراع بين أمريكا وإيران، الى حالة «علاقة قتال» بين أعداء، وتبادل ضربات عسكرية، يمكن لها أن تتحول الى مواجهات ميدانية، قابلة لجذب أطراف أخرى الى ميدانها، (وربما ميادينها) المتفجرة، وقد تكون إسرائيل هي الأولى بين هذه الاطراف، سواء بمبادرة منها، أو بتحرش إيراني مباشر بها، أو من خلال ميليشيات قوية حليفة لها، تمولها وتدربها وتمدها بالسلاح، وتحدد قراراتها بالتالي، في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بل وربما في قطاع غزة الفلسطيني ايضا.
كان الجنرال قاسم سليماني، رئيس «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، على مدى سنوات عقد كامل، الوجه الأكثر وضوحاً لفلسفة «تصدير الثورة الإيرانية» بنكهتها الطائفية الشيعية، والوجه الأبرز للتمدد الإيراني في الدول العربية
سعت إيران، وتسعى، منذ عقود، لأن تكون قوة إقليمية ذات تأثير عالمي، وهذا بالتأكيد حقها الطبيعي والمنطقي. وهي بهذا تصلح لأن تكون قدوة لمصر، وربما للجزائر، بل وللعراق (قبل ارتكاب زعيمه الراحل لحماقاته القاتلة، وكذلك بعد تعافيه الذي بدأت ملامحه في الظهور قبل أشهر). في عالم اليوم كثير من الدول تشكل قوى اقليمية: المانيا، فرنسا، بريطانيا، اليابان وغيرها، هي قوى إقليمية ذات تأثير عالمي، ولكن أيا منها لا تشكل تهديدا للدول المجاورة لها، وهذا عكس ما هو عليه الوضع في إيران، (وفي تركيا، إلى حد ما، ولكن هذا ليس موضوعنا الآن).
محاولة جعل إيران قوة إقليمية ذات تأثير عالمي، هو الواجب الاول لقيادتها السياسية. لكن شرط مباركة مثل هذا التوجه، هو اقتصار اعتمادها لتحقيق هذا الهدف المشروع، على قواها الذاتية الهائلة والمباركة، من تقدم علمي على صعيد التكنولوجيا المتقدمة في آخر ما وصلت اليه من تطور، ومن صناعات متقدمة جدا على صعيد الصناعة الانتاجية الاقتصادية، وصعيد الصناعات العسكرية بالغة التطور، والاستناد الى ما حبتها بها الطبيعة، من عدد سكان ملائم، ومساحة ملائمة، ومخزون هائل من خيرات في باطن أرضها، إضافة الى تاريخ عريق ومشرّف.
لم تكتفِ إيران بما لديها، وبما تمكنت بقواها الذاتية من احرازه، واخطأت في تبنيها فكرة ومبدأ «تصدير» الثورة الإيرانية، والتمدد الإيراني في الدول العربية. على اننا، في هذا السياق، لا نحمّل إيران وحدها المسؤولية عن هذا الوضع. نحمله أيضا، والى حد بعيد جدا، على ما هو وضع الأمة العربية عليه من هوان، وعن استدراج الطامعين بخيراتها وارضها، متذكرين القول المأثور: «المال السايب بعلّم الناس الحرمنة».
كان الجنرال قاسم سليماني، رئيس «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، على مدى سنوات عقد كامل، الوجه الأكثر وضوحاً لفلسفة «تصدير الثورة الإيرانية» بنكهتها الطائفية الشيعية، والوجه الأبرز للتمدد الإيراني في الدول العربية.
على أن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، باغتيال قاسم سليماني، هو عملية مقامرة أكثر منها مجرد مغامرة، حيث أن.. «التعامل بشكل صحيح مع إيران القوية والحازمة، يحتاج امتلاك الخبرة والمعرفة والقدرة على التقدير،..ويحتاج دقّة وصبراً وأعصابا قوية، وهذه كلها ميزات غير متوفرة لدى ترامب، ولا هي في مستودعه الشخصي،.. ولهذا السبب يمكن فهم دواعي كثير من الأمريكيين الى الشعور بالقلق، أكثر من الشعور بالفرح»، على حد تعبير الكاتب الإسرائيلي، حيمي شاليف، في هآرتس يوم الاحد الماضي.
ذهب بعض المحللين والكتاب في أمريكا، إلى إدراج عملية اغتيال سليماني، في درجة أعلى بكثير من عمليتي اغتيال زعيمي القاعدة وداعش، اسامة بن لادن وابو بكر البغدادي. بل وصل ببعض هؤلاء القول أنها توازي عملية اغتيال ايسوروكو ياماموتو، قائد الأسطول الياباني في الحرب العالمية الثانية، سنة 1943.
في هذا السياق، يجدر بنا ان نتوجه بالنصيحة الى القيادة الإيرانية، لدراسة خطواتها في الرد على هذه الجريمة الأمريكية بقوة وحزم انتصارا لكرامتهم ومصالحهم، دون التورط بإعطاء أمريكا المبرر لتكبيد إيران خسائر لا طاقة بها لتحملها.
قائد الاسطول الياباني الذي اغتالته أمريكا، كان قائد ومهندس الهجوم على الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر، يوم 7.12.1941، حيث نجح خلال ساعتين، وفي هجوم مباغت بمئات الطائرات، من تدمير وإغراق سبع بوارج وثلاث مدمرات وعدد من الطرادات وغيرها من السفن، اضافة الى اغراق وتدمير 344 طائرة وقتل أكثر من خمسة آلاف جندي أمريكي.
هذا الانتصار السريع المذهل، مكّن اليابان من الهيمنة على كامل المحيط الهادي، واحتلال واستعمار العديد من الدول فيه وعلى شواطئه. لكن الرد الأمريكي كان الدخول بقوة في الحرب العالمية الثانية، والانضمام الى «دول الحلف»، واعلان الحرب على «دول المحور» وصولا الى الحاق هزيمة ساحقة باليابان وغيرها، والقاء اول قنبلتين ذريتين على هيرو شيما وناغازاكي.
لا يجوز للخوف من قوة أمريكا أن تتردد إيران في الانتقام ردا على الجريمة الأمريكية. لكن المطلوب من مرشد الثورة الإيراني، علي خامنئي، أن يكون أكثر حكمة من امبراطور اليابان، ولكل واحد منهما علاقة متميزة بالسماء، في نظر شعبيهما.
ما زالت المرحلة الحالية في بداياتها المبكرة جدا. ويبقى الباب مفتوحا على احتمالات شتى.
لكن، وفي النهاية، لا يجوز لأي عربي ان ينسى او يتجاهل حقيقة ازلية: إيران دولة مجاورة وملاصقة لعالمنا العربي، ومهما تلبدت الغيوم في هذه المرحلة، ومهما بلغت عواصفها من الحدّة، فهي الجار الذي تلتقي مصالحنا ومصالحه في بناء علاقات تعاون وحسن جوار. يذهب كل الحاكمين من الجانبين، وتبقى الشعوب ذات المصلحة في الهدوء والاستقرار والازدهار. ويخطئ ويسيء كل من يتعامل مع الجريمة الأمريكية باغتيال قاسم سليماني بشماتة.
كاتب فلسطيني
الحضارة الفارسية كتبت شهادة وفاتها بقدوم نظام الملالي، ولايمكن لإيران اليوم الانتشار، وبسط نفوذها إلا عن طريق الدم.
تصدير الثورة أخطر مما قد يتوقع البعض، فمفهومها عند نظام الملالي، خاصة فيما يتعلق بفلسطين بصفة خاصة، والأراضي المقدسة بصفة عامة، يتجلى في إضفاء الطابع الشيعي على هذه الأماكن، وربما حتى على سكانها، وإقامة الحسينيات وباقي الطقوس الأخرى.
عنوان المقال ودلالته وما فيه من الانتقام الامريكي مهما طال الزمن من الخصم ؛ يتناقض مع مضمون المقال القائم على الصمود والتصدي ؟
الصين استسلمت للعالم الحر وتبنت اقتصاد حر وجنت فائض 3 تريليون وباتت بمجموعة العشرين واتحاد سوفياتي استسلم وتقلص لاتحاد روسي وترك 15 دولة محتلة وشرق أوروبا وتبنى إقتصاد حر وبات بمجموعة العشرين لكن ألمانيا هتلر لم تستسلم إلا بعد تدميرها وطردها من أوروبا وشمال أفريقيا ومحيط أطلسي وممرات دولية رغم إغراقها آلاف سفن وإسقاطها آلاف طائرات واليابان لم تستسلم إلا بعد تدميرها وطردها من الصين وشرق آسيا رغم إغراقها أسطول أمريكا السابع وإدعاء قادتها أنهم أنصاف آلهة، فعلى إيران آيات الله أخذ عبرة واختيار مسار
لم يجد الكاتب العزيز أفضل من إيران كقدوة للعرب؟
يحسب لإيران سعيها للتقدم و بسط النفوذ.
ولكن بئس النفوذ والتقدم اللذي يكون على حساب الشعب الايراني ولقمة عيشه وحريته.
ولا احترام ولا تقدم للأمم والدول اللتي لا تسعى لمنفعة شعبها أولا ولا تقيم وزنا أو قيمة لكل مواطنيها.
شكراً أخي عماد شقور. طبعاً أن سعيد بقراءة رأيك حيث أن حرب مع إيران ربما ستكون شاملة وستحرق العرب قبل غيرهم وبالتالي دعوة المرشد الإيراني إلى الرشد لازمة. ولاشك أن الشماته بمقتل قاسم سليماني هي شبيهه بالشماتة بإعدام صدام حسين مثلاً!,. لكن مصالح الشعوب تختلف عن مصالح الأنظمة وأعتقد أن الشعب الإيراني سيفرح بالخلاص من نظام الملالي الإستبدادي القمعي الدموي الذي هو أساساً مشروع تسلط طائفي.
من ناحية أخرى يدعوا البعض إلى سياسة واقعية أي تتوخى المصالح كما أفهم أيضاَ من المقال, ولهذا يجب اعتماد مصالحه في بناء علاقات تعاون وحسن جوار مع إيران. أولاً تذكرني زيارة إسماعيل هنية الأخيرة (ونتمنى أن تصب في مصلحة الفلسطينيين) لطهران بزيارات المرحوم ياسر عرفات ومقابلة الخميني التي تحولت بعدها إلى زيارات لبغداد وعناق أخوي! مع صدام حسين وفي النهاية كانت تلك السياسة وللأسف لاتتمتع لا بالذكاء ولا بالمصالح ولاهم يحزنون. وثانيا من يرى أن التعاون مع الشيطان (إيران أو أمريكا في هذه الحال) يخطئ لسبب بسيط لأن سياسة المصالح دون مبادئ هي سياسة عرجاء أو عوجاء ومصيرها الفشل, وعلى أي حال أي شيطان هذا الذي يسمح لمصالح الأخرين بأن لاتتوافق مع مصالحه الواسعة والضيقة منها. سياسة إيران في سوريا مثلاً أوضحت كل ذلك.
وهل تعتقد أن عبد الناصر كان يتغنى بالأمة العربية و يغازل العرب من أجل عيونهم؟