«سبنسر» لبابلو لاريين: الأميرة ديانا تواجه كابوس العائلة المالكة

نسرين سيد أحمد
حجم الخط
0

فينيسيا ـ «القدس العربي» : تقاليد صارمة، وجوه واجمة، عيون متلصصة، حراس يرصدون التحركات ويزنون التصرفات وفقا لأعراف جامدة. إنه عيد الميلاد في مقر الإقامة الملكي في ساندرينغهام في إنكلترا عام 1991. رغم الطعام الوفير والولائم، لا شيء يوحي بالدفء، أو الترحاب، أو بصدق الاحتفال والمشاعر. يبدو الأمر كما لو كان تصنعا كبيرا لصورة متخيلة لبهجة عيد غير موجودة حقا. هكذا تبدو أيام عيد الميلاد التي تعيشها الأميرة ديانا مع العائلة المالكة، والتي تدور فيها أحداث فيلم «سبنسر» للمخرج التشيلي بابلو لاريين، الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي (1 إلى 11 سبتمبر/أيلول الجاري).

لا غرابة إذن أن يبدأ الفيلم بديانا (كرستن ستيوارت في أداء متميز) وقد ضلت الطريق بسيارتها في الطريق إلى الضيعة الملكية الريفية، حيث تمضي العائلة المالكة عيد الميلاد. هي تشعر بغربة وضياع وسط هذا العالم المحكوم بالتقاليد، غربة تنعكس في ضياعها وسط الطريق، رغم أن هذه المنطقة شهدت جزءا من طفولتها. أيام عيد الميلاد، التي يفترض أنها أبهى أيام العام للكثيرين، تصبح كابوسا خانقا، ويتحول القصر المنيف إلى سجن خانق أمام ديانا. وجوه لا تبتسم تعيش وسط صقيع يعم الأماكن ويكسو القلوب هكذا يصور لاريين العائلة المالكة وأجواءها، يعاونه في ذلك سيناريو محكم لستيفن نايت. لكن هذه الأجواء التي تبدو كما لو أنها جاءت من مكان تسكنه الأرواح الشريرة ما كانت لتكون بهذا التأثير دون أداء كرستن ستيوارت، التي تقدم لنا ديانا بكل هشاشتها واختلافها، بكل محاولاتها أن تكون الأميرة التي يريد لها زواجها الملكي أن تكونها، مع رفض روحها التي تسعى للحرية لكل هذه القيود القامعة. ديانا، كما تصورها ستيوارت، امرأة تواجه الانهيار النفسي والعصبي، امرأة تتشبث بأي صوت حنون، أو وجه ودود يبعد عنها، حتى لثوان معدودات، هذا الصقيع المقيم الذي يرافقها دوما مع العائلة المالكة.
لا مكان للعفوية أو الارتجال في صحبة العائلة المالكة، ولا مجال لأن تكون نفسك أو تكون على سجيتك للحظة واحدة، هذا ما تعرفه ديانا جيدا، فإن خرجت للتنزه قرب أسوار القصر، لا بد لها من أن تعود حتى لا يبلغ الحراس عن خروجها دون سيارات الحراسة الملكية التي يفترض أن تصاحبها، وإن حاولت أن ترتدي ملابس بخلاف الملابس المتفق عليها لاحتفالات عيد الميلاد، عليها أن تخلع ما ترتديه لترتدي ما يرضي التقاليد. وفي الردهات والحجرات يوجد دوما من يتسمع، ويوجد دوما من يردع عما يعد مخالفا لعرف العائلة، وعلى رأسهم ميجور غريغوري (تيموثي سبال في أداء مميز) الذي تعهد إليه بالحراسة في القصر. الحضور الدائم المحيط بديانا هو شبح آن بولين، زوجة الملك هنري الثامن، التي أُعدمت بقطع الرأس لأن زوجها الملك أراد الاقتران بغيرها. يتراءى أمام عينيها شبح آن بولين، كلما خلت إلى نفسها وسط القصر الموحش. النوافذ في القصر موصدة والستائر مغلقة حتى لا تتلصص أعين الصحافيين، وفي الداخل تقبع ديانا مع مخاوفها وأشباحها، حتى الرياضة في القصر لا متعة فيها ولا حياة ولا رحمة، فالرياضة المفضلة للعائلة هي صيد الطيور. رياضة دامية لا رحمة فيها. ويوجد هذا الشعور المقيم أن ديانا هي إحد هذه الطيور الجميلة، التي لا مفر لها من بنادق الصيادين ورصاصهم الذي لا يخطئ الهدف.

في الفيلم نكاد لا نرى الملكة والأمير تشارلز على الشاشة إلا في ما ندر، إلا أننا نستشعر وجودهم الخانق وأعينهم الغاضبة في كل تحرك لديانا صوب الحرية، صوب الضوء وصوب أن تعبر عن ذاتها بحق.

في الفيلم نكاد لا نرى الملكة والأمير تشارلز على الشاشة إلا في ما ندر، إلا أننا نستشعر وجودهم الخانق وأعينهم الغاضبة في كل تحرك لديانا صوب الحرية، صوب الضوء وصوب أن تعبر عن ذاتها بحق. يبدو لها عقد اللؤلؤ الذي أهداه لها زوجها طوقا خانقا تحاول أن تفلت منه. ولا تجد بعض الراحة إلا في صحبة طفليها وليام وهاري.
ولا عجب أن لاريين اختار للفيلم عنوان «سبنسر» فهذا الاسم استعادة لهوية ديانا السابقة، عندما كانت ديانا سبنسر، قبل أن تصبح فردا من أفراد العائلة المالكة وقرينة لولي العهد. في أحد المشاهد القليلة التي يظهر فيها تشارلز نراه مؤنبا ديانا لعدم رغبتها في مشاركة العائلة في صيد الطيور. وحين تخبره إنها لا تجد متعة في قتل هذه الطيور، يقول لها إن الحياة الملكية تدريب على فعل ما لا يحب، بوجه يبدو عليه الاستمتاع، لكن ديانا لا تريد أن تحيا هذه الحياة الكاذبة، وتود أن تعيش كما ترغب، وينتصر لاريين في نهاية الفيلم لهذه الرغبة في الحياة والانطلاق، كما لو أنه يقدم لديانا في فيلمه ما لم تجده في حياتها القصيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية