سدّ النهضة: إثيوبيا تبدأ إنتاج الكهرباء ومصر تتهمها بخرق اتفاق المبادئ

تامر هنداوي
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: أعلنت إثيوبيا أنها بدأت، الأحد، إنتاج الكهرباء لأول مرة من سد النهضة المثير للخلاف بينها وبين كل من مصر والسودان، في وقت اعتبرت فيه القاهرة أن الخطوة تعتبر خرقا لالتزامات، أديس أبابا، بما يخص اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015.
وافتتح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، رسميًا ما قيل إنه إنتاج للكهرباء من السد الضخم المقام على النيل الأزرق، المصدر الرئيسي لمياه النيل الذي يمر عبر السودان ومصر. وتجول، برفقة مسؤولين رفيعي المستوى، في محطة توليد الطاقة وضغط على سلسلة من الأزرار على شاشة إلكترونية، وهي خطوة، قال المسؤولون إنها تمثل بدء إنتاج الكهرباء.

«ملك لكم»

أحمد خاطب مصر والسودان بالقول: «توليد الكهرباء الذي بدأ اليوم (أمس) هو ملك لكم، لذا أود أن أهنئكم أيضاً».
وأضاف: «أود أيضا أن أتوجه إليكم بالشكر على الضغط الذي تعرضنا له من جانبكم حتى ولو كان بطريقة غير إيجابية».
وقال «كما ترون هذه المياه ستولد الطاقة وستتدفق كما كانت تتدفق في السابق إلى السودان ومصر، بخلاف الشائعات التي تفيد بأن شعب إثيوبيا وحكومتها يبنيان السد لحرمان مصر والسودان» من المياه، في إشارة إلى مياه تتدفق عبر السد الإسمنتي الضخم.
وتابع «إثيوبيا لا تريد إلحاق الضرر بأحد. إثيوبيا لا ترغب إلا في توفير الكهرباء للأمهات اللواتي لم يرين قط مصباحا متوهجا» مشددا على أن الخطوة ستسهم في إخراج الشعب الكادح من «الفقر الذي نحن فيه حاليا».
كما بيّن، في تغريدة على حسابه الرسمي في «تويتر»: «اليوم (أمس) بدأ أول توربين في سد النهضة، أكبر محطة للطاقة في افريقيا، بتوليد الكهرباء».
وأضاف: «تمثل هذه الخطوة أخبارا جيدة لقارتنا ولدول المصب التي نطمح للعمل معها».
واختتم منشوره قائلا: «بينما تحتفل إثيوبيا بميلاد عهد جديد، أهنئ جميع المواطنين».
يهدف المشروع البالغة كلفته 4.2 مليار دولار إلى إنتاج أكثر من 5000 ميغاواط من الكهرباء، أي أكثر بمرتين من انتاج إثيوبيا من الكهرباء.
وأفادت وسائل إعلام رسمية أن السد الواقع في غرب إثيوبيا والقريب من الحدود مع السودان، بدأ توليد 375 ميغاواط من الكهرباء من أحد توربيناته، أمس الأحد.
وقال مدير المشروع كيفلي هورو لـ«فرانس برس» بعد حفلة التدشين إن توربينة ثانية سيبدأ تشغيلها في غضون أشهر، موضحا أنه يتوقع أن يبلغ المشروع كامل قدرته التشغيلية في عام 2024.

«خسرت كثيراً»

أطلق مشروع السد في عهد رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي، الزعيم المتحدر من تيغراي والذي حكم إثيوبيا لأكثر من عقدين حتى وفاته عام 2012.
وساهم موظفون حكوميون في إطلاق المشروع عبر تقديمهم راتبا شهريا في العام الذي سبق إطلاقه، وأصدرت الحكومة منذ ذلك الحين سندات سد تستهدف الإثيوبيين داخل البلاد وخارجها.
لكنّ المسؤولين نسبوا الأحد الفضل في إحياء المشروع إلى آبي أحمد بعدما أدى سوء إدارة، على حد قولهم، إلى تأخير بنائه بشكل متكرر.
وحسب، هورو «بلادنا خسرت الكثير بسبب تأجيله مرارا، خصوصا من الناحية المادية».
وقال كبير محللي مجموعة الأزمات الدولية وليام ديفيدسون، إن سد النهضة يعتبر محليا «رمزا لمقاومة إثيوبيا للضغوط الخارجية».
وأضاف أن الحكومة «تشيع طرحا يفيد بأن أفرقاء دوليين يبذلون جهودا لتقويض سيادة إثيوبيا» معربا عن اعتقاده بأن السلطات الإثيوبية ستسعى إلى تسليط الضوء على «تقدّم تم إحرازه على الرغم من البيئة العدائية».

آبي أحمد قال إن الخطوة ستسهم في إخراج شعبه من الفقر… وتحذيرات من تصاعد التوتر

كما اعتبر أديسو لاشيتيو، المحلل في معهد «بروكينغز للدراسات» في واشنطن، أن بدء توليد الكهرباء من سد النهضة يشكل «تطورا إيجابيا نادرا يمكنه أن يوحّد بلدا يعاني من تصدّعات حادة» مع استمرار النزاع الدموي الدائر مع المتمردين في إقليم تيغراي منذ 15 شهرا.
وقال إن «الكهرباء التي تم توليدها أخيراً من سد النهضة قد تساهم في إنعاش اقتصاد مدمّر جراء حرب دموية وارتفاع أسعار الوقود وجائحة كورونا».
ويقع سد النهضة على النيل الأزرق في منطقة بني شنقول ـ قمز على بعد نحو 30 كلم من الحدود مع السودان. ويبلغ طوله 1.8 كلم وارتفاعه 145 متراً. ويلتقي النيل الأزرق الذي ينبع من إثيوبيا النيل الأبيض في الخرطوم ليشكلا معاً نهر النيل الذي يعبر السودان ومصر ويصبّ في البحر المتوسط.
ويأمل السودان في أن يسهم المشروع في ضبط الفيضانات السنوية، لكن يخشى أن تلحق أضرار بسدوده في غياب اتفاق حول تشغيل سد النهضة. وبالنسبة إلى مصر التي تعتمد على نهر النيل لتوفير حوالى 97 ٪ من حاجاتها من مياه الري والشرب، فإن السد يشكل تهديدا وجوديا.
واعتبرت القاهرة، أمس، أن بدء تشغيل سد النهضة، يعتبر إمعانا إثيوبيا في خرق أديس أبابا التزاماتها بموجب اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015.
وأوضحت وزارة الخارجية المصرية، في بيان، أمس، أن مصر «تؤكد على أن هذه الخطوة تعد إمعانا من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015، الموقع من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي».
ورفض بيان الخارجية «البدء الأحادي (لإثيوبيا) في عملية تشغيل سد النهضة، وذلك بعد الشروع سابقا أحادياً بالمرحلتين الأولى والثانية من ملء السد (في صيف العامين الماضيين)».
وعلق خبراء مصريون في مجال المياه على بدء توليد الكهرباء من سد النهضة، وقللوا من أهمية هذه الخطوة، لكنهم في الوقت نفسه اعتبروا أنها تمثل مزيداً من التصرفات الأحادية التي تنتهجها أديس أبابا في أزمة السد.
عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، قال إنه رغم قيام أحمد بالافتتاح الرسمي وتشغيل توربين في سد النهضة، إلا أنه لم يشاهد أي صورة أو فيديو تؤكد خروج مياه نتيجة التشغيل.
وأضاف على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «افتتاح رئيس الوزراء الإثيوبي التشغيل في سد النهضة من توربينين يمثل المرحلة الأولى التي كان مقررًا لها 44 شهرا من وضع حجر الأساس 2011» لافتا إلى أن «قدرة كل توربين 375 ميغاوات في حالة التشغيل الكامل بعمود مائي ارتفاعه 80 مترا من أعلى مستوى للبحيرة أي 640 إلى أقل مستوى، وذلك لتشغيل التوربينين 560 مترا فوق سطح البحر».
وأوضح أن «المستوى حاليا للبحيرة حوالى 575 مترا بعمود مائي حوالى 15 مترا فقط، مما يجعل توليد الكهرباء في حدود 100 ميغاوات فقط، وهذه كمية ضعيفة للغاية، وسوف يقل العمود المائي تدريجيًا إلى أن تتوقف التوربينات، ولهذا السبب سوف تعمل ربما عدة ساعات أسبوعبا».
وأكد أن «التشغيل سوف يحول المياه التي تمر من أعلى الممر الأوسط إلى أنفاق التوربينين، مما يجعله يجف خلال عدة أيام، بعدها ممكن تعلية الممر الأوسط عدة أمتار لكي يحقق تخزينا ثالثا متواضعا، ولكن سوف تروج له الحكومة الإثيوبية أيضا بإتمامه كما حدث في التخزين الثاني الذي لم يتعد الثلاثة مليارات متر مكعب».
وزاد: «حالة التشغيل، سوف يأتي للسودان ومصر خلال الشهور القليلة المقبلة كل مياه التخزين الثاني الذي حدث الموسم الماضي، على أن تعوضه إثيوبيا في يوليو/ تموز المقبل للوصول بإجمالي التخزين إلى حوالى 10 مليارات متر مكعب».
وشدد على أن «التشغيل المحدود لأحد التوربينين، لن يضر مصر أو السودان مائيًا ولن ينفع إثيوبيا مائيا أو كهربياً، ولكنه يحقق الهدف الإثيوبي، وهو الاحتفال بالتشغيل حتى لو كان لإنارة لمبة واحدة، لرفع الحالة المعنوية بعد تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية وتحسين صورة الحكومة الإثيوبية، خاصة آبي أحمد بعد الحرب الأهلية مع جبهة تحرير شعب تيغراي».
واعتبر أن التشغيل سوف يزيد من التوتر بين الأطراف الثلاثة لكونه دون اتفاق.
أما نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، فبين في تصريحات صحافية أنه «ليس صحيحا أن إثيوبيا تنتج وتولد الكهرباء اليوم، ما سيتم اليوم هو مجرد تجربة لتشغيل وإدارة التوربينين المنخفضين وليس لتوليد الكهرباء، التي تتطلب الانتهاء من محطة الكهرباء ومن شبكة كابلات الضغط العالي الناقلة للكهرباء المولدة».
وأضاف: «لو كان الأمر صحيحا لأعلنت إثيوبيا عن أول منطقة داخلها، أو خارجها في السودان، سوف تستقبل هذه الكهرباء المولدة من السد».
وتابع: «ليست أكثر من تجربة لتشغيل التوربينين والتأكد من سلامة تركيبهما وسلامة بدء عملهما، أما توليد الكهرباء وتوزيعها فأمامها أمد طويل».

أخطاء فنية

كذلك، قال محمد نصر علام، وزير الري المصري الأسبق، إن التوربينات التي امتلأت خلال الملء الأول لسد النهضة تم اكتشاف أخطاء فنية بها، لافتا إلى أن الملء الأول كان كافيا لتوليد الكهرباء، إلا أن الإثيوبيين أضاعوا عامين كاملين في انتظار توليد الكهرباء.
ولفت في تصريحات متلفزة، إلى وجود سوء تخطيط من قبل الإثيوبيين في توليد الكهرباء وتخزين المياه في السد.
وأكد أن «مصر متضامنة مع أي فائدة للشعب الإثيوبي، لكن ليس على حسابها» مشيرا إلى أن «دولتي المصب مصر والسودان ليس لهما أي أزمة في ذلك، لكن دون الإضرار بمصالح الشعوب من وفرة المياه لديهم».

رفض مصري

وتابع: «ما تقوله إثيوبيا بشأن السد لا يعتد به، ومصر ترفض تعلية الممر الأوسط للسد دون الاتفاق مع معها ومع السودان، فيجب التعاون بين دول المصب وإثيوبيا، والتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يحقق المنفعة العامة للجميع».
واختتم تصريحاته: «من أسباب توجه إثيوبيا إلى ملء السد في هذا التوقيت تحديدا هو الوضع المتدني داخلها على الرغم من أن ما يتم تداوله من أنباء بشأن توليد الكهرباء كان من المفترض أن يتم منذ عامين كاملين».
والشهر الماضي، دعا أحمد، القاهرة والخرطوم لتغيير خطابهما وتعزيز خطاب بناء السلام في أزمة سد النهضة. وتتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل لاتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، في وقت تستعد أديس أبابا لعملية الملء الثالث للسد المقررة في موسم الفيضان في الصيف المقبل.
وتتبادل مصر والسودان مع إثيوبيا اتهامات بالمسؤولية عن تعثر مفاوضات السد، يرعاها الاتحاد الأفريقي منذ شهور، ضمن مسار تفاوضي بدأ قبل نحو 11 سنة، بسبب خلافات حول التشييد والتشغيل والملء.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية