القاهرة ـ «القدس العربي»: دعت إثيوبيا، الجمعة، مجلس الأمن الدولي إلى تشجيع مصر والسودان على احترام العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي، وعلى التفاوض بحسن نية فيما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي، فيما أكدت الولايات المتحدة أنها «لن تترك 100 مليون مصري من دون مياه».
وحسب بيان لوزارة الخارجية، نشرته وكالة الأنباء الإثيوبية، فقد بعثت أديس أبابا برسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، أعربت فيها عن رفضها للمحاولات الأخيرة التي تقوم بها مصر والسودان سعيا إلى تدخل مجلس الأمن في قضية سد النهضة «خارج نطاق اختصاصاته».
وقالت إثيوبيا إن الإجراءات الأخيرة التي أقدمت عليها مصر والسودان تمثل استمرارا لمخطط معد جيدا بهدف «تقويض العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي وإعلان عدم فعاليتها في نهاية الأمر». وأوضحت أن هذا لن يؤدي سوى إلى تآكل الثقة بين الدول الثلاث.
كما أشارت إلى أن «البلدين حاولا خنق العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي عبر إدخال قضايا غير ذات صلة في المناقشات، من خلال إضفاء الطابع الأمني غير الضروري وتدويل المسألة، وجر الجامعة العربية إلى الموقف لزيادة تعقيد القضية».
«تسع مرات»
وأشارت كذلك إلى أنه «منذ بدء المفاوضات بقيادة الاتحاد الأفريقي عطلت مصر والسودان العملية تسع مرات، وهو ما قوض الجهود الحقيقية للاتحاد وعرقل إجراء مناقشات مثمرة».
وشددت الرسالة على أن «إصرار دولتي المصب، مصر والسودان، على عدم السماح لإثيوبيا، دولة المنبع، بملء السد دون موافقة منهما، لا يدعمه القانون أو الممارسات الدولية».
وجاء في الرسالة أن «الملء الثاني لسد النهضة سيتم خلال موسم الأمطار المقبل، الذي يبدأ في تموز/ يوليو، حسب الجدول الزمني والقواعد التي تم التوصل إلى تفاهم بشأنها في العملية الثلاثية».
كانت جامعة الدول العربية، خلال اجتماع غير عادي لمجلس الوزراء العرب في منتصف الشهر الجاري، قد دعت مجلس الأمن إلى الاجتماع بشأن سد النهضة.
في السياق، حاولت الإدارة الأمريكية طمأنة المصريين، على لسان صامويل وربيرج المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، الذي قال إن بلاده لن تترك 100 مليون مصري من دون مياه.
لكنه أكد رفض إدارة جو بايدن «اللجوء للحل العسكري» قائلا في تصريحات متلفزة إن «الولايات المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لحث الأطراف، مصر والسودان وإثيوبيا، على الوصول إلى تسوية تفاوضية واتفاق سلمي كامل، دون الذهاب إلى أي حل آخر».
ولفت إلى أن «أزمة سد النهضة من الملفات الرئيسية في حقيبة المبعوث الأمريكي الجديد لمنطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان» مجددًا التأكيد على أن واشنطن «تشجع الأطراف لاستئناف الحوار المثمر والجلوس الى الطاولة تحت قيادة الاتحاد الأفريقي».
وشدد على أن بلاده «تدعم الحق المصري في المياه» لافتا إلى «تنسيق في هذا الإطار يجمع بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي والأمريكي جو بايدن، وأيضا وزيري خارجيتي البلدين سامح شكري وأنتوني بلينكن».
مع مرور الوقت واقتراب موعد الملء الثاني لسد النهضة والمقرر في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب المقبلين، تزداد مخاوف المصريين من تتمكن إثيوبيا من فرض الأمر الواقع على مصر والسودان، ما دفع «الجبهة المصرية الشعبية للحفاظ على نهر النيل» لإعلان رفضها لأي اتفاق يسمح لإثيوبيا بتخزين أكثر من 14 مليار متر مكعب من المياه.
وأكدت الجبهة المكونة من عدد من أحزاب المعارضة في البيان الختامي للمؤتمر الذي عقدته في مقر حزب المحافظين، مساء الخميس، على ضرورة التمسك بـ 7 مطالب خلال التفاوض مع إثيوبيا.
سعة تخزين أقل
وتمثلت المطالب، طبقا للبيان، في «التزام إثيوبيا بكافة قواعد القانون الدولي والاتفاقيات التاريخية الخاصة بنهر النيل وعدم إقامة أي مشروعات مستقبلية على نهر النيل إلا بعد موافقة دولتي المصب مصر والسودان، إضافة الى الاتفاق على وقف أي تعلية أو زيادة، الآن ومستقبلًا، في سعة سد النهضة عن 14 مليار متر مكعب».
كما تضمنت «ضرورة توقيع اتفاق ملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا على شروط ملء السد والإدارة المشتركة له بعد أن تكتفي بسعة تخزينية لا تتجاوز 14 مليار متر مكعب، والوقف الفوري لأي إجراءات ملء حالية تقوم بها إثيوبيا».
أديس أبابا اتهمت القاهرة والخرطوم بمحاولة تقويض العملية التي يقودها الاتحاد الافريقي
وحسب البيان فإن «أي اتفاقات بعد الملء الثاني للسد بسعته المخططة حاليا وهي 74 مليار متر مكعب ستكون عديمة الجدوى وسيصبح السد حينها محصنا ضد أي مساس، ما سيخل بالتوازن الاستراتيجي التاريخي بين دول المنبع والمصب ويضيع حقوق مصر وإرادتها وسيادتها، في إشارة لاستحالة اللجوء للحل العسكري بعد الملء الثاني التي تخطط لإثيوبيا خلاله لتخزين 18 مليار متر مكعب من المياه، فضلا عن 4 مليارات جرى تخزينها في الملء الأول، ما سيؤدي استخدام الحل العسكري إلى حدوث فيضانات ستؤدي إلى إغراق دولتي المصب».
وشدد على «رفض أي اتفاقيات مؤقتة أو مرحلية والعمل على الوصول لاتفاق دولي ملزم يتضمن كافة الأمور الفنية المتعلقة بسلامة السد بعد الاطلاع على كافة التصميمات وعملية التنفيذ».
«تجريم بيع المياه»
وطالبت الجبهة في بيانها بـ« تجريم بيع المياه وتحويلها إلى سلعة كما تخطط إثيوبيا، والالتزام التام من قبل الدول الثلاث بعدم توصيل مياه نهر النيل مطلقا وفي أي وقت ولا بأي كمية خارج حدود دول الحوض، وعلى وجه التحديد لإسرائيل».
وقالت «في ظل تجاهل دولي وصمت أفريقي، عمدت إثيوبيا طوال فترة المفاوضات مع مصر التي استمرت نحو عشر سنوات وحتى الوقت الراهن إلى انتهاج أسلوب المراوغة، وأبدت تعنتا واضحا ومستمرا بجانب إهدار واستنزاف دائم للوقت، وصل حد رفضها وجود استشاريين دوليين لدراسة تداعيات السد على دولتي المصب مصر والسودان خلال التشييد والملء».
وزاد البيان: «وقفت إثيوبيا ضد الوصول إلى اتفاق عادل وملزم بشأن نهر النيل وانتهجت أساليب عدوانية من شأنها المساس بحقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع».
وتابع: «تعاملت إثيوبيا مع نهر النيل بوصفها صاحبة السيادة المطلقة عليه وليس كنهر مشترك، متجاهلة القانون الدولي والاتفاقات التاريخية ذات الشأن وبينها اتفاقات 1902، و1929، 1959. وتحاول تصوير الأزمة باعتبارها ذات بعد مائي وتنموي على عكس الحقيقة».
وزاد البيان: «مصر لم تقف يوما عائقا في سبيل تنمية البلاد الأفريقية بل كانت داعمة لحركات التحرر الوطني في القارة الأفريقية ومساندة لحقوق الشعوب الأفريقية في الحرية وفي استغلال ثرواتها الوطنية والتي انتهت بانتصار القارة الأفريقية وطرد الاستعمار، وانطلاقاً من هذا الدور فقد بذلت كل ما في وسعها لتجنب أي توترات قد تحدث بين أبناء القارة، وكانت دائماً وأبداً مع الحلول السلمية لمشاكل أفريقيا ودعم الحوار والتعاون بين شعوب أفريقيا».
وأكد أن «التعنت الإثيوبي فيما يخص أزمة سد النهضة الذي هو فضلاً عن كونه خطراً كبيراً على البيئة وتغييرا مرعبا في التركيبة البيئية للإقليم، فإنه يمثل تهديداً مباشراً لحق الشعب المصري في الحياة».
وأضاف: «فشل المفاوضات جولة تلو الأخرى وإصرار الجانب الإثيوبي على الإخلال بالاتفاقيات التاريخية المرتبطة بنهر النيل، وكذلك قواعد القانون الدولي الخاصة بالأنهار العابرة للدول، يطرح العديد من علامات الاستفهام حول النوايا التي يحملها تجاه دولتي المصب (مصر والسودان) والأضرار التي ستلحق بهما جراء الإصرار على استكمال بناء هذا السد دون اتفاق ملزم يحفظ للدولتين حقهما في مياه النيل، وهي بذلك تسعى إلى تكبيل إرادة الدولة المصرية ورهن قرارها ومصيرها بأيدي قوى أخرى».
«حق مصر»
وجددت جبهة الأحزاب تأكيدها أن «مصر الدولة (شعبا وحكومة) متشاركة في الدفاع عن حقنا في المياه، إذ توجب هذه الأزمة التوافق الوطني العام لصد هذا الخطر، والتمسك بحق مصر في استخدام كافة السبل القانونية والدبلوماسية وصولاإلى أي إجراءات قادرة على وقف استمرار إثيوبيا في تعنتها وعدوانها على حق مصر والأجيال المقبلة في مياه النيل بما في ذلك الاستخدام المشروع للقوة المسلحة في إطار الدفاع الشرعي عن النفس».
ودعت «كل القوي الوطنية والأحزاب والنقابات والشخصيات العامة للتعاون والعمل معا في إطار الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل، ليشكلوا صفا واحدا يحمي وجود مصر وحاضرها ومستقبلها وسيادتها وحقها في الحياة».
واختتمت الجبهة بيانها بالتأكيد أن هدفها «هو توحيد كل الجهود الشعبية للدفاع عن حقوقنا في الحياة والمياه ومستقبل الأجيال المقبلة، متفقين أن نهر النيل خط أحمر، ومتكاتفين لمنع الاعتداء على حقوقنا المائية ودرء الخطر الذي يستهدف وجودنا ». وفي الوقت الذي جاء فيه البيان الختامي ليلوح بخيار الحل العسكري على استحياء، دعا أحمد الطنطاوي، رئيس حزب الكرامة، في كلمته خلال المؤتمر إلى «استخدام القوة العسكرية لحماية أمن مصر المائي».
الحل العسكري
وقال الطنطاوي في كلمته إن «سقف ما طالبت به مصر خلال السنوات الماضية كان أدنى بكثير من الحد الأدنى لضمان حقوق الدولة المصرية».
وزاد: «الحمد لله أننا لم نصل لاتفاق، لأن الأسوأ من الوضع الكارثي الذي نعيشه الآن هو التوقيع على اتفاق هلامي خداع على غرار ما يسمى اتفاق المبادئ الذي وقع في مارس/ آذار 2015 «.
وتابع: «هل يجوز أن نعتبر اتفاق المبادىء ملزما لمصر، وهو اتفاق لم يمر بالإجراءات الدستورية، أنا أنظر لهذا الاتفاق باعتباره لا يلزم إلا من وقعه».
وزاد: «تعنت إثيوبيا لسنوات سمح لنا بتوريط أنفسنا، واستمرار تعنتها اليوم يقدم لنا طاقة أمل، الاتفاق بالنسبة لنا هو اتفاق على سد لا تزيد سعته التخزينية عن 14 مليار متر مكعب، مع الحق في الإدارة والتشغيل، مع تجديد الدول الثلاث التزامها بالاتفاقيات التاريخية».
وتابع: «لن نقبل اتفاقا يحفظ ماء وجه السلطة بل نقبل اتفاقا يحافظ على نهر النيل وحق الشعب المصري، والحرب لها ثمن بالطبع، لكننا لنا الأمة التي يفرض عليها القتال فتهرب منه».
خطاب المظلومية
الدكتورة أماني الطويل، خبيرة الشؤون الأفريقية في مركز الأهرام للدارسات، أكدت على ضرورة «تفكيك خطاب المظلومية الإثيوبية الذي يجوب العالم». وقالت: «أمريكا متأثرة بهذا الخطاب الذي تمت هندسته إسرائيليا، وما نُواجهه تحدٍ وجودي يحتاج لأكثر درجات القدرة على الإبداع في مواجهة هذا الخطاب» داعية الشباب «للتواصل مع الأحزاب الأفريقية، للحديث عن دولتي المصب» لافتة إلى أن «التفاوض الرسمي في هذا الصدد يترك للحكومة».
ولفتت إلى «ضرورة العمل بالتنسيق مع الدولة في هذا الملف، وأن تكون الجبهة ممثلة لكل الأحزاب المصرية ومنظمات المجتمع المدني».
آثار كارثية
إلى ذلك، كشفت دراسة نشرها المركز المصري للدراسات الاقتصادية (مركز مستقل) عن أزمة وكارثة كبيرة ستتعرض لهما مصر بسبب سد النهضة والجفاف الذي ستعاني منه البلاد. وتظهر الدراسة احتمال انخفاض تصريفات النيل الأزرق نتيجة التأثير التراكمي لحجم الملء الأول والتسرب من بحيرة السد، والذي قد يتراوح مقدار تأثيره على حصة مصر بـ 2 ـ 3 مليار متر مكعب سنويا في سنوات الجفاف وما حولها، لمدة قد تصل إلى 17 عاما خلال الـ100 سنة المقبلة حسب قواعد التشغيل التي ستتبعها إثيوبيا.
وقامت الدراسة بإعادة تقدير احتياجات مصر المائية في قطاعات الزراعة والإسكان والصناعة حسب توقعات الزيادة السكانية حتى عام 2030 و2050، مع الاعتماد على دراسة تفصيلية لسيناريوهات التركيب المحصولي الأمثل المتوقع في 2030 و2050 في ظل التحديات المائية.
كما تستعرض الميزان المائي للاستراتيجيات المقترحة لتحقيق الأمن المائي المصري حتى عام 2030 و2050، بناء على ثلاثة سيناريوهات، الأول: من دون أن تتأثر حصة مصر من مياه النيل، والثاني: في حال تأثر حصة مصر بمقدار 2 مليار متر مكعب في 2030 و3 مليار متر مكعب في 2050، ومن دون اتخاذ إجراءات محلية لمواكبة هذا النقص، أما السيناريو الثالث: في حال تأثر حصة مصر بالمقدار نفسه مع اتخاذ إجراءات محلية لتوفير موارد مائية غير تقليدية بديلة.
ولم تتطرق الدراسة للتكلفة الباهظة المطلوبة لتوفير تلك الموارد المائية البديلة. وانتهت إلى أن تبطين قنوات الري، وتطبيق نظم الري الحديثة (رش، تنقيط) مع استخدام التكنولوجيا (مجسات وحساسات التربة) سيؤدي إلى تحقيق وفر مائي قدره 21.7 مليار متر مكعب سنويا، ووفر في الأسمدة يتراوح ما بين 8٪ – 55٪، وزيادة في الإنتاج تتراوح ما بين 1٪- 50٪ للمحاصيل المختلفة، وذلك من خلال تطبيقات عملية تمت بوزارة الزراعة والشركات الخاصة والأفراد.
وتتعثر مفاوضات سد النهضة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، لا سيما في ظل إصرار إثيوبيا على المضي قدما في الملء الثاني للسد خلال يوليو/ تموز وأغسطس/آب المقبلين.
وتتمسك مصر والسودان بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي يحافظ على منشآتهما المائية ويضمن استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب، على الترتيب.
صحيح لن تتركهم بغير ماء لكن لابد ان يعيشوا كالماعز الاليف الذي يمكن قتله جوعا و عطشا ان لم يطيع الاوامر
السؤال هنا لماذا وقع السيسي بالموافقه على بناء السد ؟