لم تفض الجولة الأخيرة من المفاوضات الثلاثية حول سد النهضة العظيم في أثيوبيا والتي عقدت في كنشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى أي نتائج سوى تمسك الطرف المصري والسوداني والأثيوبي بمواقفهم المبدئية بشأن الازمة.
وتبع ذلك تهديد ثان في مدى أسبوع للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي حذر «الاشقاء» في أثيوبيا من المساس بحق مصر من مياه النيل الذي يعتبر مصدر الحياة لمئة مليون مصري.
ووسط التجاذبات والتجارب الفاشلة في التوصل لتسوية سلمية حول كيفية ملء خزان السد بدون أن يؤثر على دول المصب، وهي مسألة يبدو لم تجد الأطراف المشاركة في الأزمة حلا لها بعد، اختار كل واحد منهم التصعيد بطريقة تؤكد على أحقية ما يقول.
ووصلت الأطراف إلى طريق مسدود، من ناحية إصرار أثيوبيا على المضي بالمرحلة الثانية من ملء خزان السد تموز/يوليو والبدء في استخدامه لتوليد الطاقة لأول مرة في آب/أغسطس، ومخاوف السودان من تأثير السد الذي أقيم على النيل الأزرق قرب حدودها على سدودها. واستبعد السودان في الوقت نفسه الخيار العسكري، وقالت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي إنه لا مجال للحديث عن الخيار العسكري «نحن الآن نتحدث عن الخيارات السياسية».
وكانت المهدي قد صرحت قبل ذلك بأن كل الخيارات مفتوحة أمام السودان للحفاظ على أمنه وأمن مواطنيه. وأضافت: «سيكون هناك استقطاب واسع للرأي العالمي والأهم الرأي الأفريقي خاصة في دول الجوار ودول حوض النيل لمنع أثيوبيا من المضي قدما في زعزعة أمن دول مهمة».
وقال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في تصريحات للتلفزيون الرسمي، إن سد النهضة الأثيوبي يحمل مخاطر حقيقية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن الملء والتشغيل، وشدد على أن المخاطر على السودان أكبر من أثيوبيا، التي يقع السد على حدودها، ومن مصر التي تبعد عنه آلاف الأميال.
حق وطني أم مشاركة في مصدر طبيعي؟
وحولت أثيوبيا السد العملاق، وهو أكبر مشروع في القارة الأفريقية، كمسألة تتعلق بالعزة القومية، ومع نهر النيل الأزرق كثروة قومية ومصدر للتنمية، ذلك أن سد النهضة تم بدون مساعدة من الخارج، وساهم فيه المواطنون الأثيوبيون الذي وعدوا بوصول الطاقة الكهربائية إلى قراهم وبلداتهم. وبدأت عمليه البناء عام 2011 في محاولة من رئيس الوزراء الأثيوبي في حينه ميليس زيناوي تغيير قواعد التعامل مع مياه النيل والتي ظلت فيها دول المصب، مصر والسودان، تحظى بنصيب الأسد. وكلف إنشاء السد 4.8 مليار دولار حيث بدأت المرحلة الأولى من ملء الخزان في العام الماضي. وتحتاج أثيوبيا إلى ما بين 7- 8 سنوات لملء خزان السد بشكل كامل. ويعتمد هذا على تدفق المياه وموسم الأمطار وغير ذلك من الظروف الطبيعية.
ومع أن السودان مال سابقا إلى دعم الموقف الأثيوبي بعد وعد اديس أبابا للخرطوم بتوفير الكهرباء الرخيصة، إلا أن الموقف تغير بعد الثورة عام 2019 وبات الموقف السوداني متماهيا مع الموقف المصري وداعما له، ويطالب بتدويل مشروع السد. وهو ما لجأت إليه مصر في البداية عندما استعانت بالأمم المتحدة والولايات المتحدة. رغم أن الخيار العسكري ليس محلا للإجماع داخل المؤسسة السودانية الحالية.
حزمة من المشاكل
وفشلت المحادثات التي رعتها إدارة دونالد ترامب في العام الماضي بسبب ما رأته أثيوبيا تحيزا منها مع الموقف المصري. والمشكلة هي أن السد سيصبح مع الملء الثاني حقيقة واقعة. في وقت باتت فيه خيارات دول المصب محدودة إلا إذا اختارت مصر الخيار العسكري، رغم التلويح به والمناورات العسكرية التي جرت بين مع السودان نسور النيل1 ونسور النيل 2. والمشاكل العالقة تتعلق برغبة كل من مصر والسودان الاتفاق مع أثيوبيا على جدول زمني حول ملء الخزان بطريقة لا تؤثر على تدفق المياه نحو دول المصب، وخاصة في مواسم الجفاف، كما ويريد البلدان الاتفاق على آلية حول كيفية تشغيل السد. وتتداخل في مسألة الخلاف حول السد الكثير من العوامل الجيوسياسية والضغوط الداخلية على الأطراف المتنازعة والتي فاقمها انتشار وباء فيروس كورونا وتراجع الاقتصاد والسياحة، مصر تحديدا، وظروف السودان الاقتصادية وهو الخارج من ثورة، ويعاني من عدة ملفات داخلية ونزاعات أهلية منها نزاع على الحدود السودانية-الأثيوبية، والتي تحولت إلى نقطة توتر بين البلدين، بعد تدفق عشرات الآلاف من الأثيوبيين الفارين من إقليم تيغراي الذي شهد مواجهة مع الحكومة المركزية. ويضاف إلى هذا المزيج من المشاكل الداخلية الضغوط التي تفرضها التغيرات المناخية وتزايد عدد السكان في البلدان الثلاثة، مما دفع المراقبون للتحذير من مخاطر حروب تتركز على المياه. وفي الجولة الأخيرة رفضت أثيوبيا المقترح السوداني بالتفاوض بناء على إطار يشترك فيه الاتحاد الأوروبي والأفريقي والولايات المتحدة والأمم المتحدة. وبرر الأثيوبيون الرفض بأن إطارا جديدا قد يؤخر عمليات المرحلة الثانية لملء الخزان وأثناء الموسم الماطر. ولا يمكن فصل الأزمة حول النيل، عن التاريخ والثقافة. وأعاد الخلاف حول النهر الذي يلتقي فرعاه الأبيض القادم من الجنوب وعبر دول شرق أفريقيا مع النيل الأزرق القادم عبر الهضاب الأثيوبية عند الخرطوم ليواصل مسيرته إلى دلتا مصر قبل أن ينتهي في البحر الأبيض المتوسط، الحديث بين دول حوض النيل حول حقوق كل من مصر والسودان في مياهه والتي ضمنتها المعاهدات الدولية، وهي معاهدات رفضتها أثيوبيا، لأنها لم تشارك فيها أولا ولنظرتها لها بأنها إرث استعماري، ثانيا. وتمسكت مصر منذ البداية بالمعاهدات الدولية، وحاولت اللجوء إلى المحافل الدولية، لكن مصر السيسي بدأت بتبني خطاب أكثر شدة وتتحدث عن خطوط حمر وخيارات مفتوحة. كل هذا يعطي صورة أن 6 أعوام من المفاوضات العقيمة قضت كما قال الدبلوماسي السابق عز الدين فشير بمقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» (1/4/2021) على النوايا الحسنة منذ توقيع اتفاقية المبادئ عام 2015. ووسط مطالب كل من السودان ومصر بتدخل أطراف خارجية ورفض أثيوبي، بات الأمر معلقا بين رغبات الأطراف وتأكيد مطالبها، مع أن الأزمة تستدعي حلا على المدى البعيد يأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف، ولا يحرم مصر من حقها في مياه النهر الذي تعتبره مصدر الحياة أو أثيوبيا من الاستفادة من مياه النهر الذي ينبع من أراضيها. وما يعقد من انعدام الثقة بين البلدين هو التاريخ المعادي المصري للنظام الشيوعي في أثيوبيا، خاصة موقف الرئيس أنور السادات، وعدم اهتمام حسني مبارك بدول الصحراء، ونفوره بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في أديس أبابا في 1995.
من يتحمل اللوم
وفي ظل الانسداد الحالي، فمن العبث إلقاء اللوم على طرف، ولن ينفع كما يقول فشير الخوض في نقاشات قانونية عن الالتزامات المتعلقة بالممرات المائية العابرة للحدود، فكل من الطرفين وسع تفسيره للقانون الدولي بدون أن يقود هذا لاتفاق. ويقول إن كلا من مصر وأثيوبيا تعتمدان على قوانين القوة لا قوة القوانين. والتحدي هو إجبار الطرفين على اتفاق يحترم معظم الأهداف التي يتمسكان بها. ومن الناحية المثالية فيجب إدارة الأنهار الدولية من خلال مؤسسات عابرة للحدود القطرية التي تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول وتتعامل مع الأنهار كجزء من نظام بيئي مكتمل، ومن المستبعد أن يوافق البلدان على هذا النظام. ولن يتم حل الأزمة بدون اللجوء للدبلوماسية وتشرف عليها قوتان تحظيان بعلاقة قوية مع الطرفين، وهما الولايات المتحدة والصين حيث يمكن لهاتين الدولتين المتنافستين تحويل أزمة سد النهضة إلى تجربة تعاون في القيادة. وهناك أرضية قوية للإنطلاق منها نحو التفاهم، فهناك اتفاقية مبادئ وقعت عليها مصر وأثيوبيا، بالإضافة لمبادرة حوض النيل التي تشترك فيها معظم الدول الواقعة على النيل. ولو حصل تفاهم أمريكي- صيني للتقدم أماما والتشاور مع الأطراف المعنية بالإضافة لشركاء دوليين مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والاتحاد الأفريقي فهناك فرصة للنجاح أكثر من المفاوضات العبثية الحالية. وبدون ذلك فسيظل مناخ عدم الثقة والتصريحات الاستفزازية التي ستقود في النهاية إلى نزاع بتداعيات مدمرة عليهما والسودان وشرق أفريقيا بشكل عام. ومن هنا عرض مستشار الأمن القومي جيك سوليفان تقديم العون لأثيوبيا في حل أزمة سد النهضة، وكذلك النزاع الحدودي بين أثيوبيا والسودان، والصراع في إقليم تيغراي. وأكد سوليفان ونائب رئيس الوزراء الأثيوبي ديميكي ميكونين، في مكالمة هاتفية الخميس، على أهمية استمرار الحوار الإقليمي لحل النزاع المتعلق بسد النهضة.
وبحسب بيان للبيت الأبيض، اتفق الجانبان على أهمية الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأفريقي للوصول إلى حل سلمي لأزمتي سد النهضة، وأراضي الفشقة الحدودية بين أثيوبيا والسودان. وكما أشرنا فهناك إمكانية للضغط الأمريكي على أطراف النزاع عبر الأوراق الداخلية، فرئيس الوزراء آبي أحمد يواجه معضلات متعددة بعد حملته في إقليم تيغراي والاتهامات بارتكاب جرائم حرب وتعاونه مع القوات الإريترية بشكل بات يهدد الوحدة الأثيوبية. وشوه سمعته العالمية بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام عام 2019 وخسر الحرب الدعائية بطريقة لم يعد فيها قادرا على التحكم بالسرد «فورين أفيرز»(8/4/2021). وباتت الفدرالية الأثيوبية في خطر الانهيار واندلاع نزاعات إثنية وعرقية في البلاد.
نكبة السيسي
والمعضلة بالنسبة للسيسي أكبر، فلطالما حاول لعب ورقة دونالد ترامب في الأزمة مع أديس أبابا، وقد رحل ترامب الآن، فهو يواجه إدارة ديمقراطية تؤكد على ورقة حقوق الإنسان كشرط للمساعدات. ولم تبد الإدارة الحالية أي اهتمام بمشاكل المنطقة، رغم ما صدر من تصريحات حول اليمن وضرورة وقف الحرب فيها. ونظر للتحرك هذا على أنه مقدمة لعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي. فإدارة بايدن كما أشار تقرير بمجلة «بوليتيكو» (6/4/2021) ليست مهتمة مثلا بحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، ولن يكون السد والحالة هذه على قائمة أولوياته.
وفي العام الماضي وصف الصحافي ديفيد هيرست محرر «ميدل إيست آي» تعامل حكومة السيسي مع مشروع السد بأنه «نكبة». وقال إن أثيوبيا بعد إنكارها وجوده أجبرت على الاعتراف بل وكشفت عن وجوده بلغة انتصارية أكدت فيها أن النيل الأزرق بات بحيرة ولم يعد نهرا وأصبح ملكا لها، وتحقق حلم الإمبراطور هيلاسيلاسي الذي يعود للستينات من القرن الماضي لتحويل النهر لأثيوبيا ويديره الأثيوبيون. فلم يعد البلد محلا لضغوط وتنمر الدول الاستعمارية. وبالمقابل، أصبحت مصر في عهد السيسي مدينة وزاد الدين الوطني من 112 مليار دولار عام 2014 إلى 321 مليار دولار. وقال هيرست إن الرئيس محمد مرسي عندما حاول تبنى خط متشدد سخرت منه المعارضة وعرقل جهوده الجيش المصري. لكن السيسي بعد انقلابه منح بتوقيعه على اتفاق المبادئ 2015 الضوء الأخضر لأثيوبيا لكي تواصل مشروعها. واليوم بات بخيارات قليلة، ويواجه سيناريوهات قاتمة، فلو توقف تدفق النيل بالطريقة المعهودة فإن الأراضي الزراعية المصرية ستدمر وستؤدي إلى رحيل 30 مليون نسمة من أراضيهم الزراعية، أي ثلث السكان. ورغم تعهدات أثيوبيا باستخدام السد لأغراض الطاقة الكهربائية إلا أن إشارات دالة عن خططها لاستخدامه في ري المناطق المحيطة به مما يعني شح المياه لدول المصب. وعلى خلاف تهديده لتركيا وحلفائها في ليبيا عندما وضع خطا أحمر لو تقدمت قوات حكومة الوفاق السابقة من سرت، لم يكترث السيسي بوضع أي خط مهما كان لونه بعد فشل المحادثات التي رعتها الولايات المتحدة العام الماضي. وأدت سياساته المترددة بين الترضية والتهدئة والتهديد إلى مواصلة أثيوبيا فرض الأمر الواقع على الأرض مما ضيق من خياراته. وربما كان الرئيس السيسي يعيش وهم ثقل مصر السياسي والدبلوماسي وقوتها الإقليمية، بشكل جعله يؤمن أن بلاده ستحصل على حقوقها حتى لو أقامت أثيوبيا وحشا هائلا من الإسمنت والحديد على واحد من أهم منابع نهر النيل ومصدر الحياة للملايين.
كل الحروب المقبل ة ستكون المياه سببها أما عن مصر والسودان فمن حقهما المطالبة بمياه النيل فمصر هي هبة النيل كما السودان لكن لن يستطيعا اعلان الحرب علي اثيوبيا فالحل في الحوار
لافي تهديد ولاشي على الأمن المائي حاج تكذبوا على الناس سد أسوان سوف يعوض النقص هذه السنة هذه الأخبار فقط لعرضها على التلفزيون والسياسي لن يضرب سد النهضة ابدا