سقوط “ميرتس”.. تبخّر الصوت الإسرائيلي الداعي لتسوية الدولتين مع الفلسطينيين

حجم الخط
1

الناصرة- “القدس العربي”: من أبرز عناوين الانتخابات الإسرائيلية انتصار اليهودية على الديموقراطية، تفاقم العنصرية المستندة على الكراهية، وازدهار الشعبوية، وتفوق التيار الإسلامي على التيار الشيوعي، وفق قرار الناخبين العرب ممن منحوا “القائمة الموحدة”، برئاسة منصور عباس، أفضلية على “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة” برئاسة أيمن عودة.

في إطار ذلك أفضت نتائج انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين إلى تصاعد حزب “الصهيونية الدينية” الفاشي من 6 مقاعد إلى 15 مقعداً، بعدما طارت على جناحي كراهية العرب والخوف والتخويف منهم، وعلى الاحتجاج، فيما سقطت كتلة اليسار الصهيوني الوحيدة في البرلمان الإسرائيلي، كتلة “ميرتس”، الوحيدة التي كانت تلفظ مصطلح “تسوية الدولتين”. وللمرة الأولى منذ تأسست كتلة “ميرتس” عام 1992 فشلت في تجاوز نسبة الحسم بقليل، وربما يعكس ذلك تواصل انزياح الإسرائيليين نحو اليمين والتطرف.

في أول تصريح لها، منذ الإعلان الرسمي عن سقوط “ميرتس”، قالت رئيستها زهافا غالؤون إنها مصدومة من وجود برلمان إسرائيلي يخلو من أتباع شولاميت ألوني ويوسي سريد، وامتلائها بفاشيين من أتباع الحاخام العنصري مئير كهانا. وكانت غالؤون قد حذرت بصوت مرتفع جدا قبيل الانتخابات من احتمال سقوط حزبها، بسبب اجتذاب لبيد أصواتها لصالح حزب “يش عتيد”، ولكن دون جدوى.

 واتهم رئيس “ميرتس” الأسبق يوسي بيلين رئيسة حزب “العمل” ميراف ميخائيلي، التي رفضت فكرة تحالف “ميرتس” مع “العمل” من أجل ضمان نجاحهما، مؤكدا أن النتيجة مضرة جداً، لأن هذه النتيجة تعني الكثير بالنسبة لتسوية الدولتين، ولقضية تغيرات المناخ وحقوق المثليين، وفي كل هذه القضايا لم تخجل “ميرتس” من رفع صوتها، ولذا فهذا فعلاً ضرر فادح للمجتمع الإسرائيلي.

عناد ميخائيلي

وتابع بيلين: “أنا شخصياً حزين جداً لأن الحديث يدور عن أفضل نواب في الكنيست، وما أحوجنا للمواقف التي يمثلوّنها ولم يخطر ببالي أن لا تجتاز كتلة “ميرتس” نسبة الحسم”. وقال إنه “ليس مفهوما لماذا أصرّت ميخائيلي على رفض التحالف حتى كادت كتلتها هي الأخرى أن تسقط”.

 يشار إلى أن حزب “العمل”، الذي أسسّ إسرائيل، وكان برئاسة بن غوريون وشيمون بيريز وإسحاق رابين يحقق نجاحات كبيرة في جولات انتخابية تاريخية بلغت حد الفوز بأكثر من 50 مقعداً، يحصل هذه المرة على أربعة مقاعد فقط.

من جهتها وجهّت ميخائيلي، في أول تصريح لها منذ الكشف عن نتائج الانتخابات، أصابع الاتهام لرئيس الحكومة ورئيس “معسكر التغيير” يائير لبيد بسقوط “ميرتس” وتراجع قوة “العمل”، منوهة بأنه لم يكترث للتحذيرات، وواصل المساس بالكتلتين المذكورتين من أجل زيادة قوة حزبه “يش عتيد”، طمعاً بأن يكون صاحب الكتلة الأكبر.

وقال رئيس سابق آخر لـ “ميرتس” حاييم أورون، معقباً على النتائج، إنه سيفتقد، في هذا البرلمان، اليسار غير المتلعثم الذي لا يحاول تربيع الزوايا.

وكانت كتلة “ميرتس” قد احتاجت، كي تنجو من السقوط، لـ 4500 صوت فقط.

وأضاف أورون: “سنفتقد يساراً إسرائيلياً صهيونياً واضحاً ولا يتأتئ، ولا يحاول أن يجد معجبين به، وهذه كانت وظيفة “ميرتس”. يلازمني شعور بالضيق لأن هذا خلل كان يمكن تلافيه بسهولة، لو أن رئيسة حزب “العمل” كانت تفكّر ولا تتحدث فقط، وقد ذهبت أصوات “ميرتس” لحزب “يش عتيد” من منطلق أن بعض أتباعها ظنوا أنه من الأفضل التصويت للبيد ليكون زعيم حزب كبير، في محاولة لرفع احتمالاته تشكيل حكومة والتغلب على نتنياهو”. وقال أورون إن هناك أهمية جماهيرية أيديولوجية تربوية كبيرة لوجود يسار واضح في إسرائيل يعرب عن مواقفه في قضية الاحتلال وفي قضايا اجتماعية أيضاً.

 وتابع: «قبل عشرين عاماً، كان قول تسوية الدولتين لشعبين يعتبر قولاً متطرفاً، مثلما كان يعتبر متطرفاً القول إن القدس عاصمة للدولتين، أو القول بالمساواة بين رجال ونساء، أما اليوم فهذا موجود في قلب المجتمع الإسرائيلي، وبفضل “ميرتس” صارت هذه الأفكار جزءاً من التيار المركزي الإسرائيلي».

تأسيس “ميرتس”

وكانت “ميرتس” قد تأسست عام 1992 نتيجة تحالف ثلاثة أحزاب: “مبام”،”راتس” و”شينوي”. وفي العام 1997 اندمجت ببعضها البعض وصارت حزباً واحداً.

 يذكر أن حزب “مبام” كان قد تأسس قبل نكبة 1948 وقيام إسرائيل، وكان ممثلاً بكافة البرلمانات الإسرائيلية منذ 1949.

وقادت كتلة “ميرتس”، منذ عام 1992 وزيرة التربية والتعليم، الناشطة من أجل حقوق الإنسان، الراحلة شولاميت ألوني، وخلفها في المنصب زميلها الراحل يوسي بيلين. وفي انتخابات الكنيست عام 1992، التي فاز بها حزب “العمل”، برئاسة إسحق رابين، كانت كتلة “ميرتس” قد فازت بـ 12 مقعداً، وشاركت في الحكومة التي وقعّت اتفاق أوسلو عام 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية. في انتخابات 1996 فازت كتلة “ميرتس” بتسعة مقاعد، وفي انتخابات 1999 فازت بعشرة مقاعد، وفي 2003 فازت بستة مقاعد فقطـ مما دفع يوسي سريد لتقديم استقالته من قيادة الكتلة.

وكانت “ميرتس” مناصرة في كافة المحطات التاريخية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين من خلال تسوية الدولتين، ووجهت انتقادات واضحة ضد الاحتلال وضد المساس بحقوق الإنسان. ولم تتردد شولاميت ألوني في توجيه انتقادات حادة لإسرائيل بلغت ذروتها بقولها إن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، وإن فاشية موسوليني كان يمكنها تعلم بعض الأمور من إسرائيل. وفي انتخابات الكنيست الثامنة عشرة عام 2009 فازت “ميرتس” بثلاثة مقاعد فقط، وفي انتخابات 2015 فازت بأربعة مقاعد، وفي مسيرتها كانت هذه الكتلة شريكة في أربع حكومات، وفي كثير من الجولات شملت قائمتها نواباً عرباً، من أبرزهم وزير الشؤون الإقليمية المنتهية ولايته عيساوي فريج، من مدينة كفر قاسم، ووليد صادق نائب وزير الزراعة الراحل، وغيداء ريناوي زعبي، التي انسحبت من الائتلاف الحاكم برئاسة نفتالي بينيت وساهمت في انهياره لاحقاً.

الانتقادات الموجهة للبيد

وجاء في انتقادات لبيد أنه “ارتدع” عن إدارة “الأزمة لدى الأحزاب العربية”، خوفاً من إبعاد ناخبين من الوسط– يمين، وتسبّب ذلك بإبعاد “التجمع الوطني الديموقراطي” إلى خارج الكنيست، على ما يبدو، ومنع كتلة مانعة ضد نتنياهو، وفقاً لصحيفة “هآرتس”. كذلك اتهمت المصادر لبيد “بتعظيم” قوة عضو الكنيست الفاشي إيتمار بن غفير، بأن صوّره “شخصية هامة طوال الحملة الانتخابية”.

ونقلت صحيفة “هآرتس” عن قيادي في أحد الأحزاب قوله إنه “بدلاً من استخدام المفاتيح الثلاثة التي بحوزته– توحيد الأحزاب العربية، تحمل المسؤولية حيال ناخبي العمل وميرتس، بعد رفضهما التحالف، وإدخال ناخبي اليمين في سبات، تنازلَ لبيد بكل بساطة عنهم الواحد تلو الآخر، وتسبب بانهيار الكتلة.

ويعتبر قياديون في قائمة “المعسكر الرسمي”، برئاسة غانتس، أن الأصوات التي حصلت عليها كتلة الأحزاب المعارضة لنتنياهو، وشملوا فيها “التجمع”، كان يمكن أن تقود إلى فوز هذه الكتلة في الانتخابات. “لبيد أدار الحملة الانتخابية من حديقة الورود والمنصة وليس من الميدان. وحتى الآن يتبين أن كتلة التغيير والأحزاب العربية حصلت على أصوات أكثر من كتلة نتنياهو.

في المقابل ردّ قيادي في “ييش عتيد” على هذه الاتهامات قائلاً إن “غانتس تخاصم مع لبيد بدلا من نتنياهو، وفشل في الحصول على مقعدين من اليمين، وهو المسؤول عن الخسارة. وبدلا من التعاون مع لبيد، انشغل غانتس بنفسه بشكل مهووس. وفيما أدار رئيس الحكومة لبيد حملة إيجابية ومحترمة تجاه جميع الشركاء في الكتلة، ومن أجل مصلحة الدولة، ثرثر غانتس حول حكومة متخيلة. وعدد المقاعد التي حصل عليها حزبه تعكس رأي الجمهور به”.

 وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن لبيد لجم اقتراحاً قدمه عضو الكنيست من حزب ميرتس، موسي راز، بخفض نسبة الحسم من 3.25% إلى 2%، رغم أن “المعسكر الرسمي” والقائمة الموحدة وافقتا على خفضها، بعدما كانت الكنيست قد رفعتها إلى 3.25%، بمبادرة رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان من أجل خفض تمثيل النواب العرب، وشاء القدر، هذه المرة، أن تؤدي مبادرة ليبرمان لإخراج “التجمع الوطني الديموقراطي” من الكنيست، لكن ذلك ضرب ليبرمان نفسه، فهذه النتيجة شقت الطريق لعودة عدوه اللدود بنيامين نتنياهو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    أكذوبة الدولتين هو اختراع الأمم المتحدة منذ 1947 وإلى يوم الناس هذا ?

إشترك في قائمتنا البريدية