غزة – “القدس العربي”:
بشكل خطير جديدا، يعيد الذكريات إلى الأسابيع الأولى للحرب المتواصلة على قطاع غزة، تشهد مناطق وسط وجنوب القطاع، علاوة عن مناطق الشمال التي تعاني الجوع منذ بدايات الحرب، من أزمة دقيق كبيرة، جعلت السكان يصنعون الخبز من الدقيق الذي تنتشر فيه الديدان والسوس.
الطعام دقيق فاسد
وفي هذه الأوقات نفد معظم الدقيق المخزن لدى السكان، والذي حصلوا عليه من خلال مساعدات غذائية أشرفت على توزيعها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” بشكل منظم، منذ شهر ديسمبر من العام الماضي، حتى ثلاثة أشهر مضت، حيث لم تعد هذه المنظمة الأممية قادرة على توزيع الدقيق، لعدم ورود الكميات اللازمة إلى مخازنها، بسبب تشديد سلطات الاحتلال إجراءات الحصار على المعابر التي تتحكم بكل ما يمر منها إلى سكان غزة.
ويطال الأمر الأسر جميعها في القطاع، بالأخص تلك التي كانت تنتظر دورها في استلام هذه المساعدة الغذائية، بعد أن نفد تقريبا ما كان متوفرا لديها من مخزون قليل، ما اضطر العوائل إلى اللجوء إلى صنع الخبز من الدقيق الفاسد في هذه الأوقات.
https://www.facebook.com/ajmubasher/videos/%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%8A%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%88%D9%86-%D8%B6%D9%85%D9%86-%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B2%D8%AF%D8%AD%D9%85%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AD%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA/1121782206174739/
ويقول محفوظ إبراهيم، وهو رجل في منتصف الخمسينيات، وقد نزح مع أسرته منذ بدايات الحرب إلى منطقة “مواصي” مدينة خان يونس لـ”القدس العربي”، إنه جال في الأسواق الشعبية بحثا عن أي كمية من الدقيق لشرائها لأسرته المكونة من 13 فردا، حيث يقيم برفقته في خيمة النزوح نجله وابنته المتزوجان، دون أن يجد شيئا.
ويوضح أن رجلا عرض شوال دقيق يزن 25 كيلوجراما للبيع مقابل مبلغ 100 دولار، وأن أحد المتجولين في السوق اشتراه على الفور، ويشير إلى أن الدقيق الذي يعرض بين الحين والآخر وبكميات قليلة في الأسواق، وتبيعه عائلات مضطرة لتوفير مبالغ مالية لشراء مستلزمات أخرى، يكون كما الدقيق المتواجد في المنازل، غير صالح صحيا للاستهلاك الآدمي، لكثرة السوس والديدان بداخله، غير أن هناك من يضطر لشرائه، حيث يؤكد هذا الرجل الذي لم يعد في خيمة نزوحه سوى أقل من 20 كيلوجراما من الدقيق، أن زوجته تعاني كثيرا في تنقية الدقيق من خلال “غربلته”، وأنها تخرج في كل مرة حفنة من السوس والديدان، لكنهم مضطرون لتناوله كطعام رئيس، لعدم توفر البديل، رغم رائحته وطعمه غير المقبولين في الأيام العادية.
ولا يعرف هذا الرجل ماذا سيفعل في حال نفد ما لديه من هذه الكمية القليلة، في ظل عدم وجود أي أنباء تفيد بقرب عودة برنامج توزيع الدقيق، والذي يعتبر الطعام الأساسي حاليا لملء البطون الجائعة، في ظل الارتفاع الكبير في أثمان الخضار والمعلبات، ويشير إلى أن أسرته تأكل حاليا وجبة طعام رئيسة بعد الظهر، تعتمد على كميات قليلة من الخبز، وليلا يجري إطعام الأطفال فقط حال لم يصبروا على الجوع.
ازدحامات أمام المخابز
وتعاني كثيرا في هذا الوقت الأسر التي نفدت كميات الدقيق من منازلها أو خيام نزوحها، وتضطر إلى إيفاد أحد أفرادها إلى المخابز القليلة التي لا تزال تعمل في مناطق وسط وجنوب القطاع، للحصول على ربطة من الخبز بزنة ثلاثة كيلو جرامات، بسبب الازدحامات الكبيرة والطابور الطويل الذي تكثر فيه المشادات والمشاكل، حتى وصول الدور، ويقول ماهر النجار، الذي يعيل أسرة مكونة من ثمانية أفراد بينهم أطفال، إنه يذهب في ساعات الفجر، ويعود بعد الساعة الواحدة ظهرا بربطة خبز واحدة، تكفي بالكاد أفراد الأسرة، وخلال حديثه مع “القدس العربي” يقول صالح إنه لو فكر في بديل الخبز في هذا الوقت، لن يجد بديلا، فلا الأرز ولا المعكرونة متوفرة بالكميات والأثمان التي يقدر عليها.
https://www.facebook.com/TRTArabi/videos/%D8%A8%D8%A3%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%8D-%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%BA%D8%A9-%D8%B7%D9%81%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%A8%D8%AD%D8%AB%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%84-%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B7%D9%82-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%88%D8%AA/1066194888329717/
وتعود أزمة الطعام في غزة، وفي مقدمتها الدقيق، بسبب تشديد سلطات الاحتلال إجراءات الحصار على القطاع، ومنعها مرور كميات السلع والمواد التموينية والمساعدات بالشكل الكافي، وقد أدى ذلك إلى حدوث الأزمة بهذا الشكل الخطير، خاصة في مناطق شمال غزة، وتؤكد المنظمات الأممية والمؤسسات الخدماتية أن كميات الطعام والمساعدات كانت أفضل قبل إغلاق سلطات الاحتلال معبر رفح الفاصل عن مصر قبل ستة أشهر.
وكان المفوض العام لـ “الأونروا” فليب لازاريني، تحدث عن أزمة الطعام في غزة، بالتحذير من المجاعة، بعد أن أكد استخدام سلطات الاحتلال الجوع كسلاح، لافتا إلى أن الناس في غزة يحرمون من الأساسيات، بما في ذلك الطعام للبقاء على قيد الحياة، وأكد أن ما يتم السماح بإدخاله إلى غزة ليس كافيًا، بمتوسط يزيد قليلاً عن 30 شاحنة يومياً، وهو ما يمثل حوالي 6% فقط من الاحتياجات اليومية، وطالب بزيادة تدفق الإمدادات الإنسانية والتجارية إلى غزة، والسماح بدخول القوافل إلى شمال غزة بانتظام ودون انقطاع، ومعالجة أزمة الجوع والقضاء عليها.
كما أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” أن دخول المساعدات إلى غزة وصل إلى “مستوى متدنٍ”.
حرق الخبز لتغيير الطعم
وتقول ابتسام ماضي، وهي سيدة نازحة وسط القطاع، إنها وجارتها في منطقة النزوح اللواتي لجأن إلى طريقة تعتمد على تحمير الخبز أكثر من المعتاد، للتغلب على طعمه الذي خلفه السوس المنتشر بداخله بكثرة، وتضيف لـ”القدس العربي” أن أفراد الأسرة لم يعودوا يستسيغون طعم الخبز، وأن الجوع يجبرهم على تناوله في هذا الوقت، وتقول إن أسرتها كباقي الأسر، لم تكن تعاني كثيرا من أزمة الدقيق خلال الفترة التي انتظمت فيها عمليات توزيعه كمساعدات إنسانية، فيما تفكر حاليا في تدبير أمرها لو نفد ما تبقى لديها، وتشير إلى أن أسرتها اقتسمت جزءا من الدقيق، وأعطته لأسرة شقيق زوجها التي نفد لديها الدقيق بالكامل.
هذه السيدة تحدثت عن مأساة الأسر في حال لم يتوفر الخبز، والذي بات الوجبة الرئيسة لإسكات الجوع، بسبب ارتفاع أثمان باقي السلع بشكل خطير، وقالت “والله ما بعرف كيف بدي وقتها أطعمي الأولاد الصغار”.
وكانت جهات دولية انتقدت الحصار الإسرائيلي على غزة، ودعت إسرائيل إلى فتح المعابر، وتدفق المساعدات للسكان المحاصرين، مع ارتفاع نسب الجوع والفقر، حتى إن الإدارة الأمريكية طالبت إسرائيل في وقت سابق بتحسين الأوضاع الإنسانية في غزة.