سلام كيري… الى اللقاء

حجم الخط
0

إن التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني هو الصيغة الدبلوماسية لقضية الطائرة الماليزية: فقد اختفى عن شاشات الرادار. وهو جاثم في مكان ما منذ ثمانية أشهر دون علامات موت ودون علامات حياة. ويأمرنا المنطق بأن نعلم تحطمه لكن الجهات المشاركة فيه تصر على أن الطائرة ما زالت في الجو.
كان الهدف الذي نصبه وزير الخارجية جون كيري واضحا وهو أن يقود في مدة تسعة اشهر حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية الى التوقيع على تسوية شاملة أو على اتفاق اطار على الاقل يفضي الى تسوية شاملة، وأنشيء من اجل ذلك فريق بلغ عدد اعضائه أكثر من 120 شخصا من الخبراء باسرائيل والخبراء بفلسطين والخبراء بازالة الموانع الامنية والسياسية والاقتصادية التي تعترض السلام المرجو. وعمل الامريكيون في القنصلية الامريكية في القدس ليالي وأياما من اجل التسوية ولم يدعهم كيري يستريحون، فقد كان الاتفاق يبغي أن يكون اعظم انجازات كيري. وحرص حينما لم يكن موجودا هو نفسه في المنطقة على اجراء مكالمات هاتفية طويلة مع نتنياهو وأبو مازن، فقد أراد أن يرضع اكثر مما أرادا أن يُرضع.
وتبين له أن شريكيه مستعدان للاستمرار في التحادث بلا نهاية لكنهما غير مستعدين للتوصل الى اتفاق. واضطر الامريكيون بالتدريج الى تغيير الهدف فصار اتفاقا على استمرار التفاوض نصف سنة آخر بدل اتفاق اطار. والزمن بدل السلام. فنتنياهو يريد أن يكسب زمنا وكذلك يريد عباس ايضا. وبرغم ذلك يشترطان شروطا. فهما يشتكيان على مسامع الامريكيين وكل واحد باسلوبه أنهما اذا لم يحصلا على شيء واذا لم يُذلا الطرف الآخر على رؤوس الاشهاد فان حزبيهما سيعزلانهما. أبو مازن مع دحلان وقيادة فتح؛ ونتنياهو مع داني دنون ومؤتمر الليكود. وكلما كانا بطلين في الخارج أصبحا مسكينين في الغرف المغلقة.
حارب الفريق الامريكي في الليالي الاخيرة من اجل الدفعة الرابعة من الافراج عن السجناء. يقول أبو مازن: دفعت ما يجب علي في بداية المحادثات؛ ويطلب نتنياهو دفعة اخرى الآن. ويبحث الامريكيون عن حل يروي ظمأ الزعيمين الى انجاز.
إن الخلاصة قاسية: فقد مرت ثمانية اشهر مع قدر كبير من الاستعداد للاصغاء من قبل نتنياهو ومن قبل عباس ايضا، ومع ذلك يوجد شك كبير بينهما زاد قوة فقط في اثناء المحادثات؛ ولا يوجد أي تقدم.ربما حان الوقت ليقال للادارة الامريكية حسبك. إنه لحسن حقا أنكم تجهدون كثيرا من اجلنا لكن لا حاجة الى ذلك حقا، فرئيس وزرائنا ورئيس السلطة الفلسطينية ليسا ولدين يحتاجان الى حاضنة. فهما يدركان جيدا نوع المسؤولية الملقاة عليهما، ومقدار الاخطار وترتيب الاولويات فاتركوهما يحاولان تدبير امورهما وحدهما.
إنكم تعرفون التاريخ جيدا وذاك أن كل تفاوض بين اسرائيل وجهة عربية انتهى الى اتفاق قد بدأ من وراء ظهوركم. كان كذلك السلام مع مصر والسلام مع الاردن واتفاق اوسلو ايضا. واحتيج الى التدخل الامريكي في النهاية لكنه كان مشوشا فقط في البداية.
وأنتم تعرفون ايضا الدرس التاريخي الثاني وهو أنه لن يكون اتفاق اذا لم يكن عند أحد الطرفين على الأقل حاجة واضحة الى اتفاق. كانت ظروف بدء الجولة الحالية مختلفة، فلم يكن أي واحد من الطرفين يتمنى اتفاقا ولم يؤمن به. ولم يكن أحد من الطرفين يعتقد أن الاتفاق ضروري لبقائه وكان الوسيط هو الوحيد الذي آمن بذلك.والدرس التاريخي الثالث هو أن صراعنا لم يعد مهما جدا من الوجهة الدولية فليس فيه ما يدعو الى حرب اقليمية أو الى ازمة بين قوتين من القوى العظمى؛ وهو لا يهدد تدفق النفط أو مصالح امريكية حيوية اخرى. وستكون بالطبع أثمانا للاعتزال الامريكي لكن امريكا تستطيع معايشتها.
ليست المشكلة مشكلة كيري بل المشكلة مشكلتنا، أعني الفلسطينيين والاسرائيليين. كان الفلسطينيون يستطيعون أن يكونوا اليوم الاكثر تقدما بين الشعوب العربية وأن يتمتعوا بنظام ديمقراطي وحياة رفاه، لكنهم يخسرون سنوات نفيسة ويضيعون أجيالا. وإن استمرار الاحتلال يؤبد مهانتهم وضعفهم وفساد مؤسساتهم وتعلقهم بالمنح الخارجية، وعزاؤهم الوحيد هو أنهم يستطيعون الاستمرار في رعاية حلم فلسطين الكبرى من الاردن الى البحر.
ومشكلتنا أشد، فان استمرار الوضع الراهن سيجعلنا بالضرورة دولة فصل عنصري منبوذة في الغرب، ومضعضعة اخلاقيا، ومنقسمة في الداخل. وستكون المرحلة التالية دولة ذات شعبين، ونتنياهو يعلم هذا، وبرغم ذلك لا يستطيع أن يوقفه.
ما بقي الامريكيون يحصرون سلطتهم كلها وقوتهم كلها في الابقاء على تفاوض عقيم وفي الطيران الطويل الى لا مكان، فان القيادة السياسية العليا في الطرفين معفاة من تقديم كشف حساب عن افعالها وتقصيرها. وهذا هو الضرر الذي يحدثه كيري للشعبين. فهو لا يقدم علاجا لهذا الصراع الصعب بل هو يقدم له في الاكثر حبة اسبرين.
يديعوت 31/3/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية