دبي – رويترز: إذا استطاع الرئيس الإيراني حسن روحاني تحقيق حلمه في التوصل إلى إتفاق مع القوى العالمية حول برنامج طهران النووي في غضون ستة أشهر، فإن سلطنة عمان وهي وسيط مهم في النزاع قد تصبح فائزا كبيرا.
لكن دعوة روحاني في نيويورك الأسبوع الماضي للتوصل إلى اتفاق في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر تأتي بعد ارهاصات كثيرة لم تتبلور لحل أزمة إيران المستمرة منذ عشر سنوات مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني.
وقبل أسابيع من أول رحلة خارجية يقوم بها روحاني منذ توليه مهام منصبه في آب/أغسطس زار مسؤولون من سلطنة عمان طهران في محاولة لشراء الغاز من إيران، آملين في رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية في يوم ما، حتى تستطيع بلادهم الحصول على امدادات من الغاز تحتاجها بشدة عبر خليج هرمز.
وتحوز إيران أكبر احتياطيات من الغاز في العالم. وتحاول عمان شراء الغاز الإيراني منذ عام 2005 لتشغيل صناعات تحتاج إلى طاقة كثيفة ووحدات لتصدير الغاز الطبيعي المسال كانت تخطط لإنشائها قبل أن تخفض تقديراتها لاحتياطياتها من الغاز.
ولم يتم إحراز أي تقدم في مشروع خط أنابيب ينقل الغاز من إيران إلى عمان منذ ذلك الحين، نظرا لخلافات حول الأسعار وعقوبات غربية عرقلت مشروعات طاقة إيرانية، إضافة إلى ضغوط أمريكية على عمان لإيجاد موردين آخرين.
لكن عمان تحتل مركزا متقدما في طابور يتشكل أمام أبواب إيران مماثل لما شهدته ميانمار عند رفع العقوبات المفروضة عليها.
وتحركت مسقط سريعا لتعزيز العلاقات مع طهران منذ انتخاب الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني، وهو ما يساهم في تحسين آفاق التجارة على الأجل الطويل. وكان السلطان قابوس بن سعيد أول رئيس دولة يجتمع مع روحاني بعد تولي الرئيس الإيراني مقاليد السلطة في أوائل آب/اغسطس.
وفي تلك الجولة وقع وزيرا الطاقة في البلدين إتفاقية لتوريد الغاز يقدر وزير الطاقة الإيراني قيمتها بنحو 60 مليار دولار على مدى 25 عاما، وهو ما سيكون أكبر صفقة تجارية على الاطلاق بين طهران ومسقط.. هذا إذا بدأ تدفق الغاز بينهما.
وقال وزير الطاقة العماني محمد بن حمد الرمحي لرويترز في أوائل أيلول/سبتمبر بعدما وقع إتفاقية الغاز مع إيران في أواخر آب/اغسطس إن الحكومة الجديدة في إيران لها توجه مختلف، معربا عن تفاؤل بلاده بحل جميع الخلافات السياسية بين إيران والغرب حيث يسود شعور في عمان بأن الأمور تتغير.
وتشهد العلاقات توترا بين حكام الخليج السنة وقادة إيران الشيعة، لكن سلطان عمان قابوس بن سعيد يحتفظ بعلاقات جيدة نسبيا مع طهران طوال فترة حكمه البالغة 43 عاما. وقابل السلطان قابوس وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وكبار المسؤولين العسكريين في طهران خلال زيارته للعاصمة الإيرانية مؤخرا، كما وقع وزير دفاعه إتفاقية تعاون عسكري مع إيران في منتصف ايلول بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء العمانية الرسمية.
وقال دبلوماسي غربي إنه رغم تحسن المناخ السياسي منذ مجئ روحاني إلى السلطة، إلا ان العقوبات لا تزال تعمل بقوة وأي شركة تشارك في مشروع تعد منتهكة لتلك العقوبات.
وبدأت عمان في استيراد الغاز القطري من خلال خط أنابيب يمر عبر دولة الامارات العربية المتحدة في 2007. لكن تلك الكميات ليست كافية. ونقلت برقية للسفارة الأمريكية يرجع تاريخها إلى السادس من ايار/مايو 2009 عن الوزير الرمحي قوله إن واردات الغاز من إيران ضرورية وحتمية نظرا لأن قطر والسعودية رفضت طلباته لاستيراد الغاز.
وامتنعت السفارة الأمريكية ووزارة الطاقة العمانية في مسقط عن التعليق على إتفاقية الغاز الأخيرة، لكن مصدرا دبلوماسيا غربيا قال إن تلك الإتفاقية لم توقع بموافقة الولايات المتحدة رغم تحسن أفق العلاقات مع طهران.
وقال مسؤول أمريكي في واشنطن دون إسهاب ‘جرى نقل المخاوف الأمريكية إلى عمان.’
وقال محللون إن تنامي طلب عمان على الغاز بدأ يؤثر بالفعل على صادراتها المحتملة من الغاز الطبيعي المسال، وانه إذا لم توفر السلطنة مزيدا من الغاز فإن تلك الصادرات قد تنضب على مدى العقد القادم.
وقال مسؤولون إيرانيون إنهم يتوقعون بدء تصدير الغاز لعمان في غضون عامين لكن الرمحي قال إنه يستبعد بناء خط أنابيب تحت البحر يشكل تحديا فعليا في هذا التوقيت.
وتزامنت محادثاته في إيران مع مواصلة شركة الطاقة البريطانية بي.بي مفاوضاتها المتعلقة بمشروع خزان لاستخراج كميات من الغاز يصعب الوصول إليها في عمان، وقد تصل امدادات المشروع إلى نحو مليار قدم مكعبة بحلول 2018.
ولا تزال عمان في حاجة إلى مزيد من واردات الغاز على الأجل الطويل، لذا فمن المنطقي أن تمهد الطريق من الناحية السياسية حتى وإن عرقلت العقوبات إحراز تقدم.
وقال ريتشارد كوين كبير محللي بحوث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى وود ماكينزي للاستشارات في ادنبرة ‘نظرا للتغييرات الأخيرة في القيادة السياسية الإيرانية فالوقت جيد للعمل من أجل التوصل إلى صفقة منفعة مشتركة. يتيح هذا العمل على الأجل الطويل وقتا أمام التحديات الجيوسياسية القائمة بين إيران وبقية العالم لتحرز بدورها بعض التقدم الفعلي.’
ووقعت طهران صفقات لتوريد الغاز إلى باكستان والعراق وعمان، لكن حاجة طهران الشرهة للغاز جعلت من الصعب عليها تلبية التزامات المبيعات الحالية مع تركيا ودفعتها لاستيراد الغاز من تركمنستان.
ويظهر تأخر بناء خط أنابيب إلى باكستان الصعوبات المالية والسياسية التي يواجهها هذا المشروع أو أي مشروع آخر مماثل مادامت طهران موجودة في القائمة السوداء لواشنطن.
ولم يتحدد بعد مسار خط الأنابيب المزمع من إيران إلى عمان، لكن الخيارات المتاحة جميعها تشكل تحديات من الناحية الفنية لبلد لم ينشئ من قبل خط أنابيب يمتد تحت مياه الخليج.
ويقول محللون إن آمال الإيرانيين في الاستفادة من الطاقة الزائدة في وحدات تصدير الغاز الطبيعي المسال العمانية لشحن الغاز الإيراني إلى الأسواق العالمية لا تعدو أكثر من حلم بعيد المنال، نظرا لأن الشركات الغربية القلقة من العقوبات تملك حصصا في تلك الوحدات.
وقد تتمثل أكبر عقبة تعترض التوصل إلى إتفاق في تحديد أسعار الغاز الإيراني. فأسعار الغاز في عمان عند مستويات أقل من التكلفة لدى معظم المنتجين وحتى بعد الزيادة المزمعة في الأعوام القليلة القادمة فإنها ستظل أقل من المستويات العالمية.
وترى إيران إن الجزء المتعلق بالغاز الطبيعي المسال في المشروع سيحسن النواحي الاقتصادية نظرا لأنه سيتيح الوصول إلى الأسواق في شرق آسيا التي تدفع حاليا أسعارا تزيد بخمسة أمثال لشراء الغاز.
لكن محللين يقولون إنه من الصعب أن يوافق شركاء عمان على شروط الإتفاق مع إيران وإذا لم توافق إيران على توريد الغاز لعمان بسعر أقل من المستويات المنخفضة لصادرات الغاز الطبيعي المسال التي وقعتها مسقط على الأجل الطويل فإن عمان قد تجد أنه من الأجدى اقتصاديا وقف صادراتها من الغاز الطبيعي المسال.