سلمان والعرش السعودي… ميراث ثقيل من التحديات

حجم الخط
11

بينما تسابق زعماء ومسؤولون كبار للحاق بمراسم تشييع الملك عبدالله بن عبد العزيز في الرياض امس، كانت صور وهواجس وحسابات وسيناريوهات تتصارع في مخيلات كثيرين، بشأن الآثار المحلية والاقليمية المهمة التي قد يتركها غيابه عن المشهد في هذا التوقيت الحرج، في ظل ما كان يملكه من سلطة معنوية فريدة، وثقل سياسي وازن، في عالم عربي تعصف به خلافات سياسية واضطرابات أمنية واسعة.
ومن غير شك فان هذه العوامل لعبت دورا حاسما في نجاح الملك الراحل مؤخرا في اعادة ترتيب البيت الخليجي، والتأسيس لمصالحة مصرية قطرية، ما حفظ على العالم العربي حدا ادنى من تماسكه، في مواجهة اخطار تضيق خناقها على خارطته، بل ومستقبل وجوده.
وعلى الرغم من ذلك، فقد ترك الملك الراحل لخلفه سلمان، تحديات استراتيجية وسياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة سواء محليا او اقليميا. وكان موضوع تسلسل انتقال العرش، وربما مازال، واحدا من اصعبها واشدها حساسية. وللمرة الاولى في تاريخ المملكة، تتم تسمية ولي ولي العهد مع تولي الملك الجديد للمسؤولية، كما انها المرة الاولى التي يسمى فيها واحد من احفاد عبد العزيز وريثا للعرش.
وجاءت تسمية الامير محمد بن نايف، المعروف بقربه من الولايات المتحدة، لهذا المنصب منفصلة عن تعيين الامير مقرن وليا للعهد، بعد ليلة طويلة فيما يبدو من المشاورات. وليس سرا ان القرار لن يروق بالضرورة لكثيرين، ومنهم الامير متعب نجل الملك الراحل ورئيس الحرس الوطني القوي، والاميران خالد وبندر نجلا ولي العهد الراحل الامير سلطان، خاصة ان الملك سلمان خص نجله محمد بمنصبي وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي، ما يجعله الشخص الاقوى عمليا بين اقرانه من الجيل الثاني، ويمنحه حظوظا مهمة في الطريق المزدحم إلى العرش. لكن يحسب للملك سلمان انه ربما نجح في تفادي صراع علني بين اجنحة العائلة، وحافظ على مصداقيتها واستمراريتها، بانفاذ الامر الملكي الذي اصدره الملك عبد الله قبل عدة شهور بتسمية الامير مقرن وليا لولي العهد، رغم اعتراضات بعض الأمراء، متجاوزا الاميرين السديريين احمد وعبد الرحمن.
وعلى الصعيد الداخلي، فان الملك سلمان يتسلم اوضاعا لا ينقصها التوتر، في ظل استنكار دولي للحكم بجلد الناشط رائف بدوي، وانتهاكات اخرى لحقوق الانسان. وحتى اذا كانت البرقية الامريكية التي كشف عنها ويكيليكس في العام 2007 دقيقة في قولها ان «الامير سلمان لا يعتقد ان الحكم الديمقراطي يناسب السعودية»، فان هذا لا ينفي الحاجة الملحة إلى اجراء اصلاحات واسعة تتعلق بحرية التعبير وخاصة بين الشباب، وحقوق المرأة والاقليات الدينية.
اما على الصعيد الاقليمي، فان الملك سلمان يجد على مكتبه ملفات ساخنة بل متفجرة، تحتاج إلى قرارات حاسمة، بينها اليمن الذي دخل مرحلة من الفوضى قبل ساعات قليلة من توليه العرش باستقالة الرئيس هادي وحكومته، وانفصال محافظات الجنوب، وانقلاب الحوثيين على الشرعية، وما يواجهه من مقاومة في صنعاء وغيرها، ثم شبح الحرب الاهلية- المذهبية التي قد تتجاوز الحدود إلى الشمال.
ولا يقل التهديد الذي يطل عبر الحدود العراقية خطورة، وان كان يأتي ضمن تحد استراتيجي اوسع تقوده إيران، التي توعد رئيسها حسن روحاني السعودية علنا بانها «ستندم» بسبب ما اعتبرد دورها في انهيار اسعار النفط.
ومن المتوقع ان يقتفي الملك سلمان اثر اخيه على الدرب نحو ترميم الصف العربي، ثم تقويته بمواجهة عواصف التطرف والإرهاب، وزلازل التبدل في التحالفات، ونيران حروب اقليمية تدق الابواب. وهكذا سيصرعلى اتمام المصالحة العربية، بالشروط نفسها التي اشرف الملك الراحل على وضعها بنفسه، كما سيواصل دعم مصر اقتصاديا وسياسيا سعيا إلى احداث حالة من التوازن في وجه توسع النفوذ الإيراني.
لكن هذا لا ينفي امكانية اعتماده مقاربات جديدة اكثر واقعية، لكنها تصبح اقل صعوبة في ظل وجود قيادات جديدة، في ملفات مزمنة في تعقيدها، كالازمة السورية، او الحرب الباردة مع إيران او مكافحة الإرهاب.
وسيتعين علينا الانتظار لنعرف ان كانت التغييرات الواسعة في القيادة السعودية ستنتج اعادة للنظر في تناول قضية انخفاض اسعارالنفط، بسبب ما ترتبط به من توازنات داخل الحكومة، خاصة في ظل تراجع متوقع في نفوذ الامير سعود الفيصل، الذي كان يستند إلى دعم مباشر من الملك الراحل في الهيمنة على وزارات اخرى بينها النفط.
وعلى اي حال فان التجديد في القيادة السعودية قد يكون مجرد «اول الغيث» في منطقة عانت من الجمود والديكتاتورية عقودا طويلة، وهو وضع لم يعد ممكنا استمراره بعد ان هبت عليها رياح التغيير.

رأي القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول lakhdar mouhamed:

    ستظل المراوحة سيدة الموقف

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية