ميثاق الأمم المتحدة فُرض كعقد لاحتكار القوة على الدول الضعيفة، التي فقدت بسببه استقلالها جزءا من استقلالها. والانتقائية المفضوحة في تطبيق القانون الدولي على الكيانات الجيوبوليتيكية الهشة، تؤكد عجز هذا الميثاق أمام الأقوياء، الذين حافظوا على استقلالهم من القانون الدولي المفترض. وما دامت الهيئة الدولية بمنزلة نادي الخمسة الأقوياء، فالأمور السلبية من هذه العضوية بالنسبة لبقية الدول تفوق الإيجابية.
وإلى الآن ليس من السهل أن تقبل الدول التي تحتكر وسائل العنف، وتندفع إلى الغزو والحروب الهمجية، بالمسارات الدبلوماسية التفاوضية، وكل ذلك بدعوى حماية الاستقرار، والحفاظ على دورها المهيمن على العالم.
ويبدو أن اندماج إسرائيل في الاقتصاد العسكري الأمريكي يجعلها أقوى قاعدة، وأكثرها موثوقية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. والزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى تل أبيب، تثبت أن إدارة بايدن مستمرة هي الأخرى في تقديم الدعم اللامتناهي للكيان الإسرائيلي، عابثة بالقرارات الدولية وبحقوق الشعب الفلسطيني، في تشجيع واضح للقادة المتطرفين في هذا الكيان، على المضي قدما في انتهاكات حقوق الإنسان، وتجاهل الهيئات الأممية بما فيها ما يصدر عن محكمة العدل الدولية. والإدارة الأمريكية على دراية بأنّ السماح بالتفوق الإيراني في المنطقة يعني تهميش القاعدة الأمامية للقوة الأمريكية. فمنذ سقوط الشاه في إيران الذي كان رجل أمريكا في الشرق الأوسط، وركن قوتها الأكبر، أصبحت إسرائيل منذ عام 1979 أكثر أهمية لدى الولايات المتحدة، وظلت هكذا حتى يومنا هذا. وما داموا يخدمون المصالح الأمريكية فيمكنهم عمل ما يشاؤون. فالفلسطينيون لا يقدّمون شيئا لأمريكا، ولا يملكون أي ثروة، أو أطماع جغرافية واستراتيجية. ولهذا ليس لهم أي حق في أي شيء. أمّا الكيان الإسرائيلي، فيمثل «قاعدة عسكرية أمريكية» بتوصيف تشومسكي. ومن الطبيعي أن تحاول الولايات المتحدة في كل مرة سدّ الطريق أمام السلام في المنطقة، لرغبتها في أن تسيطر إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط عسكريا لصالحها. فأمريكا أكثر دولة نقضت قرارات مجلس الأمن، تليها المملكة المتحدة ثم فرنسا، منذ أن وقعت الأمم المتحدة بأجهزتها كافة تقريبا، في قبضة المعسكر الرأسمالي الغربي بقيادة واشنطن. وطوال هذا الوقت قدّمت عبر تدخلاتها الخارجية في البلدان ذات السيادة عروضا واضحة وجلية للمبادئ الفاشية، مع التأكيد في الوقت ذاته على صحة مبادئها الأخلاقية، كسلوك تقليدي للثقافة الفكرية للدولة الأمريكية. وهم إلى الآن يبيعون نسخا قبيحة من الديمقراطية والعلمانية، بأنها عقيدة دينية، ولا يسمحون بأن تكون العدالة للجميع، وأن يرتقي هذا المصطلح فوق أي حدود سياسية أو جغرافية. ومشروع نشر الديمقراطية كان عبارة عن اغتيال انتقائي، هاجسهم المتواصل فيه هو، الحفاظ على النظام الأساسي للمجتمعات غير الديمقراطية، وتجنّب تغييرات على المستوى الشعبي، حتى لا تفقد واشنطن ودول أوروبية استعمارية السيطرة على النظام الاقتصادي والسياسي. هذا النظام الذي ترك حكام الدول المغلوبة على أمرها، يقومون بالتنسيق، ويحاولون التفاهم مع القوى الامبراطورية السابقة، أي الدول الاستعمارية الكبرى، بوصفها صاحبة السلطان على الاقتصاد العالمي. وهي تؤثر بشكل واسع في النظام الاقتصادي والاجتماعي للدولة الوطنية، من خلال القروض والتداين، الذي تشرف عليه الأذرع المالية للقوى الكبرى، وهي أساسا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى تل أبيب، تثبت أن إدارة بايدن مستمرة في تقديم الدعم للكيان الإسرائيلي، عابثة بالقرارات الدولية وبحقوق الشعب الفلسطيني
ومن السهل ملاحظة الاستنفار الإعلامي والسياسي عند وقوع أفعال معادية للسامية، بشكل لا يقارن بأي حال بردود الفعل في حال وقوع عنف ضد العرب، أو المسلمين. تصوّروا لو أنّ إيران هي من قامت بتخريب منشأة نووية إسرائيلية وليس العكس، كما حدث مع هجوم نطنز. لا شك بأنّ الاتحاد الأوروبي لن يكتفي ببيان يدعو فيه لعدم تقويض محادثات فيينا، والجهود الدبلوماسية لعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي. وسيكون موقف واشنطن مخالفا تماما لتصريح البيت الأبيض الخجول، بأن أمريكا لا علاقة لها بالهجوم الإلكتروني للموساد على المنشأة الإيرانية، في محاولة للنأي بالنفس، وكسب نقاط تفاوضية.
ما يحدث ليس مستغربا، تقلّ أصوات الاحتجاج الغربية في كل القضايا المتعلقة بالعالم الإسلامي، وأدعياء النضال، ومناصرو الحرية ومفاهيم الحداثة يختفون عندما يتعلق الأمر بالعنصرية ضد العرب، أو بالإسلاموفوبيا، بل إن البعض يدحض مصطلح إسلاموفوبيا، لأنه قد ينطوي على منع انتقاد الدين الإسلامي، ويكون بالتالي مخالفا للحريات. ومنذ ما يزيد عن عقدين أصبح التشهير بالإسلام والمسلمين لا يسيء إلى من يستمع إليه، ولا إلى الموقع الفكري والاجتماعي لمن يتعاطونه في الأوساط الغربية المتطرفة. وعملية التشهير متواصلة، وهي تمرّ عبر قناع، هو مصفاة محاربة الإرهاب، والرقابة الدينية والدفاع عن العلمانية وقيم الجمهورية، أو عن حرية المرأة.
ما من عمل تقوم به إسرائيل إلّا ويكون ضمن الحدود التي تسمح لها الولايات المتحدة به، وبتخويل من أمريكا ودعمها. ولهذا فهي على الدوام أعمال وحشية أمريكية إسرائيلية مشتركة، ولأجل كيانها الاستراتيجي، حوّلت واشنطن سياساتها نحو موقف أكثر تطرفا تجاه الشرق الأوسط، بما في ذلك علاقتها بإيران. والفيتو الأمريكي لصالح إسرائيل عطّل الشرعية الدولية، وفي كل مرة يقدّم الاعتذاريون المبررات للإرهاب الإسرائيلي، ويرون هذا الكيان ضحية يقوم برد الفعل على إطلاق النيران من الأراضي اللبنانية أو الفلسطينية. ومازالوا يطرحون اللجوء إلى القوة كخيار، لا تستبعده واشنطن وتصر عليه تل أبيب، لمنع حيازة دول بعينها القدرات النووية، متجاهلين بأنّ إسرائيل تمتلك السلاح النووي، وترفض التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ومن الأفضل لهم أن يكون التلويح بتدخل عسكري ضد إيران لا يتجاوز الضغط المعنوي ضمن مسارات تفاوضية، لأنّ هذه المغامرة سيكون لها أعمق الآثار على الغرب عسكريا واقتصاديا، وعلى الكيان الصهيوني وجوديا. وهي مخالفة لكل المغامرات العسكرية في الشرق الأوسط، فمثل هذا التصرف قد يرضي شعورهم بالتفوق والهيمنة، ولكنه في الواقع مساعدة على الانتحار أكثر منه استراتيجية لضمان بقاء إسرائيل، المنزوعة الشرعية حاضرا ومستقبلا.
كاتب تونسي
ما يهم طهران الآن هو مدى تأثير هذا الحادث في المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة في فيينا حول احتمال عودة متبادلة للاتفاقية النووية لعام 2015، فبينما يأمل بعض الإيرانيين في ألا يؤدي الهجوم الأخير إلى إفساد محادثات فيينا على اعتبار أن كلاً من الولايات المتحدة وإيران ترغبان في العودة إلى الاتفاقية بطريقة تخدم مصالحهما الخاصة،إلا أن فريقاً آخر من المتشككين في النوايا الأميركية ربما يعتقدون أن الهجوم الأخير على منشأة نطنز تم بالتنسيق والتعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل على الرغم من نفي واشنطن المتكرر بأنها لم تكن أبداً طرفاً في هذا الهجوم أو كانت على علم مسبق به.
مقال مفيد جدا وفيه رؤية وتحليل عميقين.
من الواضح بأن ورقة إيران التفاوضية كانت وستظل دائماً تتمثل في تهديداتها بأن تصبح دولة نووية وأنها تقترب كل يوم أكثر من معدلات تخصيب أعلى.
العلاقات الإيرانية الأمريكية عرفت قدرا من القطيعة الدبلوماسية والصراع السياسي ابتدأت في عام 1980 منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، ويعتبر الصراع الأمريكي الايراني اهم مسارات الصراع,وفي ظل الاصرار الأمريكي على لعب دور القوة العظمى المهيمنة في المنطقة ، ولذلك فان المواجهة بينهما يمكن ادراجها ضمن اطار الصراعات الصفرية بحيث تسعى كل منهما الى ابعاد الأخرى عن مجال التأثير في معادلة توازن القوى في المنطقة.
أمريكا لاترغب في قبول عالم متوازن وتعترف بأن العصر هو تعدد أقطاب. يصعب عليها ذلك في ظل تعاظم قدرات روسيا والصين دوليا ومنافسة ايران لها اقليميا.
مقالك مهم ويستفاد منه. هنيئا للقدس العربي بكتاب أفذاذ. دام تألقكم