ذات يوم كان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن قد صنّف إيران في خانة “محور الشرّ”، على صعيد الخطاب والسياسة المعلنة؛ وفي الآن ذاته كان قاسم سليماني، أبرز ضباط “الحرس الثوري” الإيراني المسؤولين عن توسيع رقعة ولاية الفقيه في الشرق الأوسط، أبرز المنسّقين مع البنتاغون وأجهزة الاستخبارات الأمريكية المختلفة في التفكيك المنهجي لنفوذ الطالبان في أفغانستان. تلك صيغة من التعاون الأمريكي ــ الإيراني كانت نادرة بالطبع، في عصور ما بعد انتصار الثورة الإسلامية؛ لكنها لم تكن الوحيدة، إذْ سوف تتكرر خلال رئاسة باراك أوباما حين سيقود سليماني التنسيق بين الميليشيات العراقية الشيعية وضباط “الحرس الثوري”، من جهة؛ والقوات الأمريكية التي استقدمتها الحكومة العراقية من جهة ثانية، في الحرب المشتركة ضدّ “داعش”.
هذه المفارقة، غير الغريبة البتة عن ثقافة التعايش بين الولايات المتحدة وخصومها، الافتراضيين والموسميين تحديداً، لم تكن السبب الأبرز وراء رضوخ بوش الابن وأوباما، ثمّ دونالد ترامب نفسه في الواقع، للحيثيات التي ساقها مستشارو مجلس الأمن القومي الأمريكي المتعاقبون، ضدّ وضع سليماني على لائحة صيد الطائرات المسيّرة. كان الناصحون على دراية كافية بما يمكن أن تسفر عنه عملية كهذه، بصرف النظر عن مغانمه؛ فالرجل تلطخت يداه بدماء أمريكية وافرة تستدعي الثأر والقصاص؛ لكنه، أيضاً، الرجل الذي كان مفيداً، ويمكن أن يفيد في قليل أو كثير عند أيّ منعطف مقبل. هذا إلى جانب مقدار الاستفزاز الذي ستنطوي عليه عملية إزاحته من المشهد، خاصة إذا تمت ضمن ملابسات استعراضية تظهّر شخصية التفوّق اليانكي السوبرماني وتجرح الوجدان الجَمْعي الإيراني خصوصاً، ثمّ الشيعي الكوني عموماً.
وهكذا فإنّ الاعتبارات التي حصّنت بوش الابن وأوباما من الوقوع تحت إغواء الذهاب إلى صيد الضواري، ظلت سارية المفعول عند ترامب نفسه أيضاً؛ خاصة وأنّ الطريدة، سليماني، لم يكن متوارياً في جحر على غرار اسامة بن لادن أو البغدادي، بل كان يسرح ويمرح في رابعة النهار. في ليل اليوم الثاني من السنة الجديدة 2020 بدت الإغراءات أشدّ جاذبية من أن تُقاوم، عند رئيس حشر ذاته في أكثر من معركة سياسية داخلية تستلزم قتال الضواري، بعقلية الضواري! الانتخابات الرئاسية على الأبواب، وخصوم الرئيس الديمقراطيون لا يوفرون جهداً لتضييق الخناق عليه عبر إجراءات عزل لا تقتل لكنها تصيب بالدوار، والتصعيد مع إيران بدأ من نقض الاتفاق النووي الأممي وانتقل إلى حرب اقتصادية قوامها عقوبات لا مثيل لها في التاريخ، وها أنه يعبر الحدود إلى العراق… تحت سمع وبصر، ثمّ تخطيط وإشراف، الجنرال الإيراني “المفيد” إياه: سليماني.
والسؤال المدرسي الذي يمكن أن يطرحه ذو البصيرة، فما بالك بأيّ محلل أو خبير أو مستشار في شؤون وشجون السياسة والأمن: هل التخلّص من الأفراد (إذْ هكذا بدت عملية اغتيال سليماني) يمكن أن يبدّل ستراتيجيات عداء كبرى متكاملة، تتفاقم كلّ يوم وتزداد اشتعالاً، بين واشنطن وطهران؟ السؤال المتفرع، والرديف، يتقدّم منطقياً هكذا: وهل الانتقام (إذْ لاح أنّ هذا هو الدافع الثاني، إذا لم يكن الأوّل) ستراتيجية سليمة، ولدى قوّة كونية عظمى على وجه التحديد؟ ولكن، استطراداً، متى كان هذا الطراز من الأسئلة يستولد دلالة كافية، فما بالك أن تكون رادعة، عند الدماغ الذي يحمله ترامب في رأسه؟
في كلّ حال، كان سليماني مجرم حرب، بامتياز، في يقين الملايين من أبناء سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان وأماكن أخرى كثيرة، ممّن أنزلت بهم خياراته الفاشية كوارث مأساوية دامية وبعيدة العواقب؛ وكان عند ملايين آخرين، في المقابل، رأس حربة كبرى لبسط نفوذ ولاية الفقيه، وشحن المقاتل في ميليشيات التشيّع بالغلوّ الأقصى والأشدّ تعطشاً إلى إراقة الدماء على مذبح التعصّب المذهبي. وغيابه لن يحول دون صعود خليفة سواه، أشدّ بطشاً وشراسة وفاشية، إذْ أنّ حراب الوالي الفقيه لا تُعدّ ولا تُحصى.
كان مقبلا على التقاعد بحكم سنه ٦٥
أمريكا كانت بحاجة إلى ورقة ثقيلة رمزيا للتسويق الداخلي
ضحت بالشخص و لم تكن بالسداجة لتضحي بالمنصب الذي قدم لها ما لم تستطع جيوشها أن تنجزه
لنعد إلى الأسابيع ابأخيرة من ٢٠١٩, سنجد أن التصعيد بدأ من جانب سليماني بهدف قتل الانتفاضة العراقية. لكن ترامب وجد نفسه محاصراً من الداخل والخارج, ففضل المغامرة بضربة لم تتوقعها طهران بكل تأكيد. ولهذا سيكون الرد الإيراني أقل من التطبيل الإعلامي وتحت مستوى تأثير الضربة الأمريكية على المشروع الطائفي الدموي الإيراني. المهم في الآمر أن الاتفاق الامريكي الايراني الذي جعل البلدان العربية مسرحاً لصراع وحشي اصبح على شفا الهاوية وإن شاء الله. ٢٠٢٠ رقم جميل وكلنا آمل.
لو لم يكن لترامب غير هذا الإنجاز -أي قتل المجرم الصفوي- لكان حسبه!
لو كان الشهيد سليماني فاشيا ومتطرفا مذهبيا ما هي مصلحته في دعم القضية الفلسطينية ؟؟ باعتراف حماس والفصائل المسلحة
فاشيا في قتل الشعب السوري بكل تأكيد
مقال جيد ولكنه يفتقد الى مراجع للمعلومات المذكورة به حول دور سليماني في تفكيك طالبان وان كان ينسق مع البنتاغون بذلك وكذلك دوره بالعراق في محاربة داعش ولكن هذا لا ينفي دوره المحوري في محاربة داعش بالعراق ولكن من خلال قيادته للفصائل المرتبطة به منذ الحرب العراقية الايرانية وهو من جعلها تتحرك نحو سورية لتحارب مع نظام بشار وحزب الله واما مقتله فانه كاي حدث يتم التخطيط له مسبقا ويتم تنفيذه بالوقت المناسب وسيكون عذرا لايران لتقوم بعمل انتقامي محدود التاثير على امريكا ولكنه سيقود الى تفاهمات اخرى للمنطقة من خلال مفاوضات مباشرة مع الامريكان بالاضافة لتعزيز انتخاب ترامب مرة اخرى ليكمل ما قدمه لاسرائيل من وعود ومقتل شخص او اشخاص مهمين افضل بكثير من حروب مدمرة لالاقتصاد العالمي
لماذا لا يكون اعادة صياغة الاتفاق الخاص باحتلال العراق وتقاسمه على غرار اعادة صياغة الاتفاق النووي
تعودنا الاستفادة من مقالات الأستاذ صبحي والنهل من معارفه وثقافته الواسعة. الرائع في هذا المقال هو الكشف عن عمليات التنسيق بين سليماني واليانكيين في الشرق الأوسط والخدمات التي قدمها الجنرال الشيعي للأمريكان في الخفاء . تحية تقدير للأستاذ صبحي.
أعجبتي المقالة وودت كتابة هذا التعليق
العملية الرامبوية لن تحقق تغييرا عند الأطراف المتنازعة،
الأطراف المتنازعة تجيد ممارسة السياسة، وبالتالي، سيحاول المتصارعون اسثمار الخدث كل بطريقته، الفاعل ترامب، نتنياهو، وإيران.