أزمة ذات أبعاد طائفية تتصاعد وتيرتها على خلفية إقرار البرلمان العراقي مشروع قرار أرسلته الحكومة لإقرار العطل الرسمية في البلاد. إذ تم إقرار يوم 18 من شهر ذي الحجة من كل عام عطلة رسمية بمناسبة (عيد الغدير)، وهي مناسبة يحتفل بها الشيعة، باعتبارها إعلانا من الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد حجة الوداع بأن علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) خليفة له، بينما لا يعترف السنة بهذه السردية الشيعية، لأنها تضرب الشرعية التاريخية لتسلسل الخلافة الراشدية.
جاء تحريك الأزمة هذه المرة على يد السيد مقتدى الصدر، المعتزل هو وتياره العملية السياسية، إذ طالب في 19 نيسان/أبريل الماضي، في تغريدة على منصة «إكس» قائلا؛ «بأمر من الشعب والأغلبية الوطنية المعتدلة بكل طوائفها، يجب على مجلس النواب تشريع قانون يجعل من الثامن عشر من شهر ذي الحجة، عيد الغدير، عطلة رسمية عامة لكل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم وعقيدتهم».
وسرعان ما تفاعلت الكتلة الشيعية في البرلمان مع دعوة الصدر، وتم جمع أكثر من مئة توقيع على طلب موجه إلى رئيس البرلمان، للموافقة على إقرار مشروع قانون العطلات الرسمية. الحكومة من جانبها أرسلت مشروع القانون للبرلمان الذي اجتمع يوم 17 أيار/مايو الجاري وبنصاب يكفي لتمرير القانون، على الرغم من اعتراض الكتلة السنية، وتم فعلا إقرار العطل الرسمية، التي فتحت سجالا طائفيا أثار تخوف العراقيين من اشتعال أزمة طائفية جديدة. وذكر رئيس مجلس النواب بالنيابة محسن المندلاوي في بيان صحافي؛ أن «رئاسة مجلس النواب منحت اهتماما خاصا لمشروع قانون العطلات الرسمية، وحرصت على جعل يوم 18 ذي الحجة عطلة عامة، وذلك لرمزية يوم الغدير لدى غالبية العراقيين». من جانبه، أشاد السيد مقتدى الصدر بالإجراء، وقدم شكره لأعضاء مجلس النواب لتصويتهم على عطلة يوم الغدير، ودعا أتباعه إلى التوجه إلى المساجد لأداء «صلاة الشكر».
اقترحت بعض الأصوات المعتدلة حلا للخروج من الأزمة عبر تولي مجالس المحافظات تشريع قوانين تتلاءم مع توجهات ساكنيها، فهل سيتمكن الفرقاء من تجاوز هذه الأزمة الطائفية
الأحزاب المكونة للكتلة السنية في البرلمان، أعلنت رفضها وتخوفها من إقرار عطلة عيد الغدير على المستوى الوطني، إذ أعلن حزب السيادة بقيادة خميس الخنجر، موقفه في بيان رسمي جاء فيه؛ «في الوقت الذي يتطلع فيه حزب السيادة إلى ترسيخ حالة الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي، وتوثيق اللحمة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وطي صفحة الاستقطاب والانقسام المذهبي والديني، والبدء بصفحة العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، من دون تمييز وإقصاء وتهميش. نرى محاولات تشريع أعياد دينية لا تنال الإجماع الوطني، بسبب الطبيعة التعددية الاجتماعية والمذهبية والدينية التي يعرف بها العراق. وهذا ما يثير المخاوف من تحول النظام السياسي تدريجيا إلى نظام دولة ثيوقراطية دينية بسبب هذه القوانين». أما النائب السني السابق مشعان الجبوري، فقد غرد على منصة إكس قائلا؛ «محاولة تشريع قانون يجعل من عيد الغدير عطلة وطنية رسمية، يعني عملياً تبني سردية دينية شيعية تتعلق بالإمامة ـ الولاية، التي يُكفِّر أغلب علماء الشيعة منكرها بشكل غير قابل للتأويل. ولا وجود لها بالمطلق في السردية السنية. من حق الشيعة الاحتفال بعيد الغدير كما يشاؤون، لكن تحويله إلى عيد وطني، وفرضه على من تكفرهم هذه السردية، وهم نصف الشعب العراقي، سيؤدي إلى مشاكل وحساسيات، الشعب العراقي في غنى عنها». بينما علق أثيل النجيفي، القيادي في حزب متحدون، في تغريدة على منصة إكس قائلا؛ «لا يدرك الفوضويون من الشيعة بأنهم عندما يستفزون عقائد أهل السنة، يتعمدون إجاعة واستنفار أسد هصور كانت الجراح قد أثقلته، وها هو يتماثل للشفاء. وبينما يدعوهم العقل لتسكينه واحتوائه، تسحبهم الرعونة والجهل لإثارته. أتمنى أن تعي الحكومة خطورة هذه الأفعال وتضع لها حدا فاصلا».
وقد رأت النائبة نهال الشمري، من كتلة تقدم التي يقودها محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان المقال؛ أن «التصويت على مشروع قانون العطلات الرسمية الذي يتضمن عطلة عيد الغدير، جاء بسبب ضغط الشارع العراقي، بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لتشريعه، أكثر مما هو رغبة من النواب الشيعة داخل البرلمان العراقي». وأشارت إلى أن «تشريع قانون في هذه المرحلة أمر غير صحيح، خاصة مع وجود أصوات طائفية ومشاكل وخلافات تحول دون مرور مثل هذه القوانين بصورة صحيحة، بالإضافة إلى أن المكون السني يفتقد حالياً لاستحقاقه في رئاسة البرلمان. من المفترض عدم تمرير تشريعات من هذا النوع إلا بوجود رئيس للبرلمان وفق الاستحقاق السياسي». النواب الكرد في البرلمان الاتحادي تغاضوا عن تمرير القانون بعد أن حظوا بعطلتين وطنيتين خاصة بهم وهي: عيد نوروز يوم 21 آذار/ مارس ، ويوم 16 مارس ذكرى فاجعة حلبجة. لكن إقرار القانون أثار لغط وتذمر بعض الأطراف، بالإضافة إلى السنة، إذ اعتبر النائب المسيحي أسوان الكلداني، اعتراض الكتل السياسية على اعتبار يوم ميلاد المسيح، عطلة رسمية في العراق، يحمل «نفسا طائفيا». وقال الكلداني في مؤتمر صحافي عقد في مبنى البرلمان بمشاركة عدد من النواب، إن «هناك نفسا طائفيا في عدم إدراج يوم ولادة السيد المسيح الذي يصادف يوم 25 كانون الأول/ديسمبر عطلة وطنية. للأسف هناك أعياد عامة وخاصة في العراق، لكنهم لم يعتبروا ميلاد السيد المسيح صاحب المعجزات عطلة رسمية في العراق، وسيكون هذا موقفا سلبيا يسجل على الكتل الشيعية». أما الحزب الشيوعي العراقي فقد اعترض على جانب آخر من قانون العطل الرسمية الجديد، الذي ألغيت فيه عطلة يوم 14 تموز/يوليو. وجاء في بيان الاستنكار الرسمي الصادر عن الحزب؛ «إن هذا المشروع مثير للانقسام اجتماعيا وسياسيا، ويتجاهل واحدا من أهم الأحداث في تاريخ الدولة العراقية الحديثة، يوم انبثاق وميلاد العراق الجمهوري في أعقاب ثورة 14 يوليو عام 1958. ومما يثير الاستغراب أن يصدر مشروع العطلات الرسمية بهذه الصيغة، من حكومة تؤكد أنها تسعى إلى الحلول، وإعلاء شأن الهوية الوطنية، وتكريم رموزها، والاحتفاء بالمناسبات الوطنية. فالإهمال العمد ليوم 14 يوليو يعكس مساعٍي لطمس معالم الثورة ومحو ذكراها الراسخة في وجدان بنات وأبناء شعبنا. إذ ما زالت ملامح إنجازاتها الكبيرة شاخصة تشهد على أصالتها المعبرة عن إرادة ملايين العراقيين الذين استقبلوها بفرح غامر».
الرفض السني لإقرار عطلة عيد الغدير كمناسبة وطنية متواصل، وفي هذا السياق جاء تلويح بعض الأصوات السنية المتشددة، كرد فعل طائفي، بالمطالبة بإقرار ذكرى يوم السقيفة الذي آلت فيه الخلافة بعد وفاة النبي محمّد (صلى الله عليه وسلم) إلى الصحابي أبي بكر الصدّيق (رضي الله عنه)، كعيد وطني وعطلة رسمية في العراق. بينما اقترحت بعض الأصوات المعتدلة حلا للخروج من الأزمة الطائفية عبر تولي مجالس المحافظات تشريع قوانين تتلاءم مع توجهات ساكنيها، ويمنح القانون العراقي بالفعل الحكومات المحلية السلطة لإعلان يوم عطلة تقتصر على ساكني المدينة دون غيرها، لأسباب مختلفة. فهل سيتمكن الفرقاء من تجاوز هذه الازمة الطائفية؟
كاتب عراقي