لأول مرة منذ سنة 1956، تاريخ إطلاق جائزة “فرانس فوتبول” التي تمنح لأفضل لاعب في الموسم، لن تمنح جائزة الكرة الذهبية لأي لاعب هذه السنة بسبب الظروف الصحية الاستثنائية التي تعيشها البشرية وتداعياتها على كرة القدم العالمية، حتى فقدت الجائزة كل الشروط العادلة لتنظيمها بحسب تبريرات إدارة المجلة في بيانها الذي سقط كالصاعقة على عشاق الكرة ونجومها، في وقت اعتبر البعض الأخر بأن حجب التتويج يعود لأسباب أخرى غير مباشرة، ويحمل دلالة استسلام وانهزام أمام فيروس كورونا اللعين الذي قتل ودمر وأوقف مظاهر الحياة في كل المجالات، وها هو يقود الى حجب جائزة عالمية كبيرة، وربما حجب جوائز محلية وقارية ودولية أخرى تنعكس سلبا على معنويات الناس، خاصة وأن الكرة كانت من أبرز النشاطات التي تحدت الوباء عندما استأنفت نشاطاتها في أوروبا.
بعض المتابعين يعتبرون أن المجلة الفرنسية تأثرت كثيرا بالضائقة المالية التي تعاني منها منذ انفصالها عن الفيفا قبل أربع سنوات، لدرجة صارت تقدم للفائز مباشرة بدون تنظيم حفل كبير مكلف، وتأثرت هذه السنة بتوقف الدوري الفرنسي وعدم استئنافه على غرار دوريات أوروبية أخرى، كما تأثرت بإلغاء الفيفا في مايو/ايار الماضي لحفلها الذي كان مقررا في ميلانو في سبتمبر/أيلول المقبل، لذلك أعلنت بدورها حجب الجائزة رغم استكمال مباريات الدوريات الكبرى ومسابقتي دوري الأبطال والدوري الأوروبي، وكان يمكن للمجلة الفرنسية التي ترفع تحديا آخر يضاف إلى كل التحديات التي رفعتها الاتحادات المحلية والاتحاد الأوروبي لكرة القدم عندما قرروا مواجهة الفيروس على طريقتهم.
البعض الأخر اعتبر الحجب عاديا ومنطقيا، بل ضروري لأن التبريرات المعلنة مقنعة في سنة غير عادية لا يمكن فيها تقييم المجهودات الفردية للاعبين بسبب التوقف الطويل والاستئناف الجزئي للمباريات في ظروف غير مألوفة تميزت بغياب الجماهير وتغيير بعض اللوائح والقوانين، وتأجيل الأحداث الرياضية الكبرى على غرار كأس أمم أوروبا وكوبا أميريكا والألعاب الأولمبية، وتم فيها تغيير نمط مسابقتي دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي في سابقة استثنائية تقتضي حجبا مؤقتا لجائزة “فرانس فوتبول” التي لم يسبق وأن تأخرت عن موعدها منذ أكثر من ستة عقود رغم كل الظروف الصعبة التي عرفتها المجلة عبر التاريخ.
قرار الحجب لم يمنع عشاق الكرة من الحديث عن اللاعبين الذين كانوا الأقرب للتتويج لو تم تنظيم الجائزة، على غرار البولندي روبرت ليفاندوسكي صاحب 51 هدفا في 43 مباراة والأقرب للتأهل الى ربع نهائي دوري الأبطال مع البايرن، اضافة الى هداف الدوري الإسباني، الأرجنتيني ميسي والبرتغالي رونالدو الذي يقترب من التتويج بلقب الدوري الايطالي وينافس على لقب الهداف بعدما صار أول لاعب في التاريخ يسجل أكثر من 50 هدفا في الدوريات الثلاثة الكبرى (انكلترا واسبانيا وايطاليا)، من دون أن ننسى حظوظ سيرخيو راموس وكريم بنزيمة في التتويج بسبب تألقهما مع الريال، وكذا الممرر البارع البلجيكي كيفن دي بروين المرشح برفقة السيتي للتويج بلقب دوري الأبطال.
كل الأسماء المتداولة في مختلف وسائل الإعلام تميزت وتألقت مع أنديتها بدرجات متقاربة الى حد بعيد في موسم ليس ككل المواسم، كلها كانت ستكون في قائمة المرشحين للفوز، لكن لا أحد منها خطف الأضواء أكثر من الآخر ليستحق الجائزة مثلما كان يفعل ميسي ورونالدو خلال العشرية الماضية، وهو ما خلصت إليه مجلة “فرانس فوتبول” التي أقرت بأن المساواة تتطلب منح الكرة الذهبية على أساس قواعد المقارنة المتساوية غير الممكنة في الظروف الراهنة، حسب تقديراتها الفنية التي كانت دوما تستند اليها في الاختيار بعيدا عن كل التأويلات التي أعطيت هنا وهناك لقرار الحجب المؤقت.
بعد قرار “فرانس فوتبول” كل الأنظار ستترقب ما تقرره مؤسسات اعلامية محلية وأوروبية أخرى، واتحادات قارية وهيئات رياضية عالمية لتكريم الأحسن عندهم، خاصة بعدما حسم سابقا الاتحاد الدولي لكرة القدم مصير جوائز “الأفضل” هذا العام عندما قرر إلغاء حفل الفيفا السنوي الذي كان مقررا في سبتمبر المقبل بمدينة ميلانو لتكريم أفضل اللاعبين واللاعبات والمدربين، لكن يبدو أن الجميع سيتوجه نحو الغاء كل التكريمات وعمليات سبر الآراء السنوية المعتادة، والتركيز على تكريم واحد من طرف العالم بأسره لمن ينقذ البشرية من الموت البطيء باكتشاف اللقاح المضاد لفيروس كورونا الذي حجب الجائزة وقتل وشرد وعطل سيرورة الحياة في كل المجالات.
إعلامي جزائري