قُبيل حرب لبنان الثانية شحنت سيارتي وأخذت القهوة وزوجة حاملا لنزهة في الجليل. كان موسم الأكواخ الخشبية في ذروته وكذلك موسم الأوهام ايضا. إن سياحا اسرائيليين يحبون السير ويعشقون الذكرى أخذوا النساء والاولاد للتنزه على الحدود. وكان يمكن ان ترى من الشمال مزارعين ورعاة ماعز يختلطون بناس حزب الله. وفي الخلف منظر بقايا مواقع عسكرية وطرق سار عليها جيل كامل من جنود اسرائيليين. وفضل آخرون مثلنا ان يغمسوا أقدامهم في الينابيع تحت هضبة الجولان. أحسن الهدوء حولنا للجميع حتى للمتشائمين مثلي ممن اعتقدوا ان طريقة تركنا لجنوب لبنان كانت فاسدة. وقد نمت السياحة وأزهرت في الجليل الاسرائيلي وسواحل بيروت. وأشرقت الشمس بصورة متساوية ولم يتخيل أحد من الطرفين حربا قريبة ولم يشأ حربا قريبة. كادت الاشياء تقع من تلقاء نفسها. فقد أراد حزب الله ان يخطف جنودا كي يُظهر فقط علامات حياة. وبدأت اسرائيل حربا من البطن لتُصحح شيئا ما ايضا الردع الذي سُحق منذ انسحب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان. إن الدول الديمقراطية في العالم الحديث لا تحتل كي تحصل على موارد طبيعية أو على ارض بل تقاتل الدول في القرن الواحد والعشرين لنقل رسالة وللردع. تتحدث النظرية عن ردع متراكم وردع مسحوق. فاذا هددت العدو ولم تفعل سُحق ردعك. واذا رددت بتصميم وجبيت ثمنا زاد مخزون الردع. وعندنا في دولة اسرائيل من هذا ومن ذاك والاختيار هو مسألة توقيت وحظ، بقدر كبير. كانت هذه هي الحال آنذاك وهي كذلك اليوم ايضا مع سلسلة اعمال القصف في سوريا المنسوبة الى اسرائيل. إن الهدوء الذي حُفظ الى الآن هو درس مهم من وجهة النظر التاريخية. واليكم تذكيرا: كانت حرب لبنان الثانية تُرى فشلا في اسرائيل. ووصمت مسيرات انتصار حزب الله ومظاهرات رجال الاحتياط في اسرائيل وعينا بذاكرة اختلالات ذات بُعد واحد: المعدات الناقصة لجنود الاحتياط؛ والأوامر العسكرية المتضاربة، والمعلومات الاستخبارية التي لم تتغلغل الى ما دون السطح؛ وقادة عسكريون لا ثقة لهم بأنفسهم وبمن يرأسونهم. وبرغم الضربة الأليمة التي تلقاها لبنان وحزب الله على أثر حادثة اختطاف تكتيكية، شغلوا أنفسهم في اسرائيل بجلد الذات فقط. وحولت أعراض قطع الأعناق وثقافة لجان التحقيق استخلاص الدروس الى مسار ذي بُعد واحد وجه الى الداخل فقط. تُصور أحداث الاسبوع الأخير، كما كانت الحال في السنين التي مضت منذ كانت حرب لبنان الثانية، انجازات تلك الحرب بمنظار تاريخي. خرجت اسرائيل في 2006 لحرب كان هدفها تعزيز الردع في المنطقة وقد نجحت في امتحان النتيجة. فقد كانت السنوات السبع الأخيرة بمفاهيم الردع، هي السنوات السبع الطيبة. وبرغم سلسلة أحداث اشتملت على طلعات جوية للجيش الاسرائيلي والهجوم على المفاعل الذري في سوريا وتصفية عماد مغنية (المنسوبة الى اسرائيل) ووقف شحنات السلاح المرسلة تم الحفاظ على الردع على حدود لبنان وسوريا. انتفخ حزب الله وكبر حجمه الى ان أصبح جيش حرب عصابات حقيقيا. وميزته هي بمقدار الصواريخ التي تسلح بها. أما نقيصته فبفقدانه المرونة، وبالقواعد العسكرية ومقرات القيادة الثابتة التي قد تصبح أهدافا لاسرائيل في الحرب. ويدركون في سوريا التي كانت تنظر متنحية في 2006 أن هجوما على اسرائيل قد ينتهي برد مؤلم بل قد ينتهي بفقدان السلطة. وبرغم التأثير الايراني القوي فان لحزب الله ولسوريا مصلحة مستقلة في البقاء. ليس للاسد أي اهتمام بفتح جبهة اخرى مع اسرائيل وتعريض القليل الباقي له للخطر. أما حزب الله الغارق الآن في سوريا فليس له أي اهتمام ببدء حرب اخرى تعيده الى جنوب لبنان. ويُسمون هذه الحسابات، وهي حسابات الكلفة بازاء الفائدة، يُسمونها ردعا. يُخيل إلينا أنه حان الوقت لصنع شيء قليل من العدل بقولنا انه لم توجد اخفاقات فقط في 2006 بل نجاحات ايضا ثبتت لامتحان الزمن.