لقد حان الوقت لاتخاذ خطوات تغييرية لغوية جادة في اتجاه تعابير أكثر عدلاً ومساواة وإنسانية. دعي عنك من يقولون إن هذه مبالغات في قراءة أثر اللغة وتأثيرها، فتأثير اللغة نعيشه ونعايشه كل يوم، ودع عنك من يحذر من أي تطوير للغة بحجة أنها لغة القرآن المقدسة التي لا يجب المساس بقواعدها، فالقرآن تحفظه صدور الناس وإيمانياتهم لا قوانين لغوية صارمة تعاند الزمن. اللغة التي لا تتطور تموت ولن ينقذها تقديس أو حماية، واللغة التي تميز بين الناس صانعة فروق وطبقات هي لغة مدانة بتدمير المجتمع، كما أنها مدانة بحمل آفات هذا المجتمع وتسويق خطاياه.
ليس المسلمون وحدهم هم أصحاب الإيمان بقداسة كتابهم وعليه بقداسة لغتهم ووجوب المحافظة عليها من كل تغيير. العديد من أصحاب الديانات الهندية القديمة على سبيل المثال، كان عندهم المعتقد ذاته ، فكانوا يرون أن كتب The Vedas لا يمكن أن يطالها تغيير، وأن محاولة تحريفها ستستجلب كوارث طبيعية هائلة.
كان نتاج تقديسهم للغة كتبهم، وهي اللغة السانسكريتية، ورفضهم لأي تغيير أو تطوير ينالها، إن ماتت هذه اللغة وما عاد لها استخدام في زمننا المعاصر. وعليه فإن المقاومة المستمرة لمجمع اللغة العربية وللآراء اللغوية العامة لأي مشروع تطويري للغة العربية ولأي محاولة تعريب لأي كلمات غير عربية، هي ما تتسبب في تهميش العربية الكلاسيكية وإبعادها تماماً عن الاستخدام العام، هذا غير أن هذه المقاومة تسببت في نفور الأجيال الجديدة من هذه اللغة، نظراً لصعوبة تعابيرها وتعقيدها الذي لا يتناسب وروح العصر الخفيفة والسريعة، وكذلك نظراً لصعوبة وتعقيد قواعدها التي تجعل من هذه اللغة واحدة من أصعب لغات العالم.
تحتاج اللغة لتصفية حقيقية من التعابير والكلمات التمييزية فيها، فبين عانس وعازب، وسن اليأس وسن النضج، تتضح مكانة المرأة المتحدثة بالعربية والطريقة التي ينظر بها المجتمع لها.
إلا أن التغيير الذي يجب أن يطال اللغة يتعدى الحاجة للتجديد والتبسيط وكرم استقبال الكلمات الأجنبية (والتي هي حاجة ملحة نظراً لأن اللغات الأوروبية تحديداً هي ليست فقط لغات العلم ولكنها لغات التواصل الإنساني بمعانيه المختلفة اليوم)، تغيير اللغة العربية يجب أن يطال جذرها التمييزي بين الذكر والأنثى والذي خلق حالة فكرية تفريقية حقيقية في حياتنا. فالجنين ذكراً، نشير له بهو، إلى أن تثبت إدانته الأنثوية، ثم الإنسان عموماً ذكر في كل إشارات اللغة العامة إلا إذا كانت هناك حاجة لمخاطبة أنثى مباشرة. العام ذكر والخاص أنثى، القاعدة ذكر والاستثناء أنثى، وهذه القاعدة اللغوية الخطيرة ساهمت إلى حد بعيد في تنصيب الذكر النوع الإنساني الأول، أو أنها ساهمت في توزيع هذه الفكرة وتثبيتها، حيث أنه لم يتم البت تحديداً فيم إذا كانت اللغة تخلق الفكرة في رؤوس المتحدثين بها أم أنها تعكس ما في رؤوس المتحدثين، أي فيم إذا كانت اللغة تخلق الفكرة أم الفكرة تظهر في اللغة وتصنعها.
في كل الأحوال، تحتاج اللغة لتصفية حقيقية من التعابير والكلمات التمييزية فيها، فبين عانس وعازب، وسن اليأس وسن النضج، تتضح مكانة المرأة المتحدثة بالعربية والطريقة التي ينظر بها المجتمع لها. فاللغة العربية بتشكيلها الحالي هي «تذكر» المجتمع بأكمله، فكما قال الباحث المصري حسام الحداد لـ«القدس العربي» منذ سنوات إنه «يمكن لرجل واحد أن يلغي مجتمعا من النساء في تذكير الأفعال حيث يشار إلى هذا الجمع بصيغة المذكر». كما أن اللغة العربية ببعض تعابيرها الحالية تخلق أو تثبت تلك الكينونة العاجزة سريعة انتهاء الصلاحية للمرأة، والتي لن يتأتى تغييرها الا مصاحباً لتغيير اللغة التي تعبر عنها. هذا ونتمنى أن نرى هذا التغيير منعكساً كذلك على اللهجات المختلفة والطريقة التي يتم التعبير فيها عن المرأة من خلالها، فالمرأة ليست «حرمة» واسمها ليس عورة كما هو مستخدم ومستشعر في كل الدول الخليجية والعديد من الدولة العربية. إن تغيير مفردات اللغة وتعابيرها هو تغيير لمفردات المجتمع وطرائق تفكيره، فإذا ما بقيت اللغة متجمدة في ثلاجة الخوف والقداسة، سيبقى المجتمع كله متثلجاً كذلك معها، لا يستشعر دفء الحاضر ولا يرى شمس المستقبل. إنقاذ اللغة في تطويرها وفي تليينها، والأهم في تطويعها لمبادئ ومفاهيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان.