10 تموز 2013 يوم عادي بامتياز بأحداثه الميدانية وانعدام أخباره السياسية، خاصة بعد أنّ فضّ الجميع تقريباً آمالهم التي كانت معلقة على ‘أصدقاء سوريا’ وحتى على معارك ترتيب ‘البيت الداخلي’ للائتلاف الوطني لقوى الثورة.
اليوم 10 تموز 2013 هو أوّل أيام شهر رمضان الكريم، وهو يعبر للعام الثالث في ضجيج الاقتتال العسكري في سوريا، في عنف الزنازين والمعتقلات، في جوع المناطق المحاصرة وألم المدنيين فيها.
إلاّ أنّ اليوم بدا غريباً للمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى نشرات الأخبار على الفضائيات العربية التي امتلأت بالحديث عن ما يُعرف ب(دولة العراق والشام الإسلامية)، وانتهاكات القوى السلفية لحقوق المواطنة والحقوق المدنية للمواطنين في المناطق المُحرّرة. في الواقع يصعب تحديد اليوم الذي انطلقت فيه الثورة الثانية في سوريا، كما يصعب تحديد اليوم الذي انطلقت فيه ثورتها الأولى، وإن كان الكثير يعتبرون أنّ اعتقال أطفال درعا هو من أطلق فتيل الثورة الأولى، فربما كان طفل اسمه ‘محمد القطاع’ بدأ الثورة الثانية حين قال: (لو نزل محمد ما أدين) بتاريخ 10 حزيران 2013.
محمد القطاع الحلبي ابن الخامسة عشر ربيعاً جُلِد لقوله ذاك من قبل عناصر الهيئة الشرعية في حلب، وككل السوريين جنّ بثورته وبأنّ الشعب السوري ما بينذّل كما هتف الأوائل منذ أكثر من عامين، فعاد وصرخ (لو نزل مُحمد ما أدين) بوجه جلاديه الذين اقتادوه مجلوداً إلى الساحة حيث تجمّع الناس أمام زاويته الصغيرة التي يبيع عليها القهوة والشاي، وحيث لم يملك محمد بطاقة هويّة بعد ليرفعها بوجههم جميعاً وبوجه العالم ويقول: هذه هويتي، كما فعل المنشقون الأوائل، وليس له حتى قلم يخط به على الجدار حلم حريّة وإسقاط نظام، فقد اكتفى بصوته وعزّة نفسه ليدافع عن كرامته المسلوبة بأن أعاد قوله، فكانت له بالمرصاد رصاصتين، ودمعتين من أمه التي كانت تشاهد ما يحدث، وبحسب بعض المصادر كان والده وقتها في المسجد يُنهي صلاته بآخر ركعتين. ربما.
رداً على الإعدام التعسُّفي بحق ‘القطاع’، أطلقت مجموعة من شباب الحراك المدني في حلب حملة ‘لهون وبس’، وهي بحسب القائمين عليها: محاولة للوقوف ضدّ كل شيء يسيء للثورة، محاولة لخلق حالة احتجاجيّة منظّمة لدى الجميع. ومن أجل (بناء سوريا الحرّة، دولة كل السوريين على أسس الكرامة والحريّة).
من جهة ثانية، أصدر المجلس المحلي لمدينة تل أبيض بياناً صحفياً مفاده:
(قامت ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام’ بمصادرة المولدات التي تبرعت بها أحدى الهيئات الدولية لمدينة تل أبيض لتوفير مياه الشرب لأهل المدينة وريفها. المجلس المحلي بمدينة تل أبيض يعلن تعليق أعماله بدءا من اليوم ولأجل غير مسمى ردا على تدخل دولة العراق والشام بأعمال المجلس ومصادرتها للمولدات. كان هدفنا منذ بداية أعمالنا أن ننهض بعبء خدمة المدينة إرضاءً لله وللوطن وتابعنا أعمالنا رغم كل المصاعب والعوز، والتهجم على المجلس واتهامه بالعمالة والسرقة، ولم نعط لتلك التصرفات انتباهاً حرصاً منا على متابعة خدمة المواطن وإنجاح التحول الثوري. اليوم نحن علقنا أعمالنا ليس فقط من أجل تلك الحادثة فقط ولكن إن خضعنا لتلك الرغبات فلن تقبل أي منظمة داعمة بتنفيذ مشاريع خدمية في المنطقة بسبب تدخل العناصر المسلحة بالعمل الخدمي. نرجو من الله أن نكون قد أبرأنا ذمتنا وقمنا بخدمة هذا الوطن الجريح).
علماً أنّ شباب المجتمع المدني في مدينة تل أبيض كانوا قد اعتصموا قبل أيام قليلة بتاريخ 5 تموز للمطالبة بالإفراج عن أحد ناشطي ‘تجمّع شباب تل أبيض’ الذي اعتقلته كذلك ‘دولة العراق والشام الإسلامية’، رافعين لافتات كتب عليها ‘لا للاعتقالات التعسفيّة من أي جهة كانت’. و’قبل التحرير أبحث عن ابني لدى المخابرات الجوية، بعد التحرير أبحث عن ابني لدى دولة العراق والشام الإسلامية’. نجحت مبادرة الشباب وتمّ الإفراج عن الناشط ‘عزيز محمد’ خلال أيام.
وقبل انقضاء ساعات من الهدوء، لم تلبث عناصر ‘دولة العراق والشام الإسلامية’ ان قامت باعتقال الناشط الإعلامي ‘محمّد نور مطر- 1993’ مساء يوم الثلاثاء 9 تموز 2013، وبشكلٍ تعسّفي من أمام مبنى الدولة ‘المحافظة سابقاً’، بعد لحظات من وقوفه مع امرأة حاولت الاعتصام أمام المبنى. لتعود وتجن صفحات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنطلق حملات التنديد من قبل تجمعات الحراك المدني من ‘لهون وبس’ إلى ‘حقنا’ وبيانات ‘لجان التنسيق المحلية’ وقوى ثورية أخرى.
في الوقت ذاته، أصدرت شباب صفحة ‘عدسة شاب حلبي’ بياناً بشأن اعتقال زميلهم الإعلامي والمصوّر ‘زيد محمد’، لدى مراجعته الهيئة الشرعية في حلب للمطالبة بفك الحصار عن أحد المعابر في المدينة. وبحسب البيان فقد أتّى اعتقال ‘محمد’ إثر تصريحه بوجه عناصر الهيئة أنّه: (يرغب بدولة علمانية ديمقراطية)، الأمر الذي اعتبرته الهيئة بحكم المرتد! وبحسب البيان فقد أمهلت الهيئة المصوّر ‘محمد’ ثلاثة أيام للتوبة عن مطلبه.
إلى عناصر الهيئة ومختلف القوى الثورية الأخرى وجه شباب ‘عدسة شاب حلبي’ كلمات بيانهم، حيث طالبوا: (إننا كثوار وناشطين نطالب الهيئة الشرعية بإطلاق سراح زميلنا زيد فوراً، والتوقّف عن الاعتقالات التعسّفية بسبب الاختلاف بالرأي لأنّها تكرّر جرائم النظام وأقبية الفروع الأمنية. وإننّا إذ ثرنا لأجل الحق والحرية، وليس لأجل تبديل قمع الرأي وتكميم الأفواه واحداً بآخر، ولأجل ألا ننسى ما ثرنا لأجله، فإننا نطالب من اليوم بعدم اعتقال أي شخص دون مذكّرة اعتقال واضحة، وبتهم محدّدة لا تندرج ضمن التهم التلفيقية التي اعتاد نظام البعث اختراعها سابقاً، وحتماً فإننّا نرفض أي اعتقال على أساس الرأي والفكر فقط ..الحرية لزيد محمد .. ولكل معتقلي الرأي في سوريا).
في سوريا يعود الثوار إلى حراكهم السلمي وهم يطلقون ثورتهم الثانية، يعودون إلى إيمانهم الحقيقي برفض السلاح وبأنّ (دمّ السوري على السوري حرام)، وإن تجاهلهم العالم أجمع وقنواته الإخبارية وطاولات دبلوماسييه المستديرة. يعملون بالكلمة، بالرسم، بوسائل المجتمع المدني الشبابي، بالغرافيك وتوزيع المناشير، بالمقالات وطباعة الصحف، يغنون ويهتفون يرفعون شعاراتهم التي تهتف للحرية والكرامة، هكذا رفع شباب مدينة صغيرة اسمها ‘حاس’: (يسقط الأسد.. ويسقط تاجر الأسلحة ويسقط تاجر الآثار.. يسقط تاجر النساء.. يسقط تاجر الدين.. يسقط تجار الدم السوري). كما رفع ثائروا ‘كفرنبل’ الشهيرة بعنفوان أبنائها ولافتاتهم: (أنا ثرت لأحافظ على كرامتي.. وليس ليُهينها مين ما كان!!) وذلك بتاريخ 1 تموز 2013.
جائعون، محاصرون، ليس لديهم كهرباء أو ماء أو دواء، يموتون بالقنابل العنقودية والفراغية والمسمارية والبراميل المتفجرّة وآلاف قذائف الهاون تدك جامع الصحابي الجليل ‘خالد بن الوليد’ وأحياء حمص القديمة المحاصرة وخالديتها الشهيرة بصمودها الأسطوري بعد أكثر من 13 شهراً على الحصار المُغيب عن شاشات الإعلام واهتماماتهم، يبدأون ثورتهم الثانية بكلمة وشعار وصرخة، فالظلم واحد والاستبداد واحد والموت واحد مهما تعدّد الأشكال.. ولا بديل أو مهادنة في كرامة السوري وحقوقه.
يعني إنتظروا أكثر من سنتين وهم يشاهدون كل يومتطرف التكفيريين الدمويين وهم ينهبون بإسم الله ويبتزون بإسم نصرة الإسلام ويقمعون بإسم الثورة على النظام ويدمرون ويغتصبون بإسم تحليل أموال وأعراض أهل الكفر ويجلدون ويقصون الرؤوس بإسم الشريعة ويدخلون في صغيراتكم ليفرخوا المزيد من أمثالهم بإسم النكاح الحلال، وأنتم كالنعاج لا أحد منكم يجرؤ على رفع رأسه. بعدين طفح الكيل مع جريمة إعدام هذا الولد؟ الذي قد يكون أول وآخر من يرفع رأسه بكرامة ضد هذه الطغمة الجاهلية من ذوي اللحى والجلابيب؟ ثورة ثانية؟ أي ثورة ثانية؟ أين هي؟ أين هي الجموع التي كانت تخرج ضد النظام في بدابة الإنتفاضة بعشرات الآلاف في احتجاجات سلمية تتخللها حلقات الرقص والدبكه، أين هي هذه الجموع الآن؟ الثورة ماتت من زمان، وهذه ببساطة حرب أهلية طائفية وإقليمية قذره، فابكوا على أنفسكم ولاتبكوا على هذا الطفل فقد مات حرا كريما يا عبيد “الثورة”.